فى لحظة فارقة تُعيد رسمَ مشهد التمثيل النسائى فى مصر، وتستثمر فى الفرص المشرقة التى منحتها القيادةُ السياسية الحكيمة للمرأة من استحقاقات قيادية ومجتمعية طال غيابُها، انطلقت

فعاليات مؤتمر صوت نساء مصر، الذى أطلقه منتدى القيادات النسائية بمجلس الشباب المصرى، فى المجلس العربى للطفولة والتنمية، بمشاركة تاريخية جمعت أكثر من 400 منظمة وجمعية مجتمع مدنى، من 27
محافظة، فى تحالف نسائى رفيع غير مسبوق. جاء المؤتمرُ متزامنًا مع احتفالات الدولة بذكرى 30 يونيو، واقتراب الانتخابات البرلمانية لمجلسى النواب والشيوخ. لم يكن وحسب مؤتمرًا توعويًّا
بدور المرأة الفاعل والمستحَق فى المجتمع، بل محطة استراتيجية للحوار المجتمعى الهادف إلى ترسيخ العدالة وتمكين المرأة من مواقع القرار، فى ظل إرادة سياسية واعية تؤمن بقدرات المرأة وتراهنُ عليها.
جاءت الجلسة الافتتاحية زاخرة بالرموز السياسية والنائبات البرلمانيات وممثلات الأحزاب، فى مشهد عكس نضج المجتمع المدنى، حين يقدم خطابًا سياسيًا جديدًا يرى فى تمكين النساء قضية وطنية لا تعترف بالاستقطابات
الأيديولوجية. وقد تشرفتُ بإدارة الجلسة الختامية لهذا الحدث المفصلى؛ ما زادنى إيمانًا بأننا نبنى مجتمعًا قويًّا، يؤمن بأن المرأة شريكةٌ فى صنع القرار، لا هامشًا فى رواية الوطن، بل بطلة فى كل مشاهدها وجزءٌ من عنوانها.
شهد المؤتمرُ فى جلساته الثلاث نقاشات معمقة أثمرت عن مجموعة من التوصيات تقاطعت عند هدف مشترك: على أهمية إعادة صياغة الصورة الذهنية عن المرأة فى الخطاب العام، وتعزيز
مشاركة المرأة المصرية فى الحياة السياسية وصنع القرار فى الجمهورية الجديدة، وركّزت على بناء وعى مجتمعى بدور المرأة فى السياسة، عبر حملات إعلامية وميدانية تبرز
كفاءتهن، إلى جانب إدماج التثقيف السياسى فى مراحل التعليم العام وربطه بالهُوية الوطنية وقيم الانتماء، مع تقديم نماذج نسائية مُلهمة للأجيال الجديدة عبر المناهج والإعلام.
وطالبت المشاركاتُ بضرورة مراجعة بعض القوانين، وعلى رأسها قوانين الأحوال الشخصية بما يحقق استقرار المرأة، وتفعيل قانون ذوات الهمم، وتغليظ عقوبة التحرش بهن. وشدّدت التوصياتُ على ضرورة إصدار تشريعات صارمة تُجرّم العنف
السياسى والانتخابى ضد المرأة، مرشحةً أو ناخبة، بما فى ذلك التشهير والتهديد والتنمُّر الإلكترونى، مع دعم المرشحات سياسيًّا وإعلاميًّا وتوفير الدعم المالى واللوجيستى لهن، لا سيما المستقلات منهن، لضمان مناخ انتخابى عادل.
ودعت إلى تعزيز تمثيل النساء داخل الأحزاب بشكل حقيقى وفعّال، ومنحهن مناصب قيادية بعيدًا عن الأدوار الرمزية، مع اعتماد لجان حزبية مستقلة لضمان نزاهة الترشح وإتاحة الفرص للكوادر النسائية. وطالبت
التوصيات أيضًا بأن يكون للمجتمع المدنى دور تكاملى مع الدولة فى دعم النساء خلال كل مراحل العملية الانتخابية، عبر التدريب، والمرافقة القانونية، والدعم الإعلامى، وتوفير تغطية عادلة ومتوازنة للمرشحات.
كما أوصت بتنظيم أدوات التواصل الرقمى للمرشحات، خاصة فى ظل ضعف الموارد. وفى محور التربية والتعليم، أوصت المشاركات باكتشاف ودعم المواهب القيادية بين الطالبات فى مراحل التعليم الأساسى، وربط التثقيف
السياسى بقيم الانتماء عبر الأسرة والمدرسة والإعلام، مع مخاطبة الشباب بلغة معاصرة على المنصات الرقمية لتوصيل الرسائل السياسية بفعالية. بناء جيل قيادى يبدأ من الأسرة ويمر بالمدرسة ويُعزَّز بالإعلام الواعى.
ولم تغفل التوصيات أهمية الدعم النفسى والمعنوى بين النساء، وترسيخ ثقافة التضامن النسوى فى كل المسارات الحياتية، والاستمرار فى تنظيم القوافل التوعوية والطبية للنساء فى القرى والنجوع لرفع الوعى الصحى والاجتماعى، فى المجتمعات الأقل
وصولًا للخدمات. وفى الختام، توافقت المشارِكاتُ على أن الوعى، بكل أبعاده القانونية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، هو حجر الزاوية فى تمكين المرأة، وأن تحقيق مشاركتها فى الشأن العام لن يتحقق إلا ببناء هذا الوعى وتجذيره فى ضمير المجتمع.
وهكذا، لم يكن اللقاءُ فعالية عابرة فى روزنامة المؤتمرات، بل نداءٌ وطنى بصوت نساء مصر على طاولة القرار. صوت لم يعُد يطلب مساحة، بل يُصمِّم الخريطة، ويرسمُ ملامح برلمان يُجسّد إرادة النساء: فى قوّتهن، وحُلمهن، وكفاءتهن فى صناعة التغيير.
وحقّ لنا أن نوجّه الشكر للدكتور محمد ممدوح، رئيس مجلس أمناء مجلس الشباب المصرى، على دعمه المستمر للمرأة وإصراره على أن تكون فى القلب من كل تحرّك وطنى صادق، وللدكتورة أمانى
البدرى، رئيسة منتدى القيادات النسائية، التى جعلت من الحلم واقعًا، ومن الفكرة منصةً، ومن الهمسِ صوتًا تُصغى له المؤسساتُ وتُبنى عليه السياسات. إن ما بدأه هذا التحالف النسائى غير
المسبوق هو أكثر من مبادرة؛ إنه إرادة وطن لن ينهض إلا حين تسيرُ النساءُ إلى جوار الرجال فى ركب الوطن؛ يدًا بيد، وصوتًا بصوت، نحو جمهورية لا تُقصى أحدًا، وتؤمن بقدرات أبنائها وبناتها معًا.