لم يعلم "عبد الرازق" أن تدخله لفض عراك دار بين "سائق ميكروباص" وراكبة في موقف التجمع، سيكلفه حياته غدرا بثلاث طعنات في الوجه والرقبة على نحو مأساوي على مرأى ومسمع من الجميع.

خرج "أبو تالا" من منزله بحي المعادي؛ قاصدًا التجمع الخامس في رحلة عمل كانت الأخيرة، حيث يعمل مشرف أمن في إحدى شركات العقارات، بعد أن أدى فريضة الجمعة مع والده وشقيقه؛ وقبل مغيب الشمس هاتف "عبد الرازق" زوجته بعدما أنهى ساعات عمله، ليخبرها بخروجه من العمل كي يتناول معها وجبة الغداء كعادة كل جمعة: "اتصل على زوجته وقال لها أنا جاي حضروا الغداء"، لكن قبل عودته انتهى كل شئ.

داخل موقف التجمع، أنتظر "أبو تالا" كغيره من الركاب، دقائق حتى اكتمل ميكروباص عودته للمعادي بالركاب، لكن طرأ شيئا لم يكن في الحسبان، وقعت مشادة بين السائق وإحدى الفتيات حول أولوية الركوب أنتهى الأمر بينهما بتحرش
و مضايقات من جانب السائق، ما دار بين السائق والفتاة لم يرضي"عبد الرازق" عاتبه الأخير على أفعاله لكن عتابه قوبل بالرفض."كان بيقول دي واحدة ست ومينفعش تتشتم بالألفاظ دي". تقولها الأم باكية في بث مباشر لمصراوي.
في بهو الموقف الواسع، احتدم العراك بين السائق و"أبو تالا" وصديق له، حينها الأول استعان بآخرين لمناصرته على الرُكاب، انتهي الأمر بطعن المشرف ثلاث طعنات في الرقبة والرأس والوجه أوقعته قتيلا في الحال على مرأى ومسمع الجميع، دون أن يتدخل أحد لإنهاء العراك.

تأخر "أبو تالا" في طريق عودته من التجمع وعدم رده على الهاتف، أثار القلق لدى أسرته "كان لسة مكلمنا من نص ساعة.. وقال إنه جاي يتغدى معانا زي كل جمعة"، 60 دقيقة انتظرتها الأم بقلب يحترق، تناجي ربها
بأن لا يصيب ابنها مكروه، لكن ما كانت تأمله لم يحدث، مكالمة هاتفية لم تدم إلا ثوان تلقاها شقيقه الأصغر"أحمد"، أخبره المُتصل أن شقيقه تعرض لحادث مؤلم ونصحه بالتوجه إلى المستشفى دون أن يفصح له عما جرى له.
هرول "أحمد" ـ شقيق أبو تالا ـ وأسرته إلى مستشفى التجمع على أمل نجاة ابنهم من الحادث، لكن تفاجئوا بحقيقة مغايرة، أن المشرف قتل في موقف بالتجمع: "رحنا لقينا ابن عمي ميت"، حينها أوُدع في ثلاجة الموتى لحين توقيع الكشف الطبي عليه من قبل الطب الشرعي.

كالصاعقة نزل نبأ وفاة "أبو تالا" على قلب الأم، أطلقت صرخات مدوية قطعت سكون منطقة المعادي حزنًا على رحيل ضناها، وحياة تعيسة لطفلته "تالا" الصغيرة التي لم ينعم برؤياها سوى 30 ليلة على الدنيا "ملحقش يفرح بابنته تالا ..دي مكملتش شهر مولودة .. ولا جه يتغدى معانا زي ما قال". تقول الأم بحسرة.
"عبد الرازق" الذي عُرف بين أبناء الجيران بـ "عبده اللول" منذ الِصغر، لم يكن كغيره، مواقفه النبيلة رفعت رصيد محبته لدى كل من عرفوه.
في غرفة النوم، تجلس الأم التي تتشح بالسواد بركن منزوي على سريرها، صورة "أبو تالا" لا تفارق بالها، تتذكر كل حين وآخر "كان بيجي آخر الليل بيقولي يا أمي عايزة اي حاجة .. ويجيب لي كل حاجة أنا عايزاها "، تصمت قليلا
وتنطق "ذنب بنته ايه اللي تطلع على الدنيا متلاقيش أب في ضهرها"، الدموع لا تجف من عيناها برحيل الابن الأكبر، لا تطلب سوى القصاص وتطبيق عدالة السماء في الأرض:"زي ما قتلوا ابني هما يتقتلوا.. عايزة إعدام عشان نار قلبي تبرد".
لم ينعم ابن الثلاث عقود، بزيجته التي لم تكمل عامها الأول، ولا محبوبته "تالا" التي لن تراه في الدنيا إلا عبر صورة، ترك "عبد الرازق" خلفه أثر طيب وجرح في قلب أمه وطفلة يتيمة.





