القائمة الأقباط اليوم أبحث
أهم الأخبار

السودان تراجيديا أفريقية لا إغريقية .. بقلم خالد منتصر

صارت السودان مأساة أفريقية تمثل قمة التراجيديا فى العالم الآن، إنها تتفوق على كل المآسى الإغريقية التى يعتبرها دارسو المسرح فى العالم مرجعهم الدرامى، قرأنا سوفوكليس وإيسخيلوس ويوربيدس، فجعوا

السودان تراجيديا أفريقية لا إغريقية .. بقلم خالد منتصر

العالم بالتراجيديا التى كتبوها، ونزلت دموع مشاهدى مسرحياتهم فيضاناً، لكن مأساة السودان لم تحرك ساكناً عند أحد من المتفرجين، مجرد بيانات حقوق إنسان، وبيان شجب هنا، وطلب تهدئة هناك، لكن لماذا

تعتبر تراجيديا السودان هى الأقوى والأكثر تفوقاً؟، لأنها تراجيديا عبثية متفردة، لا منطق لها، لماذا يحارب الدعم السريع الجيش؟، ولماذا ينسحب الجيش فى بعض المناطق فراراً من الدعم السريع؟، ومَن على

صواب؟، وهل السودانيون فى الحسبان؟، ولماذا ينضم البعض إلى هذا الفريق، والبعض الآخر للفريق الخصم؟، القتل أيضاً عبثى بامتياز، ليس قتلاً فقط، ولكنه تمثيل بالجثث، وتلذذ بالبتر وجز الرقاب، خلطة

سريالية من القتل والاغتصاب، حتى التراجيديا الإغريقية كان لها منطق، وكانت هناك علاقة سببية لمن عاقبته الآلهة، وهناك أيضاً غرض التطهر فى نهاية العرض، لكن السؤال: ما هو الغرض من تلك الحرب العبثية فى السودان؟

هناك بعض الأرقام التى صدرت من بعض المنظمات الحقوقية عن تلك الحرب المرعبة، بالطبع ليست هناك أرقام محددة، وإحصائيات دقيقة، لكن هناك مؤشراً على كم النزيف على الأرض، يكفى أن هناك تقريراً يقول إن أكبر

بقعة دم شوهدت من السماء فى التاريخ، قد شوهدت فى تلك الحرب، فى الفاشر، حيث تحصد الأرواح بإيقاع يتفوق على سرعة الضوء!، عدد القتلى، تتكلم وكالات أممية ووكالات أنباء (AP، IOM، WHO) عن على الأقل 40 ألف قتيل منذ

بداية الحرب، إحصاءات قواعد بيانات النزاعات ACLED وغيرها أحصت حوالى 28-29 ألف وفاة موثقة حتى نهاية نوفمبر 2024، مع اعتراف واضح بأن الرقم أقل من الحقيقة بسبب صعوبة الوصول للمناطق المنكوبة، أعلى التقديرات

(مسئولين وخبراء)، مجلس العلاقات الخارجية (CFR) ينقل عن مبعوث أمريكى سابق للسودان تقديراً يصل إلى نحو 400 ألف قتيل منذ أبريل 2023، نأتى إلى الجرحى والإصابات، لا توجد أى جهة دولية تنشر رقماً شاملاً ودقيقاً

للمصابين (جرحى الحرب + ضحايا الأمراض المرتبطة بالحصار والمجاعة)، منظمة الصحة العالمية قدّرت أكثر من 3٫000 وفاة بالكوليرا وحدها خلال 14 شهراً فقط من التفشى وسط الحرب، مع عشرات الآلاف من الإصابات، لكن هذا

جزء صغير من الصورة، ولا توجد أرقام موثوقة حتى الآن، النازحون واللاجئون (أكبر أزمة نزوح فى العالم الآن)، عدد إجمالى من اضطروا لترك بيوتهم، تقول تقارير الأمم المتحدة الإنسانية (UNHCR/UN) حتى نوفمبر 2025: منذ

أبريل 2023، أُجبِر أكثر من 14 مليون شخص على النزوح، وما يقارب 12 مليوناً ما زالوا نازحين حتى الآن، منهم نازحون داخلياً ولاجئون خارج السودان، نفس الوثائق توضح تقريباً: حوالى 7.3 مليون نازح داخل السودان،

وحوالى 4 ملايين لاجئ/طالب لجوء/عائد فى دول الجوار (مصر، تشاد، جنوب السودان، إثيوبيا، أفريقيا الوسطى.. إلخ)، بوابة بيانات المفوضية (Sudan Situation) تعطى رقماً قريباً: إجمالى المهجّرين قسراً 11.8 مليون تقريباً حتى 9 نوفمبر 2025.

أما الخسائر الاقتصادية فعبارة عن انكماش حاد فى الناتج المحلى، تشير تقديرات البنك الدولى وصندوق النقد وبحوث مستقلة إلى: انكماش الاقتصاد بنحو 29-30% فى 2023 نتيجة انفجار الحرب، انكماش إضافى

حوالى 13-15% فى 2024، هناك دراسة أكاديمية فى 2025 تقدّر أن إجمالى انخفاض الناتج بحلول نهاية 2025 سيتراوح بين 32% (سيناريو معتدل) و42% (سيناريو حاد) مقارنةً بما كان مفترضاً بدون الحرب، إذا حسبنا

الخسائر بالدولار، هناك دراسة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائى (UNDP) بالاستناد إلى تقديرات البنك الدولى وبنك التنمية الأفريقى قدّرت خسارة إنتاجية بنحو 125 مليار دولار فى السنة الأولى وحدها

من الصراع (من 2023 لبداية 2024)، أما عن الجوع وحال الزراعة فتقول تقارير الأمن الغذائى إن الحرب أدت إلى تدهور حاد فى الزراعة والانقطاع عن الأسواق؛ بعض التقديرات تتكلم عن تراجع إنتاج محاصيل

أساسية بنسب كبيرة، مع دخول أكثر من 21 مليون سودانى فى حالة انعدام أمن غذائى حاد، واعتبار الوضع فى بعض المناطق مجاعة فعلية بحلول نوفمبر 2025.. هل توافقوننى على أنها أعظم المآسى الإنسانية فى زمننا المعاصر؟

خالد منتصر - الوطن
17 نوفمبر 2025 |