القائمة الأقباط اليوم أبحث
أهم الأخبار

«البابا يوحنا السابع» بقلم الأنبا أرميا

بدأ الحديثُ فى المقالةِ السابقةِ عن البابا يوحنا السابع والبابا غبريال الثالث، اللذين جلسا على كرسى مار مرقس الرسول بالإسكندرية فى وقتٍ واحدٍ، فى حادثةٍ نادرةٍ لم تتكرر فى تاريخِ الآباءِ البطاركة إلا فى تلك

«البابا يوحنا السابع» بقلم الأنبا أرميا

الفترةِ. تولَّى البابا يوحنا السابع إدارةَ شؤون الكنيسة لمدة ست سنوات وبضعة أشهر. لم يتوقف خلالها النزاع بين أنصاره وأنصار غبريال، الذين تمكّنوا من عَزْلِ البابا يوحنا السابع وتثبيت غبريال بطريركًا. قضى البابا

غبريال الثالث بطريركًا مدة سنتين وشهرين، قام خلالهما بعملِ الميرون المقدس.. ثم عُزِلَ البابا غبريال الثالث، وأعيد البابا يوحنا السابع إلى كرسيه بأمرِ السُّلطان، وتنيَّحَ البابا غبريال الثالث فى فترةِ رئاسةِ البابا يوحنا السابع.

عندما عاد البابا يوحنا السابع إلى كرسيه، أدارَ شؤونَ الكنيسةِ، مُعطِيًا اهتمامًا كبيرًا لإزالةِ الفُرقَةِ بين الأحزاب المتنازعةِ حتى تحقّقَ له ذلك وأحبَّه

الجميعُ. وفى أيامه، كتبَ إليه إمبراطورُ الحَبشةِ يُقِرُّ بخضوعِ الكنيسةِ الحبشيةِ للكنيسةِ القبطيةِ، ويطلبُ منه أن يقومَ برَسامةِ مُطرانٍ يرعَى ويُدبِّرُ

أمورَ كنيسةِ الحبشة ويحفظُها من الدُّخلاءِ.. فاستجابَ البابا يوحنا السابع لطلبِ الإمبراطور فورَ وصولِ الخطابِ إليه، وقامَ برسامةِ مُطرانٍ يدبِّرُ شؤونَ الكنيسةِ هناك.

كما يذكرُ القِس منسى يوحنا حادثةً أخرى عن تاجرٍ مصرى أرسلَ مالًا لشريكٍ له فى الحبشة، وحدثَ أنَّ الرَّجلَ الحبشى تُوفى قبل وصولِ المالِ إلى التاجر المصرى، فقدَّمَ المصرى شكواه إلى سلطانِ

مصرَ، الذى أحالَ الأمرَ إلى البابا يوحنا السابع، فوعدَ بالمساعدة. ويقول القس منسى: وأَنفَذَ كتابًا لإمبراطور الحبشة مع ذلك التاجر، وحالما وصلَ به وعَلِمَ الناسُ أن البطريرك أرسلَ إليهم

خطابًا، أسرعوا لمقابلةِ حاملِه بكلِّ إجلالٍ وإكرامٍ. وفى يوم الأحد، تلا الإمبراطور بخشوعٍ تامٍّ خطابَ البطريرك على مَسمعٍ من الجميعِ فى الكنيسة الكبرى، وعادَ التاجرُ إلى مصرَ يحملُ مالَه وهدايا ثمينة.

تنيَّحَ البابا يوحنا السابع فى سنة 1293م، بعد أن قَضَى فى البطريركية للمرة الثانية مدةَ اثنتين وعشرين سنةً وستة أشهر، لتُصبحَ مدّةُ جلوسِه بطريركًا 29 سنة.

ويُذكَر عن الظاهر بيبرس فى أيام حكمِه أنه كان شديدًا على المسيحيين واليهود، فيذكر ابن تغرى بردى: وكان الظاهرُ شديدًا على أهلِّ الذِّمة، يُلزِمهم بما لم يُلزمُهم به مَن قبله، ويمنعُهم من إظهارِ شعائرهم إلّا بما يأذن به.

كما ذكر المقريزى: وفى أيام الظاهر، كتب السلطانُ إلى الأعمالِ كلِّها بأن تُفحَصَ الكنائسُ التى أحدثها النَّصارى بغير إذنٍ، وأن تُغلقَ كلُّ كنيسة لم يُعلَم لها أصلٌ قديمٌ. وأن يُجدَّدَ العملُ على أهلِّ الذِّمّةِ بما جرى به

الحُكمُ من لِبْس العمائم الزُّرق، وعدمِ رُكوبِ الخيل، وأن تُكسَرَ صُلبان الكنائس الظاهرةِ للعيان. فاشتدَّ الأمرُ عليهم، وضاقَ الحالُ، ورُفِعَت الشِّكاياتُ إلى السلطان، فلم يلتفت إليها إلا بعدَ شفاعةِ بعضِ ملوكِ الرُّوم.

كما تُذكَرُ حادثة جَرَت فى أيام الظاهر بيبرس، إذ وقعَ حريقٌ كبيرٌ فى القاهرة. حاول بعضُ الأشخاصِ استخدامَه للوشايةِ بالمسيحيين لدى السلطان، واتهموهم بأنهم الفاعلون.

ويشيرُ بعض المؤرخين إلى أن التُّهمةَ كانت موجهةً للمسيحيين واليهود معًا. غَضِبَ السلطانُ الظاهر بيبرس وأمرَ بجَمْعِ المسيحيين وإخراجِهم خارج المدينة وإلقائهم فى حفرةٍ

ليُحرَقوا أحياءً، لكنَّ فارس الدين أقطاي رثَى حالَهم وتوسَّلَ إلى السلطانِ بالعفوِ عنهم، فقَبِلَ بشرطِ دَفْع غرامةٍ قدرُها خمسون ألف دينار.. فقام الأقباط بسداد المالِ المطلوبِ.

وعن الحريقِ، ذكرَ أبو شامة المقدسيّ، الذى يُعدُّ من أقربِ المؤرخين زمنًا إلى الحادثةِ، فى كتابه الروضتين فى أخبار الدولتين عن أحداث سنة 663هـ (1235 - 1236م): وفى هذه السنة، وقعَ بالقاهرة حريقٌ عظيمٌ فى مواضعَ كثيرةٍ، فَهَالَ الناسَ أمرُه، وعَظُمَ الخَطْبُ به، واشتدّ الخوفُ، وفسدَتْ الأحوالُ، واشتغلَ السلطانُ وأمراءُ دولتِه بإطفائه، والبحثِ عن سببِه، حتى سَكَنَ ذلك بعد أيام.

وما زال الحديث فى مصر الحلوة.. لا ينتهى!

* الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى

الأنبا إرميا - المصرى اليوم
17 ديسمبر 2025 |