ما يحدث على السوشيال ميديا من حمى وسعار التريند بمعلومات طبية غريبة وعجيبة وخارج كل ما هو علمى، ومتناقضة تماماً مع الطب القائم على الدليل، بل مع بديهيات محو الأمية، هو جريمة قتل، خاصة عندما يكون قائلها طبيباً.
خرج علينا شخص ما ينصح مرضى السكر بالتوقف عن الإنسولين وتناول النوتيلا والبسبوسة، وبالطبع عشرات الآلاف من الغلابة البسطاء اقتنعوا وسمعوا كلامه، فهو يحمل الدال المقدسة، فقد رمى لهم طوق النجاة، وغازل
الكراهية المدفونة بداخل المصريين للإنسولين، وحقن الإنسولين، من خلال الإشاعات المتراكمة، والفوبيا الوهمية، ولن نرد أو نجادل هذا الشخص، الذى من الواضح أنه يعانى من بارانويا حادة، ولكننا سنطرح عليكم أهمية
هذا الاكتشاف العظيم الذى أصبح التاريخ بعده تاريخاً جديداً، وهو الإنسولين، لتعرفوا كم النعمة التى أهداكم إياها العلم، النوع الأول من السكر كان حكماً بالموت، كان العلاج الوحيد هو حمية التجويع (Starvation diet)،
أحياناً أقل من 400 - 600 سعر حرارى يومياً، تطيل العمر قليلاً، لكنها تُميت المريض ببطء، أكثر من 70 - 80% من مرضى النوع الأول كانوا يموتون خلال سنة واحدة من التشخيص (خاصة الأطفال)، لحظة التحول والثورة هى اكتشاف الإنسولين (1921 - 1922).
فى كندا كان القدر على موعد مع فريدريك بانتنج وتشارلز بيست، وكانت أول حقنة إنسولين لطفل عمره 14 سنة (ليونارد طومسون)، الطفل كان يحتضر، وخلال أيام، تحسن الوعى، توقفت الكيتونات، زيادة الوزن، وخرج
إلى النور واحد من أعظم الاكتشافات الطبية فى تاريخ البشرية، مرض السكر بعد الإنسولين تحول من مرض قاتل إلى مرض مزمن قابل للسيطرة، تحسن مذهل فى البقاء على قيد الحياة وجودة الحياة والنمو الطبيعى
للأطفال، انخفضت الوفيات الحادة من 80% إلى أقل من 5%، صار متوسط العمر طبيعياً مع الالتزام بالعلاج، الثورة الحقيقية لم تكن حقنة فقط بل هى ثورة علمية بكل المقاييس، فهمنا دور البنكرياس، ربطنا
الهرمونات بالاستقلاب، وكانت بداية علم الغدد الصماء الحديث، تطور الإنسولين: من حيوانى إلى بشرى إلى مُصنَّع جينياً، وصارت هناك أنواع، سريع، متوسط، طويل المفعول، إنسولين ذكى + مضخات + أجهزة قياس مستمر.
تحوّل الطب مع علاج السكر من تخفيف الألم إلى إنقاذ الحياة، وتعالوا لتعرفوا الفرق بين طبيب التريند ومكتشفى الإنسولين، لقد بيعت براءة اختراع الإنسولين لجامعة تورنتو مقابل دولار واحد فقط لكل واحد
منهما، ليس لأنهما لم يفهما قيمته، بل لأنهما فهماها جيداً جداً، وكانا على مستوى الإنسانية، عاد الطفل طومسون من حافة القبر، وعادت الإنسانية لتظلل علم الطب الحديث، وتقدم قديسى الطب الحقيقيين،
قالت إحدى الممرضات فى تورنتو وقت اكتشافه عبارة عبقرية تلخص الإنجاز، قالت: كان الأمر أشبه بقيامة يومية الأطفال ينهضون من الموت.، وقال أحد المرضى بعد تحسنه: كنت أعدّ الأيام.. ثم فجأة، صرت أعدّ السنوات.



