عاشت حياتها وكأنها تكتب مسودة لسياق حياتها الابدية الاتية.
تلك الحياة التي تجمعت كلها فى كثافة لحظة انتقالها ، فاضأءت نسختها الصحيحة الكاملة وانسكبت عند النياح.
كانت تاسوني انجيل واعية لحقيقة سر الحياة فى المسيح يسوع ، الذي كرست له حياتها بالنذور ، رافضة كل عزاء بشرى من اجل عريسها السماوى ، سالكة مسلكه .. مرتشدة بتدبير القديس البابا كيرلس السادس الذى بارك مشروع بيتها عند اقترانها بأبينا القمص بيشوى كامل ( سامى كامل ) لتحمل معه صليب الطريق وتشاركه كأس الصبغة التى بها اصطبغ.
فالله الهنا في كل جيل يوجد له شهود !! وقد اوجدها لتكون ابهى ايقونة لزوجة اقدس كاهن ضمن قديسي هذا الجيل ، ولكى تكون سيرة ماكرينا وباولا وميلانيا وسنكيليتيكي واستوكيوم ، ليست مجرد سير لشخصيات عاشت من تاريخ سحيق ، لكنها ضمن سنكسار معاش و معاصر لكنيستنا القبطية ام الشرفاء وام الاولاد الفرحة ، تخط فيه يد الله كل يوم اعمال نعمته الفاعلة فى الزمان والمكان.
سيرة تاسونى انجيل اعادت للاذهان سيرة القديسة ماكرينا و اخيها باسيليوس الكبير ، وسيرة مارسلينا واخيها امبروسيوس ، متمثلة بهم في خدمتها مع ابا ديمتريوس اسقف ملوي ومع اخواتها الراهبات اغابي ويوستينا ( فيكتوريا وعايدة ) واخويها وعمها الكهنة ، ود. فايز وا. مرقس والمتنيح م. فيكتور ، الذين كانوا يهرعون باكرا الي صلوات القداسات مع البابا كيرلس السادس ، من بيتهم في حي العطارين الي جوار كنيسة
مارمرقس الكبري.
لقد رسمت هذه المباركة قدامنا ايقونةً سيرة حياة ملائكة الله ، لانها كانت بحق اسماً - ( انجيل ) - على مسمى : فى بداهتها وعمقها وخفه جسدها وحيوية حركتها ، واجتهاد نشاطها ضد الغفلة.
حياة فى مجملها قماشة نسيج للتسبيح والطاعة والصبر والسهر والصمت والصوم والفرح الواعى وفطنة الاولين.
لقد نست بل وجحدت ذاتها وعملت اعمالاً غير مألوفة ، فإفتقرت اختيارياً وعاشت بتوليتها وهى الزوجة العفيفة ، التى قدمت للمسيح راهبات وعذارى ومكرسات وبنات فى كل بقاع العالم ، جاذبة لكثيرات بسبب حياتها الخاصة ، وصائرة كأم لهن ، ونور عفوى يشع من عينيها على اولئك العذارى السائرات على خطاها.
انها ليست تاسوني كما يسمونها ، لكنها "تماف " الحاملة للنير كشريكة حياة ابينا القمص بيشوى منذ بدايات تأسيس كنيسة مارجرجس باسبورتنج ، ثم الكنائس الممتدة التى بناها بدموعه ودمه وغيرته النارية علي خلاص النفوس.
حياة تاسوني انجيل كانت صفحات لمسيرة توارت هي فيها خلف الصليب ، فأثمرت بالصبر والاسفار حتى ايامها الاخيرة ، وبتغصبها غلبت النزعات الطبيعية ، ووضعت عينيها على الهدف ، بالبعد عن البرودة والفتور ، و اباطيل المجد الفارغ ، وكل مكاسب المتكأت الاولى.
حتي عبرت كعابرة سبيل ، ووجدت حياتها واشترت من اشتراها ، فصار اسمها حلو كالعسل فى افواه وقلوب الناس.
وسيبقى ضمن الخزين الروحى ورصيد مجد البيت الاخير الموروث لنهاية الزمان.
لقد صعدت المصاعد لانها اكتفت بالقوت والكسوة ، و بالقدر القليل من كل شئ وهى التي تغنى كثيرين ، صعدتها بحفظها للسكون والاعتدال ولباسها الابيض الذي تزينت به ، وهو لن ينقطع
عنها ابداً ، صعدت لانها جاهدت ضد الطبيعة لاطفاء لهيب الشهوات ، بدموع فرح الالام الخادمة الرزينة البعيدة عن البهرجة وزخاف العالم وخداعه ، صعدت باستقامة حياتها واعمالها
لتتكلم بسيرتها ، فلم تفتخر يوماً بعلو قامتها ولا بانجازات ، جنى العالم كله ثمارها ، مسموعه ومرئية ومكتوبة ومبنية ومروية ، ملء السمع والبصر ، لكنها حسبت انها كلها كلا شئ.
وتشهد لها جماعة المؤمنين بانها العابدة على الدوام ، صديقة القديسين ورفيقة النساك وملهمة العذارى والراهبات ، خادمة لكل احد لانها (تاسونى) التى نحتت هذا المصطلح وفعلته حياً فى كنيسة هذا الجيل ، ليبقى معاشاً ومختبراً.
واليوم جاء يوم نياحتها كتتويج لحياتها وبلوغها للمجد الاسني الذى لا يقاس ولا يعبر عنه .... وتجنيزها شهدناه كعرس ووليمة احتفالية ، جمع الدموع والمحبة وعطر الناردين والتسبيح واحياء اللغة القبطية والقدوة وتثبيت الاشتياق
السماوى ؛ ومساندة زوجها رفيق دربها في خدمته الرعوية وبناء الكنائس في لوس انجلوس وفي الاسكندريةً ؛ وفي تدابير رعايته للايتام وللفتيات الجانحات ؛ وفي تلمذته للكهنة ورعيل اجيال الشباب والخدام ؛ فقد كانت خير معين ورفيق وسند كل الطريق.
عندئذ اجتمعت الشعوب لتودعها بالوفاء لها ولشريك حياتها ، ولسان حال الكل يعطى المجد لله ، الذي ثبت كنيستنا حية وحلوة وممتدة وصانعة للقديسين المعينين للحياة الابدية ، علي مدي الدهور .



