الهجوم الإرهابى على يهود آمنين يحتفلون بعيدهم حانوكا على شاطئ بونداى فى سيدنى، مستوجب إدانته من كل صاحب فطرة سوية وقلب سليم.
لا يبرره، ولا يباركه، ولا يستحسنه، سوى كل متطرف معتدٍ أثيم، مسكون بالثأرية، تحت جلده يعيش داعشى، نفسيته مظلمة، ما يلبث أن يظهر شبحًا فى الليالى حالكة السواد.
كشفت عملية سيدنى عن إرهابيين محتملين يجولون فى الفضاء الإلكترونى مغتبطين بسفك الدماء، مهللين مكبرين، يباركون حصد خمسة عشر روحًا بريئة فى غزوة سيدنى، كما يروجون لها فى أقبيتهم المسحورة.
بين ظهرانينا تعيش وتترعرع مثل هذه الكائنات المتحوصلة، تنتظر فرصة ما تسنح لتتقيأ ما فى جوفها من غل وحقد، تعيش فى غرف شات مظلمة، فى ظلمات أنفسهم يعمهون.
أخطر من الإرهابى (وولده) حاصدى الأرواح، أخطر منه الإرهابى الساكن تحت جلد المجتمع، كائن خلوٌّ من الإنسانية، مفطور على الثأرية، يتغذى على الكراهية، ويشرب من أنية مسمومة، ويطالع كتبًا صفراء، ويعتقد فى فتاوى ما أنزل الله بها من سلطان.
رحل طيب الذكر الشاعر الكبير صلاح عبدالصبور متسائلًا: لا أدرى كيف ترعرع فى وادينا الطيب هذا القدر من السفلة والأوغاد؟!
وبتصرف: لا أدرى كيف ترعرع فى شواطئ سيدنى هذا القدر من المتطرفين والإرهابيين؟!
رحابة المجتمع الأسترالى وتنوعه، وفرص العيش، وقبول الآخر بين أعطافه، لم تغير ما فى نفس الإرهابى من ثأر ربى عليه ولده ونشّأه على كراهية البشر، طاحا فى الآمنين قتلًا وسفكًا للدماء!
وكذا رحابة المجتمعات التى نعيش فيها وتعيش فينا، لم ولا ولن تغير من عقلية هؤلاء الفاسدة، يعانون فسادًا عقليًا، خلايا الإرهاب مثل خلايا السرطان تتغذى على خلايا التفكير السليم.
لايزالون فى غيابات الجب المصنوع على أعين مراجعهم، فى مضاجعهم النفسانية يمضغون لبان الكراهية، ويقتاتون مظلومية، ويتحينون الفرص للثأر.. وعادة ما يتحصلون على صيدهم من الأبرياء فى غفلة مجتمعية.
الإرهابى المتحوصل ما يخشى منه على الحضارة الإنسانية عامة، يعيش فى حويصلة مغلقة، ورغم أنه يأكل الطعام ويتزوج النساء، ويجول فى الأسواق، ويرتقى الوظائف، ويطالب بالحوافز، لكنه نفسانيًا منغلق على نفسه، يتنفس عوادم فكرية خانقة، تراه صدره ضيقًا حرجًا كأنما يصعد فى السماء.
أمثال هؤلاء يملكون مخزونًا من الدوافع التدميرية النفسية المتأصلة، تحركهم غريزة الموت، وكراهة الحياة، لا يشمون عطر الوردة، أنوف لا تستطيب عبيرًا.
يعتريهم ما يسمى الميل التدميرى العدوانى، ميل متأصل ضارب الجذور فى تكوينهم الذاتى، يحملون دوافع عدوانية عاتبة، ورغبة عارمة فى تدمير الذات أو الآخر. وبقدر ما هم محبطون، يعانون من جنون العظمة، ترى الداعشى منهم يمشى على أطراف أصابعه طلبًا للرفعة، أو يلف شارة على رأسه، ويشرئب عنقه ليزداد طولًا ويعرفوه بين الناس.
الإرهابيون المتحوصلون فى التشخيص النفسانى مرضى عقليون، يعتورهم شعور بالعظمة دون سند، مع شعور غريزى بالاضطهاد الممنهج، ومن أعراض الاضطهاد المهيمن على النفسية ما يسمى الإيعاز، ويترجم حفز المريض لشن عمل عدائى، إرهابى، تحت مظنة أن الآخرين يكيدون للإضرار به، أو تدميره.
مثل هذه الشخصيات المتبلدة أو الفصامية بين ظهرانينا تعانى حالة مرضية تجعل صاحبها منفصلًا عن الواقع، مخطئًا فى تقدير ظروفه، وخاليًا من المشاعر، وغير مكترث بشىء، غير مبالٍ، لدرجة يذهب فلذة كبده إلى قبره مقتولًا ملعونًا فى كل كتاب.



