Our App on Google Play Twitter Home أبحث

تفسير الاصحاح الحادى عشر من سفر التثنية للقمص تادري يعقوب ملطى

أيامنا كأيام السماء


تحدث في الأصحاح السابق عن بركات الرب وعطاياه، وأوضح ماذا يريد الله من شعبه، غير مشيرٍ إلى الذبائح الحيوانية والطقوس بل إلى ضرورة الالتصاق به والاستماع لكلماته، ثم ختمه بعطية الرب الفائقة أنه عوض السبعين نفسًا التي نزلت إلى مصر خرج الشعب كنجوم السماء في الكثرة.

وفي هذا الأصحاح يوضح مكافأة الله للأمناء وهي أن تصير أيامهم كأنها أيام السماء على الأرض [21]. هذا ما يدفعنا أن نحب الله ونحفظ وصاياه، نثبتها على قلوبنا ونربطها كعلامة على أيدينا، فنتمتع ببركات الطاعة، أي التمتع بأيام السماء على الأرض، عوض السقوط تحت لعنة العصيان، أي الانحدار إلى أيام الجحيم.

إن كان إسرائيل قد اتسم بالعصيان [1-7]، فإنه يليق أن يترجم الحب بلغة الطاعة لله الكلي الصلاح والعطاء [8-25] ليختبر الحياة السماوية. الآن وهو على أبواب الدخول إلى أرض الموعد يجدون الفرصة للتعبير عن أمانتهم لله وإخلاصهم للعهد معه [26-32].

1. أحبب الرب الذي تراه [1-7].
2. احفظ وصاياه فتطول أيام حياتك [8-12].
3. اعبد الرب بكل قلبك فتشبع [13-17].
4. سمر وصاياه على قلبك فتختبر أيام السماء [18-25].
5. تمتع ببركة الطاعة لا لعنة العصيان [26-32].

line

1. أحبب الرب الذي تراه:


خُتم الأصحاح السابق بالعبارة: "جعلك الرب إلهك كنجوم السماء في الكثرة" (10: 22). سبق فقيل لإبراهيم: "أباركك مباركة، وأكثر نسلك تكثيرًا كنجوم السماء، وكالرمل على شاطئ البحر" (تك 22: 17). لم يذكر هنا "كالرمل على شاطئ البحر"، إنما "كنجوم السماء"، إذ أراد أن يقيم منهم أشبه بكواكب منيرة في السماء. أما رد الفعل لدى هؤلاء المؤمنين فيلزم أن يكون هكذا:

"فأحبب الرب إلهك،
واحفظ حقوقه وفرائضه وأحكامه ووصاياه كل الأيام" [1].

إذ يتطلع الشعب إلى مجتمعه فيراه قد تزايد من سبعين نسمة يوم دخولهم مصر إلى أعداد يصعب حصرها، إذ صاروا كالنجوم في السماء كما تراها العين؛ هذا ومن جانب آخر إذ يرى نفسه أنه في عيني الله كالنجوم المتلألئة يحمل انعكاسات بهاء الله عليه، لا يعرف ماذا يقدم للرب سوى أن يرد له الحب بالحب، ويقبل وصاياه وأحكامه بكل اهتمام، بروح الطاعة الكاملة.

أقول هذا أيضًا من جهة عائلاتنا، إن تزايدت في النعمة، وحملت حياة سماوية بهية، وتجلى مسيحنا فيها، تمتلئ الأجيال الجديدة حبًا وطاعة لله ولوصاياه.

كثيرًا ما نلوم الأجيال الجديدة وننعتها بالتمرد وجفاف المشاعر والتذمر والفساد، مع أنه كان يليق بنا أن نلقي اللوم على أنفسنا. فإن الجيل الجديد وقد حُرم من التمتع بخبرة الحياة الكنسية السماوية الصادقة فينا كيف يقدر أن يحب؟ وكيف يمكننا أن نطالبه بروح الطاعة؟!

لقد طالب بالحب قبل حفظ الوصية أو الطاعة، فإن من يحب يشتهي أن يطيع، ويجد لذة وسعادة في طاعة محبوبه، أما من لا يحب فتكون الوصية بالنسبة له ثقلاً، بل وأحيانًا مستحيلة.

يركز موسى النبي في أحاديثه الوداعية على محبتنا لله، قائلاً: "أحبب الرب إلهك" [1]. حفظ وصايا الرب عن ظهر قلب والشهادة للإيمان المستقيم بالفم بغير حبٍ لا يفيد شيئًا. فإنه حتى الشياطين تعرف الله وتعترف به لكن بغير حب، لذا انتهرهم السيد المسيح (مر 1: 25). يقول القدِّيسون يوحنا الذهبي الفم وأمبروسيوس وأغسطينوس: [إنه حتى الشياطين تعترف بالمسيح بغير محبة، فلا ينفع ذلك شيئًا[110]].

الحب هو الذي يجعل إيماننا بالله حيًا، به نستطيع أن نتمم الوصايا. بدون الحب يصير الإيمان للدينونة والوصية مستحيلة، ولا ننتفع شيئًا.

+ قارن (اعتراف بطرس في مت 16: 16) بكلمات الشياطين الذين نطقوا بذات الكلمات تقريبًا (مت 8: 29؛ مر 1: 24؛ لو 8: 28).. فماذا إذن الفارق؟ تكلم بطرس في حبٍ، أما الشياطين فعن خوفٍ.. أخبرونا كيف نعرف الإيمان، إن كانت حتى الشياطين يمكنها أن تؤمن وترتعب؟ أنه فقط الإيمان العامل بالمحبة هو الإيمان (الحق)[111].
القدِّيس أغسطينوس

+ الإيمان قدير، لكنه بدون الحب لا ينفع شيئًا. اعترفت الشياطين بالمسيح، لكن إذ كان ذلك بدون محبة لم تنل شيئًا.. لا تنتفخ بذات الإيمان الذي يجعلك على مستوى الشياطين[112].
القدِّيس أغسطينوس

+ كل من الشياطين والمؤمنين يعترفون بالمسيح: "أنت هو المسيح ابن الله الحي" (مت 16: 16، مر 3: 11).. إنني أسمع اعترافًا متشابهًا (من الشياطين والمؤمنين) لكنني لا أجد محبة متشابهة. ففي أحدهما يوجد حب، وفي الآخر خوف. إنه محبوب لدى الأبناء، ومرعب لغير الأبناء[113].
القدِّيس أغسطينوس

ليست كلمة محببة لدى موسى النبي مثل "الحب"، فإن جوهر رسالته التي تسلمها من الله هي أن نقبل حب الله خلال تجاوبنا معه بالحب.

"واعلموا اليوم إني لست أريد بنيكم الذين لم يعرفوا ولا رأوا تأديب الرب إلهكم عظمته
ويده الشديدة وذراعه الرفيعة.
وآياته وصنائعه التي عملها في مصر بفرعون ملك مصر وبكل أرضه.
والتي عملها بجيش مصر بخيلهم ومركباتهم حيث اطاف مياه بحر سوف على وجوههم حين
سعوا وراءكم فأبادهم الرب إلى هذا اليوم.
والتي عملها لكم في البرية حتى جئتم إلى هذا المكان.
والتي عملها بداثان وابيرام ابني ألياب ابن رأوبين اللذين فتحت الأرض فاها وابتلعتهما
مع بيوتهما وخيامهما وكل الموجودات التابعة لهما في وسط كل إسرائيل.
لأن أعينكم هي التي أبصرت كل صنائع الرب العظيمة التي عملها" [2-7].

يبرز هنا مدى اهتمام الله بخلاص شعبه، وتقديسهم، مقدمًا مثلاً لمعاملات الله مع الذين في الخارج وآخر مع الذين في الداخل.

فبالنسبة للذين في الخارج، لقد سمح الله بتدمير بعض بلاد مصر الجميلة والغنية بثمارها وإمكانياتها العلمية والفنية، وذلك خلال العشرة الضربات، كما سمح أن يغرق فرعون وجنوده مع كل ما لديهم من خبرات عسكرية قوية ليُنقذ شعبه من أسر العبودية. الله يسخر كل شيء من أجل محبوبيه!

أما بالنسبة للذين في الداخل، فقد سمح بتدمير داثان وأبيرام وغيرهما (عد 16: 41) الذين سلكوا بروح العصيان والتمرد على الله وعلى نبيه موسى فاستخدموا نارًا غريبة. الله محب، وفي حبه حازم، يطلب نقاوة شعبه وقداستهم، ينزع الفساد لأجل بنيان الجماعة المقدسة.

يظهر مدى اهتمام الله بالقداسة مما فعله مع الشياطين التي شهدت له بالحق: "آه مالنا ولك يا يسوع الناصري.. أنا أعرفك من أنت قدوس الله" (مر 1: 24)، إذ انتهره وأمره أن يخرس. وأيضًا ما فعله الرسول بولس مع الجارية التي بها روح عِرافة، إذ كانت تصرخ: "هؤلاء الناس هم عبيد الله العليّ الذين ينادون لكم بطريق الخلاص" (أع 16: 17)، التفتَ إليها وقال: "أنا آمرك باسم يسوع المسيح أن تخرج منها" (أع 16: 18). فما يريده السيد المسيح ورسله هو قداسة الخليقة.

+ لقد وضع (السيد المسيح) لجامًا على أفواه الشياطين التي صرخت إليه من القبور. فإنه وإن كان ما نطقوا به هو حق، ولم يكذبوا عندما قالوا: "أنت هو ابن الله"، "أنت هو قدوس الله" (مت 8: 29؛ مر 1: 24؛ لو 8: 28)، لكنه لم يرد أن يصدر الحق من فم دنس، خاصة من الذين تحت مظهر الحق يخلطون الخداعات مع الحق[114].
القدِّيس أثناسيوس الرسولي

line

2. احفظ وصاياه فتطول أيام حياتك:


الوصية المتكررة للشعب وهو داخل أرض الموعد ألا ينشغلوا بالأرض الجيدة، عطية الله، عن التمتع بالوصية الإلهية، مقدمًا لهم بركات حفظ الوصية:

أولاً: أن يملكوا "فاحفظوا كل الوصايا التي أنا أوصيكم بها اليوم لكي تتشددوا وتدخلوا وتمتلكوا الأرض التي أنتم عابرون إليها لتمتلكوها" [8].

إنهم يدخلون سلسلة من الحروب مع شعوب قوية لها خبرتها العسكرية، ومدنها الحصينة، وإمكانياتها الجبارة، الأمر الذي ينقص شعب إسرائيل. عمل الله أن يرافقهم كقائدٍ لهم، يهبهم القوة، ويقدم لهم النصرة حتى يملكوا. لم يعدهم كيف يدربهم على الأعمال العسكرية، من استخدام السيوف والسهام، ولا أن يقوم بتنظيم عسكري لصفوف المقاتلين، لكنه يقدم حضرته الإلهية سرّ نصرتهم وتمتعهم بالملكية، فحفظ الوصية الإلهية إنما يهيئهم للحضرة الإلهية، ويهبهم كل نجاحٍ حقيقي، واهبًا لهم أن يملكوا. الله يُريد منّا أن نملك بل ونصير ملوكًا أصحاب سلطان.

ثانيًا: أن تطول أيام حياتهم "ولكي تطيلوا الأيام على الأرض التي أقسم الرب لآبائكم أن يعطيها لهم ولنسلهم أرض تفيض لبنا وعسلاً" [9]، وقد سبق أن رأينا هذه المكافأة الصريحة قدمت لمن يكرم أباه وأمه. الآن من يكرم الله كأبٍ سماوي له، والكنيسة كأمٍ روحية يتمتع بذات المكافأة.

تحدثنا قبلاً عن إطالة أيام حياتنا على الأرض، فإن كثيرين ماتوا أطفالاً صغارًا لكن حياتهم في عيني الله ممتدة حتى على الأرض، حيث تبقى شاهدة لعمل الله، ومثمرة في حياة الكثيرين. أمثال ذلك أطفال بيت لحم الذين استشهدوا بعد ميلاد السيد المسيح، فقد بقيت سيرتهم حيّة هنا على الأرض، وصاروا موكبًا مجيدًا يُسر الله ويفرح قلوب السمائيين وجميع المؤمنين. من يكرم الوصية الإلهية بحفظها تكرمه هي بحفظه في المجد الأبدي.

بعض الشيوخ الذين عاشوا سنوات طويلة على الأرض إن قُيّمت حياتهم لا تساوي أيامًا قليلة، وربما ساعات أو دقائق، أو تحسب كلا شيء. فإن عمل الخطية هي أن تقصر حياة الإنسان، أو تجعل أيامه على الأرض موتًا وليست حياة، أما الطاعة للوصية الإلهية فتجعل من عمرنا عربونًا للحياة الأبدية المتهللة والمثمرة.

ثالثًا: أن تحل عليهم بركة الرب. يرى البعض أن المصريين إذ كانوا يقطنون في الوادي بجوار نهر النيل لا يعتمدون على بركة السماء مثل سكان أرض كنعان الذين يعتمدون بالكلية على مياه الأمطار، إذ أن الأمطار في مصر نادرة.

"لأن الأرض التي أنت داخل إليها لكي تمتلكها ليست مثل أرض مصر التي خرجت منها،
حيث كنت تزرع زرعك وتسقيه برجلك كبستان بقول.
بل الأرض التي أنتم عابرون إليها لكي تمتلكوها هي أرض جبال وبقاع.
من مطر السماء تشرب ماءً.
أرض يعتني بها الرب إلهك.
عينا الرب إلهك عليها دائمًا من أول السنة إلى آخرها" [10-12].

يتحدث الله مع شعبه كما مع طفلٍ صغيرٍ لم يبلغ بعد إلى النضوج؛ يقدم بركاته لهم من أرض خصبة وأمطار مبكرة ومتأخرة، ورعاية إلهية لكل احتياجاتهم الزمنية. هذه كلها تحمل مفاهيم رمزية يتمتع بها الناضجون روحيًا، عِوض الأرض يرون السماء بين أيديهم، وعِوض المطر يستقبلون روح الله القدوس حالاً في داخلهم، وعِوض العناية الإلهية باحتياجاتهم المادية يقدم الله ذاته هبة وعطية لهم.

يقدم لنا موسى النبي مقارنة بين أرض مصر وأرض كنعان، فأرض مصر التي كانت أرض العبودية بالنسبة لليهود تعتمد على مياه النيل والينابيع التي تحت الأرض، أما أرض الموعد كنعان، فتعتمد على مياه الأمطار. الأولى ترتوي بمياه من تحت الأرض، والأخرى ترتوي بمياه من السماء. وكما يقول القدِّيس جيروم: [قام إبراهيم بكل هذه (الرحلات) لكي يسكن في أرض الموعد التي ترتوي من فوق، وليس كمصر من أسفل.. إنها أرض التلال والوديان التي ترتفع فوق البحر. لا يوجد فيها إغراءات العالم نهائيًا، بل الإغراءات الروحية العظمى. مريم أم الرب تركت الأراضي المنخفضة (السفلية) وانطلقت في طريقها على التلال وذلك بعد سماعها رسالة الملاك، وتحققت أنها تحمل في داخلها ابن الله (يو 1: 26، 31، 39) [115]].

الري في مصر هو المشكلة الرئيسية، إذ يجب تجهيز القنوات لمياه النيل، ولكن الري في كنعان يتم بنعمة الله، إذ ينزل المطر بدون تعب البشر. ففي الخريف ينزل المطر المبكر وقت البذار، وفي الربيع ينزل المطر المتأخر وقت الحصاد (يع 5: 7) وهكذا يذكرنا الري في كنعان دومًا بعناية الله المدبرة، ويعطي مثالاً لحياة المسيحي الذي يهبه الرب بدون تعب، ما يجاهد الآخرون في نواله.

في كنعان تعتمد الزراعة على الأمطار في مواسم معينة، ليس في سلطان الإنسان أن يتحكم فيها. لهذا فإنه كل أمة لا تصعد إلى أورشليم لتسجد للملك رب الجنود يحل عليها غضب الله وتُنزع عنها البركة، وقد رُمز لذلك بالحرمان بالمطر، إذ قيل في زكريا: "ويكون أن كل من لا يصعد من قبائل الأرض إلى أورشليم ليسجد للملك رب الجنود لا يكون عليهم مطر؛ وإن لا تصعد ولا تأتِ قبيلة مصر ولا مطر عليها تكن عليها الضربة التي يضرب بها الرب الأمم الذين لا يصعدون ليعيدوا عيد المظال" (زك 14: 17-18).

تعبير "تسقيه برجلك" [10] يفهمه الفلاحون القدامى حيث كانوا أحيانًا بقدمهم يحركون قليلاً من الطمي فتتدفق المياه من مجرى إلى آخر لتسقي الأرض. هكذا في لحظات يستطيع الفلاح بقدمه أن يروي بستانه، وعندما يرتوي البستان يعيد الطمي من جديد حتى لا يغرق الزرع الصغير. كما أن هذا التعبير يحمل معنى أن السقي في قدرته إتمامه وتحت سلطانه، يعتمد على ذراعه البشري.

كان الفلاحون في مصر ينزلون بأرجلهم في الوحل ويهيئون مجاري المياه لتسقي الزرع، أما في كنعان فيجلسون في بيوتهم ويستريحوا ويقوم الله بسقي زرعهم بمياه الأمطار التي تدعى "أنهار الله أو سواقيه". وكما يقول المرتل: "تعهدت الأرض وجعلتها تفيض، تغنيها جدًا، سواقي الله ملآنة ماء" (مز 65: 9). هكذا يوجه الله أنظارنا لا إلى الأرض (نهر النيل)، بل نحو السماء (الأمطار)، لكي يسقي نفوسنا وأجسادنا بمياه روحه القدوس السماوي، فيتحقق الوعد الإلهي معنا: "أكون لإسرائيل كالندى" (هو 14: 5). وكما قال برنابا وبولس: "هو يفعل خيرًا، يعطينا من السماء أمطارًا، وأزمنة مثمرة، ويملأ قلوبنا طعامًا وسرورًا" (أع 14: 17).

لعل أعظم عطية قُدمت لهم هي: "عينا الرب إلهك عليها دائمًا من أول السنة إلى آخرها" [12]. إذ نعتمد على عناية الله المباشرة، وتتطلع أنظارنا نحو السماء تترقب مياه محبته، نراه متطلعًا إلينا بلا انقطاع من أول السنة إلى آخرها. الله في حبه لشعبه يود أنهم يرفعون أعينهم نحوه فتلتقي أعينهم بعينيه.

line

3. اعبد الرب بكل قلبك فتشبع:


من يشتهي بالحب أن يحفظ الوصية ترتفع أنظاره نحو الله، فيرى الله متطلعًا إليه بنظرات حب فائقة، وتفيض عليه ينابيع مياه الروح القدس لتروي بستان الحب الداخلي.

"فإذا سمعتم لوصاياي التي أنا أوصيكم بها اليوم لتحبوا الرب إلهكم وتعبدوه
من كل قلوبكم ومن كل أنفسكم،
أعطي مطر أرضكم في حينه المبكر والمتأخر" [13-14].

ما هو هذا المطر المبكر إلا الروح القدس الذي عمل مبكرًا في العهد القديم حيث كانت بذار كلمة الله تغرس في أرض الإنسان، وأما المطر المتأخر فهو عطية الروح القدس في العهد الجديد. لهذا بعد أن تحدث هوشع النبي عن عمل قيامة المسيح فينا أشار إلى عطية الروح القدس بالمطر المتأخر، إذ يقول: "يُحْيينا بعد يومين، في اليوم الثالث يقيمنا أمامه. لنعرف فلنتتبع لنعرف الرب. خروجه يقين كالفجر يأتي إلينا كالمطر، كمطرٍ متأخر يسقي الأرض" (هو 6: 2-3). إنه يهب روحه للإنسان كمدينة تتمتع بالمطر عطية الله، "وأمطرت على مدينة واحدة، وعلى مدينة أخرى لم أمطر" (عا 4: 7).

المطر المبكر يسقط في نوفمبر في منطقة اليهودية بعد وضع البذار في التربة وتهيئة الأرض للزراعة، أما المطر المتأخر فيسقط في إبريل حيث يكون القمح قد نما ويحتاج إلى مياه، فتمتلئ السنابل بالقمح. بدون المطر المبكر لا يمكن البدء في الزراعة، وبدون المتأخر لا تأتي الزراعة بالمحصول اللائق.

الأرض التي تتمتع بالمطر المبكر والمتأخر تنتج المحاصيل التالية:

أولاً: محاصيل للإنسان "فتجمع حنطتك وخمرك وزيتك" [14]. وكما يقول المرتل: "المنبت.. خضرة لخدمة الإنسان لإخراج خبز من الأرض، وخمر تفرح قلب الإنسان لإلماع وجهه أكثر من الزيت، وخبز يسند قلب الإنسان" (مز 104: 14-15).

إذ يعمل الروح القدس فينا نجمع من أرض قلبنا التي تقدست به حنطة فنأكل من خبز الملائكة، ونشرب خمرًا روحيًا فنفرح بالرب، وننال زيتًا حيث نُمسح للرب كهنة وملوكًا. نتمتع بالشبع الداخلي والفرح الروحي والكرامة المقدسة في الرب.

ثانيًا: الطعام للحيوانات "وأعطي لبهائمك عشبًا في حقلك، فتأكل أنت وتشبع" [15]. يهتم الله حتى بالحيوانات والطيور من أجل الإنسان. يقول المرتل: "تشبع أشجار الرب أرز لبنان الذي نصبه، حيث تعشش هناك العصافير، أما اللقلق فالسرو بيته. الجبال العالية للوعول، الصخور ملجأ للوبار" (مز 104: 16-18).

إن كان الله يهب النفس شبعًا وفرحًا وكرامة (حنطة وخمرًا وزيتًا) فإنه أيضًا يشبع احتياجات الجسد، معطيًا للبهائم عشبًا. أما الإنسان الذي ينحرف عن الحب ويرفض الوصية فتصير حياته قفرًا لا بستانًا، ويفقد حياته.

"فاحترزوا من أن تنغوي قلوبكم،
فتزيغوا وتعبدوا آلهة أخرى، وتسجدوا لها.
فيحمى غضب الرب عليكم ويغلق السماء،
فلا يكون مطر،
ولا تعطي الأرض غلتها.
فتبيدون سريعًا عن الأرض الجيدة التي يعطيكم الرب" [16-17].

يليق بالمؤمنين أن يكونوا حذرين لئلاَّ يخدعهم أحد، فتنحرف قلوبهم عن الله إلههم، فيكون ثمر هذا الانحراف الآتي:

أولاً: حلول غضب الرب عليهم، عوض تمتعهم بتلاقي أعينهم بعيني الرب الناظرتين عليهم ليلاً ونهارًا يُحرمون من نظرات الرب الحانية، وحضرته واهبة كل بركة. يتطلع المؤمن إلى وجه الله فيجذبه إلى عينيه مترنمًا: "عيناه كالحمام على مجاري المياه مغسولتان باللبن، جالستان في وقبيهما" (نش 5: 12)، أما الأشرار فيصرخون: "عيناه كلهيب نارٍ" (رؤ 1: 14).

ثانيًا: انغلاق السماء أمامهم، فتصير كالنحاس، لا تقدم لهم مطرًا، ولا تنفتح أبوابها أمامهم. يُحرم الأشرار من مطر الروح القدس، فتتحول أعماقهم إلى قفرٍ، وإلى مسكن للأرواح الشريرة. وتجد الخطايا لها فيها مسكنًا، بكونها وحوش برية ضارية.

ثالثًا: تمتنع أرضهم عن الإثمار، حيث لا نجد فيها أثرًا لثمار الروح القدس من محبة وفرح وسلام الخ، بل تمتلئ من الشوك والحسك.

رابعًا: يهلكون سريعًا، ويُحرمون من الحياة على الأرض الجديدة. فبعدما نالوا الحياة الجديدة وإمكانية التمتع بالسمويات تُسحب منهم كل هذه النعم الإلهية، ويفقدون ما سبق أن تمتعوا به.

line

4. سمر وصاياه على قلبك فتختبر أيام السماء:


إذ يهبنا الله روحه القدوس، مطرًا مبكرًا ومتأخرًا، يحوِّل أعماقنا إلى فردوس مملوء من ثمر الروح. أما من جانبنا فبالروح القدس الساكن فينا نقدس كل ما لنا لحساب الوصية الإلهية: القلب والنفس والحواس من لمس ونظر وكلام، حتى النوم واليقظة والمسكن.

أولاً: تكريس القلب للوصية الإلهية، "فضعوا كلماتي هذه على قلوبكم" [18]. إنها كنز ثمين وعزيز علينا جدًا، لا نثق أن نودعها في مخازنٍ خارجية، بل مخزنها هو القلب بكل طاقات الحب التي فيه. فيه نخفي الوصية ونحوط بها بكل عواطفنا ومشاعرنا، كمن يحفظها فتحفظه هي.

ثانيًا: تكريس النفس للوصية، "ونفوسكم" [18]. تعاملنا معها ليس على مستوى المظهر الخارجي المجرد، لأنها إذ تختفي في النفس تُخرج كل التصرفات لتظهر كثمرٍ طبيعيٍ ورد فعل لسكناها داخل النفس. تقطن فينا، فنقطن نحن أيضًا فيها.

ثالثًا: تكريس كل أعمالنا ولمسات أيدينا بالوصية، "واربطها علامة على أيديكم" [18]. لننقشها على أيدينا، فينقش الله أسماءنا على كفيه، "هوذا على كفي نقشتك" (إش 49: 16). وكما سبق فقلنا أنه لا تزال عادة وضع علامة على اليد أو الإصبع ليتذكر الإنسان أن يمارس عملاً هامًا يلتزم به. هكذا إذ نربط أيدينا بالوصية لا ننسى قط التزامنا نحو الله بأن نرد له حبه بالحب.

رابعًا: تكريس نظراتنا للوصية، "ولتكن عصائب بين عيونكم" [18]، لا نرى أحدًا أو شيئًا إلا من خلالها. بالوصية تصير لنا نظرة جديدة نحو الله والإنسان والعالم والجسد والزمن وكل ما يحيط بنا أو في داخلنا.

خامسًا: تكريس اللسان للوصية، "وعلّموها أولادكم متكلمين بها حين تجلسون في بيوتكم، وحين تمشون في الطريق" [19]. مع القريب والغريب ليس لنا ما نتحدث به معهم سوى كلمة الرب.

سادسًا: تكريس لحظات النوم واليقظة للوصية، "وحين تنامون وحين تقومون" [19].

سابعًا: تكريس المسكن للوصية، "واكتبها على قوائم أبواب بيتك، وعلى أبوابك" [20].

يعود فيؤكد البركات التي تحل بهم بحفظهم الوصية والطاعة:

"لكي تكثر أيامك وأيام أولادك على الأرض التي أقسم الرب لآبائك أن يعطيهم إيّاها كأيام السماء على الأرض" [21].

تحول الوصية أيامنا على الأرض إلى أيام سماوية. كل لحظة من لحظات عمرنا لها تقديرها في عيني الله. إننا كمؤمنين حقيقيين يلزمنا أن نحمل ربنا يسوع المسيح السماوي في قلوبنا، فتصير السماء ليست ببعيدة عنّا، بل أقرب إلينا من كل ما هو حولنا.
نحمل ربنا يسوع المسيح مع سمعان الشيخ على أذرعنا الداخلية، ونطوف به حول المذبح الذي أقامه الله فينا، السماء الجديدة، عندئذ يلتهب قلبنا بالشوق إلى الأبديات، فنترنم قائلين: "الآن يا سيدي تطلق عبدك بسلام حسب قولك، لأن عينيّ قد رأتا خلاصك" (لو 2: 29).

نرتفع مع بطرس ويعقوب ويوحنا في معية السيد المسيح السماوي على جبل التجلي، فنرى مجد الرب السماوي، ونصرخ قائلين: "يا رب جيد أن نكون ههنا".

هكذا نسير مع مسيحنا السماوي القائم من الأموات طوال طريق حياتنا فنردد مع تلميذي عِمواس: "ألم يكن قلبنا ملتهبًا فينا إذ كان يكلمنا في الطريق؟!" (لو 24: 22).

تتحول حياتنا إلى حوارٍ ممتعٍ مع السماوي، فننعم بما نالته السامرية التي تركت كل ما لديها، جرتها التي تشير إلى كل ما هو زمني، لتنطلق إلى اخوتها، تدعوهم للقاء مع السماوي الذي قال لها كل ما فعلت (يو 4: 29).

باختصار صارت الأخرويات مركزها هو حضور المسيح السماوي القائم من الأموات في عالمنا، يهبنا روحه القدوس الذي يشكلنا لنصير أيقونة السماوي، ويحوّل قلبنا الترابي إلى سماء جديدة. فتصير الأبدية أمرًا نذوق عربونه، ونلمسه في واقعنا العملي. وكما يقول القدِّيس أكليمندس السكندري: [إنه بالنسبة للغنوصي (محب المعرفة الروحية) تصير الأرض سماءً![116]].

+ يجب أن تتوقوا إلى السماء، والأمور التي في السماء، بل حتى قبل بلوغنا السماء، فقد أمرنا أن نجعل الأرض سماءً، وأن نتصرف ونتحدث في كل الأمور كما لو كنا نتحدث هناك، بينما نحن على الأرض.

هذا أيضًا يجب أن يكون غاية صلاتنا التي نقدمها للرب. فلا شيء يُعيق وصولنا إلى كمال القوى العلوية لأننا نقطن على الأرض؛ إنه من الممكن حتى ونحن نسكن هنا أن نفعل كل شيء كما لو كنا قاطنين سلفًا في الأعالي[117].

+ حقًا لقد جاء السيد ليُلغي الأمور القديمة ويدعونا إلى وطن أعظم.

إنه يصنع كل شيء ليعتقنا من الأمور غير الضرورية، ومن عاطفتنا نحو الأرض.

لهذا السبب أشار إلى الوثنيين أيضًا قائلاً: "إن هذه كلها تطلبها الأمم" (مت 6: 33)؛ التي تقدم تعبها كله من أجل الحياة الحاضرة، ولا تُبالي بالأمور المقبلة، ولا بأي فكر سماوي[118].
القدِّيس يوحنا الذهبي الفم

+ عندما تتحقق إرادة الله بواسطتنا نحن الذين على الأرض كما تتحقق بالذين هم في السماء نتشبه بالسمائيين، إذ نحمل مثلهم صورة السماوي (1 كو 15: 49) ونرث ملكوت السماوات (مت 25: 34). ويأتي الذين بعدنا وهم على الأرض يصلون لكي يتشبهوا بنا إذ نكون نحن في السماء (الفردوس) [119].
العلامة أوريجانوس

 + الخالق نفسه هو موضع الإنسان، لكن ليس كمكانٍ (مادي)، فقد جبله ليسكن فيه. وإذ أعطى الإنسان أذنه للمجرب هجر مسكنه، هجر حب الخالق. فلكي يخلصنا القدير ظهر لنا جسديًا، وإن أمكنني القول، إنه اقتفى أثر الإنسان الذي هرب منه وجاء به إليه كموضعٍ يُحفظ فيه الإنسان المفقود[120].
الأب غريغوريوس الكبير

ثانيًا: حياة نصرة وتمتع بميراث أعظم.


"لأنه إذا حفظتم جميع هذه الوصايا التي أنا أوصيكم بها لتعملوها،
لتحبوا الرب إلهكم، وتسلكوا في جميع طرقه، وتلتصقوا به.
يطرد الرب جميع هذه الشعوب من أمامكم،
فترثون شعوبًا أكبر وأعظم منكم" [22-23].

مع ضخامة العدو من جهة العدد، وإمكانياته وخبراته العسكرية العظمى، إلا أن الله يعطي أولاده الحافظين جميع وصاياه روح الغلبة والنصرة. إنه يهبهم أن يرثوا بركات كثيرة. هذه النصرة وذلك الميراث يُقدم للذين يحفظون الوصايا الإلهية ويمارسونها عمليًا، معلنين حبهم للرب ملتصقين به. إنه يطلب منهم الالتصاق به بكونهم أبناءه الأعزاء جدًا لديه، أو العروس السماوية التي تتحد به كعريس سماوي. غاية الوصية الحب الذي يقدم اتحادًا فائقًا وعجيبًا بين الله والإنسان .

يحسب كلمة الله أنه صار جسدًا واحدًا مع النفس أكثر من صيرورة الإنسان جسدًا واحدًا مع زوجته (تك 2: 24). لمن يليق بالأكثر أن يكون روحًا واحدًا مع الله إلا للنفس البشرية التي ترتبط هكذا بالله بالحب حتى يُقال عنها تصير روحًا واحدًا مع الله[121]؟
العلامة أوريجانوس

ثالثًا: حياة النمو الدائم


"كل مكان تدوسه بطون أقدامكم يكون لكم.
من البرية ولبنان.
من النهر، نهر الفرات إلى البحر الغربي يكون تخمكم" [24].

تحقق هذا حرفيًا في أيام سليمان (2 أي 9: 26)، ولا يزال يتحقق روحيًا في حياة كل مؤمن. فمن يطأ محبة العالم بقدمي قلبه يستعبد العالم، وأما من ينحني أمام العالم مشتهيًا ملذاته وغناه وكرامته يطأ العالم بقدميه عليه ويستعبده. حين نطأ محبة العالم بأقدامنا تخضع لنا البراري القفر والأراضي الخصبة المملوءة بالثمار، ويمتد سلطاننا من المشارق إلى المغارب، وتصير تخمنا متسعة جدًا تحتضن إن أمكن الكل.

رابعًا: حياة المهابة والوقار

 "لا يقف إنسان في وجهكم.
الرب إلهكم يجعل خشيتكم ورعبكم على الأرض التي تدوسونها كما كلمتكم" [25].

من يكرم الوصية ويمارس مخافة الرب ينال كرامة ويهبه الله مخافة أمام الجميع.

line

5. تمتع ببركة الطاعة لا لعنة العصيان:

لخص موسى النبي كل أحاديثه عن الوصية الإلهية وحفظها والطاعة أو العصيان في كلمتين "البركة واللعنة".

"انظر. أنا واضع أمامكم اليوم بركة ولعنة" [26].

وهبنا الله حرية الإرادة؛ لنا أن نقبل البركة أو اللعنة؛ في سلطاننا أن نستخدم هذه العطية "الإرادة الحرة" إما للبركة أو للعنة، وذلك بالطاعة لله أو عصيانه. إننا لسنا خليقة غير عاقلة يحركها الله بغير إرادتها، لكنه وهو القدير ترك لنا كمال الحرية حتى إذ نسلك بنعمته بالطاعة نتكلل، وإن رفضنا عمله فينا نُدان.

"البركة إذا سمعتم لوصايا الرب إلهكم التي أنا أوصيكم بها اليوم.
واللعنة إذا لم تسمعوا لوصايا الرب إلهكم وزغتم عن الطريق التي أنا أوصيكم بها اليوم،
لتذهبوا وراء آلهة أخرى لم تعرفوها" [27-28].

يقدم الله وعودًا وتهديدات. بالوعود، لا يقتني لنفسه شيئًا بل يهب ماله للإنسان، وبالتهديدات لا يحمل عاطفة انتقام، إنما نصيحة حب عن ثمر العصيان الطبيعي، وما يفعله في حياة البشرية.

هذه البركات التي يعد بها وهذه اللعنات التي يحذرهم منها ليست بالأمور الخفية، لكنها أمور خطيرة يعلنها أمام الجماعة على جبلي جرزيم وعيبال. قد تم ذلك قبل عبورهم نهر الأردن (تث 27: 11)، وأيضًا بعد العبور (يش 8: 33).

"وإذا جاء بك الرب إلهك إلى الأرض التي أنت داخل إليها لكي تمتلكها،
فاجعل البركة على جبل جرزيم،
واللعنة على جبل عيبال" [29].

يتحقق هذا في أول المناطق التي ذهب إليها إبراهيم في كنعان حيث تسلم وعدًا إلهيًا (تك 12: 6-7).

تحقق هذا قبل دخول كنعان ليشجعهم على الإيمان والتمتع بالوعود الإلهية، وتم بعد دخول كنعان لكي يستمر الشعب في الطاعة والنمو في الوصية.

لماذا اختار جبلي جرزيم وعيبال؟ كلمة "جرزيم" مشتقة من الفعل العبري gaaraz ويعني "يقطع أو يحصد" حيث كان الجبل غنيًا بالأشجار والثمار، لهذا صار مناسبًا للحديث عن البركة. أما "عيبال" فليس له أصل عبري إنما غالبًا من الكلمة العبرية "عبالاً"، وتعني خشونة أو متهلهل الخ[122]، أو ربما من abalo وتعني حجارة بيضاء، إذ كان الجبل قفرًا ليس عليه خضرة.

"أما هما في عبر الأردن وراء طريق غروب الشمس في أرض الكنعانيين الساكنين في العربة مقابل الجلجال بجانب بلوطات مورة.

لأنكم عابرون الأردن لتدخلوا وتمتلكوا الأرض التي الرب إلهكم يعطيكم تمتلكونها وتسكنونها.

فاحفظوا جميع الفرائض والأحكام التي أنا واضع أمامكم اليوم لتعملوها" [30-32].

أعلن الشعب كله مع الخدام قبولهم العهد الإلهي، لينالوا البركات الإلهية المعلنة على جبل الجرزيم، ويتحاشوا اللعنات المعلنة على جبل عيبال، وذلك بحفظ الوصايا والفرائض والأحكام الإلهية عمليًا.

الآن تمتد أنظارهم نحو أرض الموعد ليعبروا إلى الجلجال، وهناك يقيمون مذبحًا، ينصبون خيمة الاجتماع ويضعون تابوت العهد. يعبروا ليدخلوا أرض الموعد ويملكوا ما قدمه الله لهم. هكذا يليق بنا أن نعبر خلال الطاعة للوصية إلى كنعان السماوية، فلا نقيم مذبحًا حجريًا ولا خيمة اجتماع ولا تابوت عهد، بل نتمتع بالحضرة الإلهية الفائقة، ونقيم كملوك مع ملك الملوك، بروح النصرة والغلبة.

line

من وحي تثنية 11

هب لي ولأولادي
أيام السماء على الأرض!

+ دخلت بشعبك إلى أرض الموعد،
أرض تفيض عسلاً ولبنًا!
لا تحتاج إلى مياه النيل لكي تسقيها،
إنما أنت ترويها بمطر السماء!
عجيبة هي عنايتك بشعبك!
عيناك عليهم من أول السنة إلى آخرها.

+ هب لي أن اختبر أيام السماء على الأرض.
ترويني بمطر نعمتك الفائقة.
يداك تقدمان لي عذوبة السماء،
فأقدمها للأجيال الجديدة خبرة حياة!

+ احمل إليهم كلماتك التي في قلبي.
يودعها قلبي في قلوبهم.
يختبرون معي بركة الوصية،
وينعمون بالحياة الإلهية المطوّبة.

+ خطيتي أفقدتني رؤية عينيك.
خطيتي أغلقت أمامي أبواب السماء،
فصارت نحاسًا تصد كلماتي.
خطيتي أفقدتني أمطار حبك الفائق.

+ لتعمل كلماتك في قلبي،
فترتفع نظراته إليك.
تلتقي عيناي بعينيك،
فيذوب قلبي حبًا.
بكلمتك يتقدس قلبي ونفسي.
بوصيتك تتقدس يداي وكل حواسي.
بوصيتك أصير بكليتي لك.
استعذب سمواتك، وأصير سماءً تسكن أنت فيها.

line
المراجع:
[110] Ancient Christian Comm. On Scripture, Mark, p. 21.
[111] Sermons on the N.T. Lessons. 40:8.
[112] On the Gospel of St. John, 6:21.
[113] On the Psalms, 50:2.
[114] To the Bishops of Egypt, 3.
[115] St. Jerome: Letters 46:2
[116] راجع للمؤلف: المسيحي والعبور إلى السماء، 1998، ص19- 20.
[117] In Matt. hom., 19:7.
[118] In Matt. hom., 22:4.
[119] On Prayer 26:1.
[120] Morals on Job 7:9,10.
[121] De Principiis 2:6:3.
[122] Adam Clarke Commentary.