في حي زهراء المعادي الهادئ بالقاهرة، حيث يتجاور البسطاء بأحلامهم وأوجاعهم، عاش منذر، الطفل ذو التسعة أعوام، مع أسرته الصغيرة التي يعمل عائلها حارس عقار سكنى. لم يكن منذر مجرد طفل عادى في عائلته، بل كان آخر العنقود، ابنًا دلّلته الحياة بحبّ والديه وإخوته، خاصة أخاه الأكبر محمد، الذي كان يعتبره امتدادًا له ورفيقًا لأحلامه الصغيرة.
تفاصيل حادث دهس طفل على يد مُسن في المعادي
لكن في يوم من أيام الحياة التي لا تنسى، تحولت أحلام هذا الطفل إلى ذكرى مؤلمة، ولقى منذر مصرعه في لحظة مأساوية جعلت الحزن يخيم على عائلته وجيرانه وكل من عرفه.
كان الوقت عصرًا، والأجواء عادية. منذر كان يقف عند باب العقار حيث تعيش عائلته وتحرسه، بجواره وقف أخوه مروان، الذي يكبره بـ 3 أعوام، يلعب بدراجته الصغيرة، بينما كانت الأم تتبادل معه أطراف الحديث وهى منهمكة في بعض الأعمال.
في الخلفية، كان هناك صوت غير مألوف لعجلات سيارة تتقدم ببطء، يقودها وصفس، رجل مسن يبلغ من العمر 81 عامًا، كوافير حريمي، يقيم في الطابق الأرضي من العقار نفسه. وصفي لم يكن معتادًا على القيادة، إذ اعتادت ابنته قيادة السيارة بدلًا منه، لكن في ذلك اليوم، قرر الرجل أن يجرب القيادة بنفسه، وهو قرار أودى بحياة طفل برىء.
تقول الأم، التي شهدت اللحظة المروعة بكل تفاصيلها: كان ابني (منذر) واقف مكاني، بيكلمني وبيقول لي حاجة عن جارتنا اللي بتشتغل خياطة، فجأة، سمعت صوت كلاكس مرتين، وشفته بيكسر الباب الحديدى الأول وبيجي
ناحيتنا بسرعة، قبل ما أفهم اللى بيحصل، ابني (مروان) وقع من العجلة اللى كان بيلعب بيها، و(منذر) وقف متسمر مكانه، مش عارف يتحرك، (وصفي) بعربيته وبكل استهانة، دهس رأس منذر قدامى، بعدها بشوية، كان ابني ميت.
ما تزعليش يا ماما
لم يكن محمد، الأخ الأكبر لـمنذر، موجودًا في تلك اللحظة. كان في الشارع مع أصدقائه، وعاد إلى المنزل ليشهد مشهدًا لن ينساه طوال حياته، وجد أخاه الصغير ميتًا على الأرض، ووالدته تصرخ في حالة انهيار: كنت فاكر إنى هرجع ألاقيه بيضحك وبيجرى عليا زى ما بيعمل كل مرة، لكن لما شفته ميت كده، حسيت إن الدنيا وقفت، آخر العنقود، أخويا اللي كنت بحبه أكتر من أي حد، راح مني في لحظة.
وصفي، المتهم بقتل منذر بسيارته، لم يكن شخصًا غريبًا على العائلة. تقول الأم عنه: عمره ما كان بينا مشاكل كبيرة، لكن كان عنده سلوك غريب، قبل كده حاول يقتحم شقتنا، وكان دايمًا يتعامل بتعالى مع الجيران، لكن ما كنتش أتخيل إن استهتاره هيقتل ابنى قدامي.
ما زاد من صدمة العائلة هو برود وصفي بعد الحادث، تقول الأم: بعد ما خبط ابني وكسر البابين الحديد، نزل من العربية بكل هدوء وقال لجوزي: (ماله منذر؟)، ولما عرف إنه مات، ولا كأنه فارق معاه، بدل هدومه كأن اللى حصل مش نهاية حياة طفل برىء.
كان منذر طفلًا مليئًا بالحياة والطموح. أحب الكاراتيه وكان يحلم بأن يمتلك بدلة كاراتيه جديدة ليصبح لاعبًا ماهرًا. تقول والدته وهى تنظر إلى صورته: كان بسيط جدًا، دايمًا مبتسم وبيساعدنى في البيت، لما كان يشوفنى حزينة يقولى: (ما تزعليش يا ماما، أنا هكبر وأجيبلك كل حاجة).. وكان بيحب الدراسة والمدرسين كانوا بيشكروا فيه جدًا، كان آخر العنقود، وكان نور البيت.
خسارة كبيرة للجميع
العائلة، التي أصبحت فجأة تواجه فراغًا مؤلمًا بغياب منذر، تطالب اليوم بالعدالة. الأب أيمن الذي خرج من شقته بعد سماع صوت الاصطدام، وجد نفسه أمام مشهد مرعب: ابنه جثة هامدة، وزوجته في حالة صدمة. يقول بغضب
ممزوج بالحزن: عايز حق ابنى، مش هقدر أرجعه، لكن ما ينفعش اللى عمل كده يفلت من العقاب، وصفي كان واعى تمامًا لما دهس ابنى، والكاميرات أظهرت إنه كان بيتجنب العربيات في الشارع بعد الحادث، يعنى كان عارف هو بيعمل إيه.
بعد الحادث، ألقت الشرطة القبض على وصفي، الذي حاول في البداية الادعاء بأنه لم يكن واعيًا بما فعل، لكن الأدلة الدامغة، بما في ذلك تسجيلات الكاميرات وشهادات الجيران، التي أثبتت عكس ذلك. توضح التسجيلات أن وصفى كان يقود بحذر بعد الحادث، ما ينفى ادعاءه بعدم السيطرة على السيارة، كما تبين أنه عاد إلى المنزل وغير ملابسه في محاولة للهروب من المسؤولية.
في جنازة منذر، حضر الجيران والمدرسون وأصدقاء العائلة، كلهم مذهولون من بشاعة الحادثة. تقول إحدى المدرسات: (منذر) كان طفلًا مميزًا، متفوقًا في دراسته ومحبوبًا بين زملائه، فقدانه خسارة كبيرة للجميع.
أما العائلة، فتعيش على ذكرى طفلها الذي كان يمثل لهم كل شىء. يقول محمد، الأخ الأكبر: مش هنسى ضحكته ولا صوته وهو بيقولى إنى قدوته، هعيش على ذكراه، لكن مش هرتاح غير لما يجى حقه.