Our App on Google Play Twitter Home أبحث

تفسير الاصحاح الثانى والعشرون من سفر اللاويين للقمص تادري يعقوب ملطى

شرائع خاصة بقداسة المقدسات

من أجل تقديس شعب الله قدم شرائع خاصة بالشعب حتى يتجنبوا كل ما يمكن أن يسيئ إلى حياتهم المقدسة في الرب، وألزم الكهنة أن يسلكوا بحياة مقدسة تليق بمن يخدم لأجل تقديس الشعب، وأخيرًا يتحدث عن الذبيحة المقدسة التي من خلالها يتقدس الشعب بكونها رمزًا للسيد المسيح الذبيح واهب القداسة.

1. الإستعداد لتناول الذبيحة المقدسة [1-9].
2. فرز الذين لهم حق تناولها [10-16].
3. فرز الذبيحة ذاتها قبل تقديمها [17-28].
4. أكل ذبيحة الشكر في ذات اليوم [29-33].

line

1. الإستعداد لتناول الذبيحة المقدسة:

في هذه الشرائع يعلن الله قدسية الذبيحة، لذا يُحذر الكهنة من أكل نصيبهم منها بلا استعداد، إذ يقول: "كلم هرون وبنيه أن يتوقوا أقداس بني إسرائيل التي يقدسونها ليّ، ولا يدنسوا إسمي القدوس، أنا الرب" [2]. وكأنه يقول لرئيس الكهنة والكهنة أن ما يتمتعون به من أنصبة في الذبائح ليست عطية لإشباع بطونهم أو شهواتهم، إنما هو عمل قدسّي يلزم ممارسته بفكر روحي واستعداد خاص، يلزمهم ألا يقتحموا أقداس الله ويدنسوا إسمه القدوس بأكلهم من الذبيحة بغير استعداد. يقول "أنا الرب"، أنا أغير إسمي ومقدساتي التي تتدنس بالكهنة المستهترين.

إن كان الله في حبه للإنسان جعل من البشر كهنة ينالون نصيبًا من الذبيحة يُحسب كنصيب للرب، فيليق بهم كوكلاء الله أن يقابلوا الحب بقدسية ومهابة لا باستهتار واستخفاف. أما الإستعداد الذي التزم به كهنة العهد القديم للتمتع بنصيبهم في الذبيحة المقدسة فهو: ألا يكون الكاهن أبرصًا أو مصابًا بسيل (ص 15)، ولا مس ميتًا أو أشياء تتعلق بميت (ص 21)، ولا مس حيوانًا نجسًا، ولا اقترب من زوجته.. فإن كان الكاهن قد تنجس بلمسه شيئًا أو إنسانًا دنسًا يبقى طول يومه نجسًا يحرم من ممارسة عمله الكهنوتي ومن التمتع بنصيبه ككاهن بالأكل من الذبيحة حتى المساء حيث يرحض جسده [6]، ثم يأكل من الأقداس بكونه طاهرًا.

إذا صارت الذبيحة في ملكية الله، وقدمت على مذبحه، فإن أكل الكهنة منها كان إشارة إلى الشركة بين الله والإنسان، وإتمامه المصالحة. هذه الشركة أو المصالحة تتحقق بين الله القدوس والإنسان الذي يتقدس به وفيه. لهذا ألزمت الكنيسة كهنتها وشعبها ألا يشتركوا في التناول من الذبيحة المقدسة باستهتار، وإنما يلزم الإستعداد لها روحيًا وجسديًا. يغتسل الإنسان بدموع التوبة ويعترف بخطاياه في انسحاق مقتربًا إلى مذبح الله في مهابة ليتقبل السرّ المقدس.

يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [كثيرون من المؤمنين أمعنوا في الجهالة والتهاون العظيم فيتقدمون لمناولة الأسرار المقدسة في الأعياد، مملوئين بالخطايا وغير مهتمين لنفوسهم، ولا عالمين أن وقت المناولة المقدسة لا يحده عيد أو فرح، بل الضمير النقي والحياة التي لا عيب فيها[270]].

line

2. فرز الذين لهم حق تناولها:

يتمتع بأكل الذبيحة الكاهن ومولود بيته ومن اشتراه الكاهن بفضة، ولا يأكل معه في هذه المقدسات أجنبي أي عبراني ليس من نسل هرون (عد 1: 15)، أو من كان غريب الجنس أو عبدًا ثقبت أذنه يبقى حتى سنة اليوبيل (خر 21: 6)، أو من كان نزيلاً (ضيفًا) أو أجيرًا، كما لا تشاركه إبنته التي تزوجت بمن ليس من نسل هرون إلاَّ إذا كانت قد ترملت أو طُلقت ورجعت إلى بيت أبيها [13].

هذه الشريعة التي خضع لها رجال العهد القديم هي كلمة الله التي لا تبطل في روحها، إنما تبقى دستورًا للكنيسة، إذ يقدم السيد المسيح ذبيحته المقدسة ليتناولها الكاهن، سواء الكاهن الذي تمتع بسر الكهنوت لممارسة الأسرار المقدسة أو الذي نال الكهنوت العام في مياه المعمودية. يقدمها أيضًا لمولود البيت، أي لذاك الذي نال الميلاد الجديد في مياه المعمودية بالروح القدس، كما يقدمها لمن اشترى بفضة، أي اقتناه الله بكلمته المصفاة كالفضة سبع مرات (مز 12).

تُحذرنا الكنيسة من تقديم الذبيحة لأجنبي، أي لإنسان تغرب عن الله ورفض الشركة معه كإبن، أو لإنسان ثقب أذنيه ليعيش عبدًا لا يطلب الحرية الروحية. لا يتمتع بها النزيل ولا الأجير، فإن الله يطلب أن نعيش معه على مستوى الشركة الدائمة والحياة معه وفيه لا أن نلتقي به كنزلاء إلى حين ولا كأجراء نطلب أجرة، إنما كأبناء نطلب أبانا نفسه. أما الإبنة التي تتزوج بغريب فهي النفس التي قبلت الميلاد الجديد ثم عادت لتلتصق بعريس أجنبي أي بإله آخر لها قد يكون شهوة البطن أو لذة الجسد أو محبة المال أو طلب الكرامة الزمنية.. مسكينة هي النفس التي تحرم نفسها بنفسها من التمتع بالمقدسات خلال اتحاد شرير، لتُطلق الخطية وليمت رجلها (الشر) فتعود إلى بيت أبيها من جديد، لتجده يعد لها الوليمة المقدسة ليفرح بها وهي تفرح به!

line

3. فرز الذبيحة ذاتها قبل تقديمها:

في دراستنا للذبائح (ص 1-7) رأينا التزام المؤمن بتقديم الذبيحة بلا عيب، صحيحة.. وهنا يُحذرنا من تقديم الأعمى والمكسور والمجروح والبثير (الذي بجسمه بثور) والأجرب والأكلف (ما كان بجسمه كلف أي بقع مرضية مثل النمش الذي يُصيب الجلد) والزوائدي (كأن يكون به الأعضاء غير متناسبة معًا أو بها زيادات) والأقزم ومرضوض الخصية ومسحوقها ومقطوعها [22-23].

غنى عن البيان أن الله لا يطلب كثرة الذبائح بل نوعيتها، إذ هي تمثل السيد المسيح نفسه الذي بلا عيب، القادر وحده أن يردنا إلى أبيه لينزع كل عيب فينا واهبًا إيانا الحياة المقدسة فيه.

هذا وقد اشترط ألا يقدم حيوان كذبيحة ما لم يكن قد مضى عليه سبعة أيام تحت أمه ويرضع، من اليوم الثامن فصاعدًا يمكن تقديمه قربانًا للرب [27]. ولعل الحكمة من ذلك أن كثيرًا من الحيوانات تحزن بمرارة إن نُزع رضيعها في الأيام الأولى.. وكأن الله يترفق حتى على الحيوان الأم فلا يحزنها خلال تقديم قربان له. هذا وكان اليهود يعتقدون أن لحم الحيوانات الرضيعة لا تصلح للأكل في أسبوع ولادتها الأول، فما لا يصلح للإنسان لا يقدم ذبيحة لله! أخيرًا فإن بقاء الرضيع سبعة أيام ليذبح في اليوم الثامن فصاعدًا يُشار إلى تقديسه، إذ يكون قد مرّ عليه سبت فتقدس!

أيضًا طالبهم ألا يقدموا حيوانًا وأمه في يوم واحد [28].. ولعل الحكمة من هذا أنه أراد لهم أن يكونوا مترفقين بالحيوانات، فقد جاء في سفر الأمثال "الصديق يُراعي نفس بهيمته" (أم 12: 10). ولعله أراد أن يحثهم على الإهتمام بالروابط الدموية حتى بالنسبة لتقديم الذبائح بين الحيوانات.

line

4. أكل ذبيحة الشكر في ذات اليوم :

سبق لنا دراسة هذا الأمر في الأصحاح السابع (لا 7: 15).

line
المراجع:
[270] المطران إيفانيوس: الآمالي الذهبية من مقالات لأبينا الجليل في القديسين يوحنا الذهبي الفم، بيروت1972،