Our App on Google Play Twitter Home أبحث

تفسير الاصحاح الرابع والعشرون من سفر اللاويين للقمص تادري يعقوب ملطى

الفرح الداخلي

إذ تحدث عن الأعياد المقدسة والمحافل المفرحة أراد أن يعلن عن سرّ الفرح الحقيقي الداخلي خلال الإهتمام بالمنارة الذهبية للتمتع بالنور، والخبز الأسبوعي للتمتع بالشبع، أما سرّ فقدان الفرح فهو إهانة الله بالتجديف على إسمه والإساءة إلى الآخرين.

1. المنارة والزيت النقي [1-4].
2. المائدة وخبز الوجوه [5-9].
3. تجديف إبن شولمية [10-16].
4. شرائع مختلفة [17-23].

line

1. المنارة والزيت النقي:

ليس عجيبًا أن يتحدث عن المنارة والزيت النقي بعد حديثه عن الأعياد والمواسم مباشرة، فإن كان الله يود أن ينعم على شعبه بفرح دائم لا ينقطع فسرّ هذا الفرح هو استنارته غير المنقطعة بزيت الروح القدس فيه، الذي يهيئ النفس كعذراء لاستقبال العريس (مت 25: 1-10).

"أوصِ بني إسرائيل أن يقدموا إليك زيت زيتون مرضوض نقيًا للضوء لإيقاد السرج دائمًا. خارج حجاب الشهادة في خيمة الإجتماع يرتبها هرون من المساء إلى الصباح أمام الرب دائمًا فريضة دهرية في أجيالكم. على المنارة الطاهرة يرتب السرج أمام الرب دائمًا" [2-4].

أوصى الرب الشعب بتقديم زيت زيتون مرضوض، أي مستخرج برضه أو دقه في الهاون وتصفيته، وأن يكون نقيًا. وكان على هرون وبنيه أن يرتبوا السرج السبعة التي للمنارة الذهبية في المساء حتى الصباح أمام الرب بالسهر عليها حتى لا تنطفئ. ويذكر المؤرخون أن جميع السرج كانت تضاء طول الليل، أما في النهار فيضاء ثلاثة منها فقط.

لقد سبق فرأينا في دراستنا لسفر الخروج أن المنارة لم تكن لمجرد الإضاءة لكنها حملت مفاهيم لاهوتية روحية تمس علاقتنا بالثالوث القدوس، النور الحقيقي. وأن الكنيسة الأولى إهتمت بالإضاءة حتى في النهار داخل الكنيسة كطقس روحي يمس حياة المؤمنين، وأن الكاهن يبارك الشعب بالصليب ملتحمًا بشموع منيرة علامة عمل الله في حياتهم الداخلية[295].

يعلق الأب ميثوديوس على طقس الإضاءة من المساء حتى الصباح في القدس قائلاً: [لقد أوصوا أن يكون لهم نور ضعيف من المساء حتى الصباح، لأن نورهم يبدو أنه يمثل الكلمة النبوية.. كانت هناك ضرورة أن يوقد حتى يأتي النهار، إذ يقول "يرتبها إلى الصباح"، أي حتى مجئ المسيح. فإنه إذ يشرق شمس الطهارة والبر لا تكون هناك حاجة لنور آخر[296]].

line

ويقول العلامة أوريجانوس:

[قبل مجئ ربنا يسوع المسيح، الشمس التي لم تشرق على بني إسرائيل، كانوا يستخدمون نور السرج، إذ كان عندهم كلمات الناموس والأقوال النبوية كسراج مغلق عليه في سور ضيق لا تشرق أنواره في الأرض كلها.

 فقد كان العلم الإلهي محصورًا في يهوذا وحده، كقول النبي: "الرب معروف في يهوذا" (مز 75: 1). لكن إذ أشرق شمس البر (ملا 4: 2، 3: 20)، ربنا ومخلصنا، إذ وُلد ذاك الذي كتب عنه أن "الشرق إسمه" (زك 6: 2 "الترجمة السبعينية")، إنتشر نور العلم الإلهي في العالم كله. باختصار كانت كلمات الناموس والأقوال النبوية سراجًا منيرًا يشتعل داخل القدس، لا يمكن أن ينطلق خارجًا ليشع بجماله وبهائه.

كلمات الناموس والأنبياء هي السرج، هذا ما علمنا إياه الرب بنفسه من يوحنا المعمدان (كممثل للعهد القديم بناموسه وأنبيائه): "كان هو السراج الموقد المنير وأنتم أردتم أن تبتهجوا بنوره ساعة" (يو 5: 35).. كان هذا السراج يشتعل، إذ هو يوحنا الذي به تم الناموس والأنبياء.

مادام الشعب له زيت يقدمه للإضاءة لا ينطفئ السراج، لكنهم عندما أخطأوا ولم يصر لهم زيت الرحمة ولا الأعمال الصالحة والنقاوة إنطفأ السراج بسبب الحاجة إلى زيت نقي للإضاءة.

لكن ماذا نقول بالنسبة لنا نحن؟.. يليق بالمسيحي أن يهتم بالأكثر أن يكون له زيت، فبدونه كما يقول الرب تُسمى العذارى جاهلات، إذ لا يحملن زيتًا في آنيتهن، فلا يضئن سرجهن وبالتالي يحرمن من الحجال الزوجي. وعندما قرعن الباب إذ لم يكن لهن زيت أمر العريس بعدم فتح الباب (مت 25).

إنيّ أذكر ما سبق فقلته بخصوص المزمور 118: "سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي" (مز 118: 105)، موضحًا بقدر الإمكان الفارق بين السراج والنور. فقد خصص السراج للرجل بكونها عضو سفلي للجسم، أما النور فخصص للسبل التي تُدعى في موضع آخر "الطرق السماوية". فبحسب التفسير السري.. يضيئ سراج الناموس للذين هم في العالم كرجل للخليقة كلها (رجال العهد القديم)، أما النور الأبدي فمخصص لسبل الدهر الآتي[297]].

يرى القديس أغسطينوس[298] أن الزيت يُشير إلى "المحبة" التي بدونها لن تدخل العذارى إلى العرس ولا يلتقين بالعريس في حجاله السماوي. ويقول العلامة أوريجانوس: [أما يظهر لك أن من يطفئ نور المحبة يطفئ السراج؟! من يحب أخاه (1 يو 4: 21) يبقى في نور المحبة ويستطيع أن يقول بكل ثقة: "أما أنا فمثل زيتونة خضراء في بيت الله" (مز 52: 8)، "بنوك مثل غروس الزيتون حول مائدتك"(مز 128: 3)[299]].

line

2. المائدة وخبز الوجوه:

سبق لنا الحديث عن المائدة وطقس خبز الوجوه في دراستنا لسفر الخروج (أصحاح 25)[300]. هنا يؤكد: "وتجعل على كل صف لبانًا نقيًا فيكون للخبز تذكارًا وقودًا للرب" [7]. فإن كان الخبز يوضع على صفين، كل صف يحوي ست خبزات فوق بعضها البعض ويوضع بين الخبز صفائح ذهبية منحنية تسمح بمرور الهواء حتى لا يفسد الخبز، فإنه يوضع إناء ذهبي من اللبان فوق كل صف يوقد ليذكر الرب تقدماتهم ويقبلها رائحة ذكية.

إن كان الخبز يُشير إلى الكنيسة المقدسة التي التحم برأسها المسيح، فإن اللبان يُشير إلى عملها الدائم ألا وهو الصلاة والتسبيح بلا انقطاع.

يرى العلامة أوريجانوس في المائدة المقدسة صورة للمائدة التي يقدمها لنا رب المجد، مائدة الأفخارستيا، إذ يقول: [لنرجع إلى الخبز النازل من السماء واهب الحياة (يو 6: 33) خبز الكفارة الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه لإظهار بره (رو 3: 25). لننظر لهذا التذكار الذي تحدث عنه الرب: "إصنعوا هذا لذكري" (1 كو 11: 25)، ففي هذا التذكار يخدم الرب الناس. لنذكر بكل دقة أسرار الكنيسة، وندرك كيف حملت شرائع الناموس صورة مسبقة للحق المقبل (عب 10: 1)[301]].

هذا الخبز هو طعام المقدسين يأكلونه "في مكان مقدس" [9]. إنه طعام الذين صاروا جنسًا مختارًا وكهنوتًا ملوكيًا (1 بط 2: 9)، يأكلونه وهم مستعدون بالحياة المقدسة، وكما يقول العلامة أوريجانوس[302]: [إن "المكان المقدس" هنا ليس موضعًا مكانيًا لكنه يعني "النفس الطاهرة"].

line

3. تجديف إبن شولمية:

بعد أن كشف عن سرّ فرح النفس بزيت المنارة المضئ، وشبعها بخبز المائدة المقدس حدثنا عن سرّ مرارة النفس وفقدانها سلامها بل وحياتها، خلال قصة تنازع إبن شولمية مع رجل إسرائيلي، حيث سّب الأول الله. لم يتسرع موسى النبي في الحكم من عندياته بل أخذه وطلب مشورة الله، فجاءت الشريعة تعلن أن من يجدف على الله سواء كان يهوديًا أصيلاً أو متهودًا يقتل رجمًا خارج المحلة، ففعلوا هكذا بإبن شولمية.

قدم لنا العلامة أوريجانوس[303] مفهومًا رمزيًا لهذه القصة، إذ رأى في إبن شولمية الذي من أب مصري وأم يهودية إشارة للهراطقة الذين ينتسبون للكنيسة كأم لهم لكنهم خلال هرطقتهم يقبلون فرعون أبًا لهم. هؤلاء بانحرافهم يفقدون أبوة الله بينما ينسبون أنفسهم للكنيسة ليدخلوا في صراع مع أبنائها، ويجدفون على الله بفساد إيمانهم. إنهم حسب الحرف أو المظهر منتسبون للكنيسة لكنهم هم خارجها والله ليس بأبيهم، لذلك أُخرج إبن شولمية خارج المحلة.

من يجدف على الله أيضًا بتصرفاته يحرم نفسه من العضوية الكنسية الحقيقية: [من يخرج عن طريق البر وعن ناموس الرب.. يخرج عن جماعة القديسين وصفوفهم[304]]. [من يخرج عن الحق يخرج عن مخافة الرب والإيمان والمحبة، بهذا يخرج عن محلة الكنيسة حتى ولو لم يصدر حكمًا من الأسقف بطرده.. فقد يكون في داخلها (بالجسد) لكنه في الحقيقة هو خارجها[305]].

line
المراجع:
[295] الخروج، 1981، ص174- 176.
[296] Banquet of Ten Virgins 4.
[297] In Lev. hom 13:2.
[298] Ser. on N. T. Lessons 43:1- 5.
[299] In Lev. hom13:2.
[300] الخروج، ص173- 174.
[301] In Lev. hom 13:3.
[302] Ibid 13:5.
[303] Ibid 14:1- 3.
[304] Ibid 14:3.
[305] Ibid 14:3.