معظم حالات النصب الطبى التى يقول فيها الطبيب إنه قد اخترع نظاماً علاجياً ضد الطب الحديث، وإنه الوحيد الذى يحتفظ بسره، تلك الحالات تعتمد على طبيب أو مُدعى طب يخرج على الناس ويقول لهم: شوفوا فلانة بتقول اتحسّنت على الاختراع بتاعى، أو شوفوا
فلان خف إزاى بعد ما خد العلاج أو مشى على النظام بتاعى، وتخرج فلانة ويخرج فلان للتسويق لهذا النصاب، فهل مجرد عبارة أنا اتحسّنت يؤخذ بها فى قبول العلاجات المخترعة من أفراد وغير منشورة فى دوريات أو مؤتمرات علمية؟ بالطبع لا، لماذا؟ تلك هى الأسباب:
أولاً: التحسّن الذاتى لا يساوى فاعلية العلاج، فكثير من الأمراض تتحسّن تلقائياً دون أى تدخل علاجى، مثل نزلات البرد، وآلام الظهر، والقولون العصبى... إلخ، فى هذه الحالات، إذا تناول المريض أى دواء أو وصفة خلال فترة التحسّن الطبيعى، غالباً ما يُنسب الشفاء للعلاج ويقول: أنا خفيت على الدواء ده، بينما الحقيقة أن الجسم كان سيتحسّن أصلاً حتى بدون هذا التدخل
ثانياً: تأثير الإيحاء (Placebo effect)، العقل الإنسانى شديد التأثير على الإحساس بالمرض، عندما يقتنع المريض أن علاجاً ما نافع، قد يشعر فعلاً بتحسّن فى الألم أو المزاج أو النوم، هذا التحسّن حقيقى من حيث الشعور، لكنه فى الغالب تحسّن نفسى أو عصبى، ولا يعنى بالضرورة أن الدواء عالج المرض أو أصلح سببه البيولوجى، ولهذا نرى أحياناً أن القرص الوهمى نفسه قادر على تخفيف الألم عند بعض الناس.
ثالثاً: الذاكرة البشرية غير دقيقة: الإنسان لا يتذكّر الأعراض بدقة، وقد ينسى شدتها أو يربط بين حدثين بلا علاقة سببية حقيقية، كما أن الحالات التى لم تتحسّن غالباً لا تُروى ولا يُتحدّث
عنها. على سبيل المثال، إذا جرّب عشرة أشخاص علاجاً ما، وتحسّن اثنان فقط، فإن هذين الاثنين يتكلمان وينشران تجربتهما، بينما الثمانية الذين لم يتحسّنوا يلتزمون الصمت. عندها يبدو لنا
العلاج ناجحاً، رغم أن الأغلبية لم تستفد. غياب المقارنة يعنى غياب العلم، فالطب لا يكتفى بسؤال: هل شخص تحسّن؟، بل يطرح أسئلة أدق مثل هل تحسّن أكثر من غيره؟، هل تحسّن أكثر ممن لم يتلقَّ
العلاج؟، هل كان التحسّن أكبر من العلاج الوهمى؟، وهل يتكرر هذا التحسّن عند مئات أو آلاف المرضى؟، من دون هذه المقارنات، لا يمكننا معرفة ما إذا كان التحسّن مصادفة أم نتيجة حقيقية للعلاج.
لكن ماذا لو اعتمدنا على عبارة أنا اتحسّنت؟، لو كان هذا المعيار كافياً، لاعتبرنا الحجامة علاجاً للسرطان، والأعشاب شفاءً للإيدز، والعلاج بالطاقة وسيلة لفتح الشاكرات، وبول الإبل دواءً شاملاً. فجميع هذه الممارسات لها من يقول: أنا
اتحسّنت، دون أن يكون ذلك دليلاً علمياً، شهادة المريض بالطبع مهمة، لكنها تمثّل بداية السؤال لا نهايته، هى لا تُثبت علاجاً، ولا تُغنى عن التجارب العلمية، والأرقام، والإحصاء. الطب لا يُبنى على القصص الفردية، بل على ما يتكرر بثبات عند الجميع.



