القائمة الأقباط اليوم أبحث
أهم الأخبار

بدأ في القرن السابع عشر.. ماذا تعرف عن علم النقد الكتابي؟

أطلق الأنبا نيقولا أنطونيو، متحدث كنيسة الروم الأرثوذكس، نشرة تعريفية تحت شعار عِلم "النقد الكتابي".

بدأ في القرن السابع عشر.. ماذا تعرف عن علم النقد الكتابي؟

وقال أنطونيو في النشرة، إنه من الانحرافات الإيمانية الكثيرة المتزايدة اليوم هو الهجوم الواضح والشديد على الكتاب المقدس، والذى نراه يندرج تحت اسم علم جديد تتبناه مدارس غربية كثيرة وهو علم "النقد الكتابي"، واتخذ شكلاً كثيفًا ابتداء من القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين.

مدارس النقد الكتابي الحديث الكاثوليكية - البروتستانتية:

واضاف أن جماعة "سمينار يسوع"، التي تضم كاثوليك وبروتستانت ليبراليين (في أمريكا)، قالت إن 20 % فقط من الأقوال المنسوبة للرب يسوع المسيح قالها هو بالفعل وبقية ما نسب إليه من أقوال وضعها

التلاميذ بعد صعوده لتلائم الظروف التي استجدت بعد انتشار المسيحية في بلاد كثيرة. ويتجاهلون المعجزات في الأناجيل ويركزون فقط على تعاليم المسيح. الأمر الذي صدم المشاعر الدينية للمؤمنين

بالأرثوذكسية، والمدافعون عن هذه المدارس يبررون فلسفاتهم الغريبة عن تعاليم الآباء القديسين، ويعطون الشرعية للاهوتهم الغربي العقلاني بالقول إن القديسين باسيليوس الكبير، غريغوريوس

اللاهوتي، يوحنا الذهبي الفم، غريغوريوس بالاماس، ويوستينوس الفيلسوف، كانوا مالكين لعلوم عصرهم. وبالتالي هم يعطون الشرعية الآبائية كي يبحروا في العلوم ويقدمون أنفسهم للناس على أنهم

أكثر فهمًا من غيرهم، وهذه الحجة تبدو مقنعة للوهلة الاولى، ولكنها ليست إلا خدعة من خدع القوات المظلمة التي تحارب الارثوذكسية وتثور وتريد اقتلاعها من نفوس الناس على حد قول القديس نكتاريوس العجائبي.

وتابع أنه مما يؤلم أن بعض أبناء الكنيسة الأرثوذكسية بدأوا يتأثرون بهذه المناهج النقدية مما كان له تأثير على سلامة التعليم الأرثوذكسي، كما أن هذه المدارس تشكك فى الكتاب المقدس ورواياته؛ وانصب

معظم نقد علماء النقد الماديين على أسفار موسى الخمسة، التوراة، وركزوا عليها أكثر من بقية أسفار العهد القديم. فأنكاروا الوحي الإلهي والأنبياء عمومًا ونفوا وجود آدم وحواء، وعللوا المعجزات المذكورة

في الكتاب المقدس بتعليلات مادية فاعتبر انشقاق البحر لبني إسرائيل عند خروجهم من مصر مجرد رياح شرقية شقت لهم في البحر طريقًا، وأن الأنبياء لجئوا لسرد قصص المعجزات والأمثال والحكايات التي تتناسب مع

عقلية الشعب، والمأخوذة من منطقة الشرق الأدنى، غير أن الرسالة الرئيسية للتوراة هي وحدانية الله المطلقة، خلقه للعالم وسهره عليه. وتحمل التوراة في نفس الوقت رسائل تتعلق بوحدانية الله وبالسلوك الاجتماعي.

النقد الحديث للكتاب المقدس ينقسم إلى النقد الأدنى (النَصِّي) والنقد الأعلى (الأدبي والتاريخي):

1- النقد النَصِّي أو النقد الأدنى:

هو الذي يبحث في الوثائق القديمة والنسخ العديدة المنقولة عن المخطوطات الأصلية سواء بلغاتها الأصلية أو باللغات التي ترجمت إليها، خاصة اليونانية واللاتينية والسريانية

والقبطية، وذلك من عصور وأزمنة وبلدان وأمم مختلفة، للتأكد من صحة النصوص ومطابقتها أو الوصول بها إلى التطابق الكامل مع النصوص الأصلية كما دونها كتاب الوحي واستعادة الكلمات

الصحيحة، الأصلية، في حالة ما إذا كان قد طرأ عليها تبديل أو تغيير بسبب عمليات النسخ اليدوي المتكرر على مر العصور والأزمنة وفي مختلف البلاد والقارات وذلك بواسطة كتبة (نساخ)

مختلفين في الفكر والثقافة والظروف. فقد كانت عمليات انتشار وتوزيع الكتب قديما وقبل عصر الطباعة تتم بنقلها ونسخها يدويًا سواء من المخطوطات الأصلية التي دونها الأنبياء كتاب الوحي أو من المنقولة عنها.

2- النقد الأعلى (النقد الأدبي والتاريخي):

يبحث في التكوين الداخلي للأسفار المقدسة، أي تركيب السفر من حيث المصادر التي أعتمد عليها كُتّاب الوحي والطريقة التي اعتمدوا عليها واستخدموها في ضم هذه المصادر. فيحلل تركيب السفر والأشكال الأدبية والأسلوب والمفردات اللغوية وتكرار الكلمات ومنطق السفر ووجهة النظر فيه، وأي تغيير في الأسلوب أو اختيار الكلمات يدل على اختلاف الكتابة أو زمن.

إن "النقد النَصِّي" أو "النقد الأعلى" كان منذ البداية لغير صالح الكتاب المقدس؛ فقد استخدمت بعض المناهج الخاطئة التي استندت على بعض الافتراضات المسبقة

المثيرة للجدل. فنجد أن القصة الكتابية للتاريخ العبري القديم حلت محلها نظرية معقدة متناقضة مع رواية إسرائيل في كل النقط الرئيسية تقريبًا. هذا المنهج أنتج نتائج متطرفة،

سلبية للكتاب المقدس، أي "نقض" الكتاب وما جاء فيه، فأنكرت الوحي الإلهي والمعجزات وطوحت بالتقليد. وأصبحت هذه المدرسة تُعرف في بعض الدوائر بأنها "النقد العالي الهدام".

لا شك أن السبب الرئيسى فى نشأة مدارس نقد الكتاب المقدس، هو "الأسلوب البروتستانتى فى التفسير"؛ لأنه أسلوب متحرر، وأحيانًا يكون أسلوبًا متحللاً من أى ضوابط. فالكنيسة الأرثوذكسية لا نقبل أن يُفسِّر أحد الكتاب المقدس، دون أن تكون له مرجعية كنسية تتكون من:

1- التقليد الكنسى: الذى تسلمته الكنيسة جيلاً بعد جيل، والذى- هو نفسه- سلمنا الكتاب المقدس، بعد أن تمت كتابة أسفار العهد الجديد.

2- قوانين الرسل: التى سلمت قوائم أسفار الكتاب المقدس من جيل إلى جيل، كما حدث مع "قائمة موارتورى"، أو "قانون مجمع نيقية" للأسفار المقدسة.

3- تفاسير الآباء الأولين: بدءًا من الآباء الرسوليين، إلى قديسى القرون الأولى وآبائها، مثل القديس كيرلس الكبير والقديس يوحنا ذهبى الفم والقديس أغسطينوس وغيرهم كثيرون.

4- الإجماع الآبائى: فالكنيسة تتمسك بأن التفسير السليم فى أمر ما يجب أن يتوافر له الإجماع الآبائى. لهذا قد لا تأخذ بتفسير واحد من الآباء لأمر ما؛ كما تُقدر ما قاله أغسطينوس إنه يمكن أن يخطئ ويحتاج إلى من يصححه. والكنيسة لا تعتبر كتابات الآباء وحيًا بالروح القدس، ولكنها تأملات وتفسيرات بنعمة الروح القدس، دون أن يعصم الروح الكاتب من الزلل، كما فى حالة الوحى الإلهى.

إن هذا النقد الأعلى يتعرض لقانونية بعض أسفار الكتاب المقدس، وصدق بعض الأحداث وحقيقة الكثير من المعجزات، وضرورة الوَحْيّ وصدقه وعلاقته بالأسفار. وانسحبت هذه المدارس إلى التشكيك في حقيقة التجسد الإلهي والفداء اللازم لخلاص البشرية. وصار هناك تأثير مباشر وغير مباشر على إيماننا بالأسرار الكنائسية، ووسائط الخلاص وشفاعة القديسين وكثير من العقائد الأخرى.

أخيرًا، نحن الأرثوذكس نؤمن أن الكنيسة هي التى سلمتنا الكتاب المقدس، وأن التقليد الرسولي والكنسي هو الضمان لذلك. وقد قال المغبوط أغسطينوس: "أنا أؤمن بالكتاب المقدس، مسلَّمًا من الكنيسة، مشروحًا بالآباء، معاشًا في القديسين".

وأن الكنيسة الأرثوذكسية قبلت التوراة وبقية أسفار العهد القديم بأنهم إعلان من الله أولاً ثم وحْيّ منه. وأن الوحْيّ الإلهي هو كلمة الله المقدمة للبشرية من خلال النبي وعلى لسانه بعد أن يتسلمها أولاً من الله في صورة إعلان إلهي، أي إبلاغ كلمة الله للبشرية "أسمعوا كلمة الرب"،" هكذا يقول الرب".

كما يعنى أيضًا تدوين كلمة الله وتسجيلها وكتابتها في أسفار مقدسة بالروح القدس بناء على شهادة الرب يسوع المسيح وتلاميذه ورسله لوحيها وقانونيتها وصحة وسلامة نصوصها، مؤكدة على أن موسى النبي هو كاتب الأسفار الخمسة الأولى، التوراة، بوحْيّ الروح القدس؛ وكذلك كتب الأنبياء الموحَى إليهم بقية أسفار العهد القديم.

وهذا يعنى أن كل ما تكلم ونطق به الأنبياء والرسل وكل ما دونوه في الأسفار المقدسة، كل أسفار الكتاب المقدس" كلمة الله" التي تكلم بها بواسطة، أو عن طريق، أو من خلال أنبيائه القديسين، وسارت الكنيسة على هذا الأساس طوال القرون الأولى للميلاد ولم يخرج عن ذلك سوى بعض الهراطقة من شيعة الناصريين والأبيونيين.

الدستور
07 يونيو 2023 |