في أحد شوارع منطقة الزيتون بالقاهرة، تعرض أكثر من مواطن لهجمات متتالية من الكلاب الضالة في أيام متفاوتة خلال الفترة الماضية، ووفقًا لشهادات السكان: "فقد تحول أكثر من شارع بالمنطقة إلى مأوى لهم منذ أشهر، ما جعل الجميع في حالة ذعر".
ذلك ما جعل الآراء تنقسم بين "من يرغبون في التخلص من الكلاب بأي طريقة حتى لو بوضع السم لها، أو نقلها إلى أماكن مخصصة بعيدًا عن السكان، وآخرين يرفضون هذا التعامل ويقدمون لها الطعام".
ولم يكن ذلك استثناء، فتزايدت في مصر وقائع العقر أو هجوم الكلاب على السكان في أكثر من منطقة ومحافظة، منها حي السلام بمحافظة السويس، التي أُصيب بها ما لا يقل عن 9 أشخاص، بينهم أطفال، جراء هجوم كلب ضال الشهر الماضي.
وهناك، تكررت حوادث العقر مؤخرًا في نطاق شارع "سويس هيلز" القريب من ثلاث مدارس. وأكد سكان المنطقة "أن الكلب المهاجم ليس من الكلاب المعتادة في الحي، وأن حجمه كبير، فرجّح بعضهم أنه قادم من المنطقة الصحراوية المتاخمة لطريق السويس – القاهرة القديم".
ولم يقتصر الأمر على المناطق القريبة من طرق صحراوية، فتقول ليلى فهمي (63 عامًا)، إحدى سكان منطقة الزيتون: "إن انتشار القمامة ساهم في زيادة أعداد الكلاب الضالة بالمنطقة، وأنها حاولت توصيل شكواهم للحي أكثر من مرة، إلا أنها لم تجد تحركًا".
وتضيف: "كل بضعة أيام، نسمع أن هناك كلبًا طارد أو هاجم أحدًا بالشارع، إما أصابه أو تدخل أحد وضربه للابتعاد، فأصبحت أخاف على ابنتي عند النزول كل يوم". ورغم ذلك، لا تميل إلى تسميم الكلاب، كما يدعو جيرانها، فتكمل: "هذا غير مقبول بالطبع، لكن من يتأذى منها لا يمكن لومه، فنحن فقط نريد تطعيمها ونقلها بعيدًا".
ويؤكد على تلك الشهادات، النائب إبراهيم نظير، عضو مجلس النواب عن دائرة شمال أسيوط، حين تقدم بطلب إحاطة موجَّه إلى كل من رئيس مجلس الوزراء، ووزير الزراعة، ووزيرة التنمية المحلية، ووزير الصحة، ووزير البيئة، بشأن ما اسماه "تهديد الكلاب الضالة للمجتمع المصري".
وقال: " هناك مئات الآلاف من حالات العقر للأطفال والمواطنين أثناء سيرهم في الشوارع، ووفاة العشرات نتيجة إصابتهم بالسعار وتأخر حصولهم على المصل، دون الوصول إلى حل جذري للمشكلة، خاصة مع اشتراك العديد من الجهات الحكومية في مسئولية مواجهتها."
لكن في الاتجاه الآخر، انتشرت دعوات للامتناع عن إطعام الكلاب الضالة، وهو ما ردت عليه وزارة الزراعة في بيانها، قائلة إن "هذا السلوك مخالف للدين الإسلامي وأحكام القانون المصري، وهو صورة من صور الإيذاء غير المباشر، المنافي للفطرة السليمة وللتعاليم الدينية التي أوصت بالرحمة والرفق".
وأوضحت وزارة الزراعة أن القانون رقم (29) لسنة 2023 الخاص بتنظيم حيازة الحيوانات الخطرة والكلاب، يشدد على ضرورة التعامل الإنساني مع الحيوانات الضالة من خلال برامج التغذية والإيواء، كما يحظر بشكل قاطع كل الممارسات التي تهدد حياتها أو تعرضها للهلاك. ودعت جميع الجهات المعنية والمواطنين إلى ضرورة التعاون في نشر ثقافة الرفق بالحيوان والالتزام بأحكام القانون.
ووفقًا لهذا القانون الذي أشارت إليه وزارة الزراعة، شكلت الهيئة العامة للخدمات البيطرية بالوزارة لجنة فنية مشتركة برئاسة ممثل عن الهيئة العامة للخدمات البيطرية، وعضوية ممثلين عن الوزارات المعنية: البيئة، والصحة، والتنمية المحلية، وغيرها، لوضع إطار وطني شامل ومُحدَّث لمجابهة الحيوانات الضالة التي تشكل خطرًا، كما تذكر الهيئة.
وهذا الإطار الوطني "يشمل آليات فعّالة لحصر وتقليل أعداد الكلاب الضالة في التجمعات السكنية، من خلال التعقيم للحد من التكاثر والتخلص الرحيم من الكلب المريض أو الشرس كخيار أخير طبقًا لتوصيات المنظمات
الدولية في هذا الشأن ووفقًا للاشتراطات البيئية والصحية، إلى جانب إنشاء مراكز الإيواء، حيث ينص القانون على تخصيص أراضٍ في المحافظات لإنشاء مراكز لإيواء الكلاب الضالة، مع الأخذ في الاعتبار البعد الوقائي".
وكانت مصر قد أطلقت استراتيجية "مصر خالية من السعار 2030"، والتي تنعكس في عمليات متتالية تقوم بها المحافظات لتحصين الكلاب وتطعيمها خلال الفترات الماضية. كما أعلنت وزارة التنمية المحلية في وقت سابق عن خطتها التي تتضمن إنشاء مراكز إيواء بالمحافظات، وتوفير سيارات مجهزة، وتدريب العمالة، وتوفير خدمات غذائية وطبية.
وتتواجد الكثير من الجمعيات الخيرية التي تهدف إلى توعية المواطنين وتحسين ظروف الحيوانات الضالة وتوفير مأوى لها، ومنها جمعية "إيسما" (الجمعية المصرية للرحمة بالحيوان)، التي تستقبل شكاوى خاصة بالعنف ضد الحيوان. فتقول منى خليل (رئيس الجمعية) إنها "تستقبل جميع حالات الحيوانات التي تتعرض لعنف جسدي، وتحتاج لمساعدة طبية سواء بصحبة منقذين أو تم الإبلاغ عن مكانهم".
ومن بين الحالات التي يتعامل معها فريق الجمعية: "كلاب تعرضت للتسميم أو الحرق أو الكسر أو الشلل نتيجة للتعذيب أو الضرب بآلات حادة"، كما توضح "منى" في حديث لها.
وتتعاون الجمعية مع الهيئة العامة للخدمات البيطرية فيما يخص عمليات التعقيم والتطعيم، إلا أن "منى" ترى "أنهم بحاجة إلى المزيد من الدعم الحكومي وتوفير الكثير من أمصال التطعيم بشكل مجاني، وعمل حملات توعية ضخمة في المدارس والجامعات ووسائل الإعلام لتغيير الثقافة المجتمعية السلبية تجاه هذه الحيوانات، وضد دعوات قتل الكلاب".
وفي غضون ذلك، تدعو الهيئة العامة للخدمات البيطرية المواطنين إلى ضرورة أن يقوموا بإبلاغ السلطة المختصة فورًا عند إيجاد حيوانٍ خطِر أو ضالّ لاتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة، بدلًا من اتخاذ إجراءات فردية غير إنسانية أو قانونية. وتكرر ليلى فهمي، الساكنة بمنطقة الزيتون، محاولاتها لفعل ذلك وإنقاذ الموقف قبل أن يقع أذى، سواء للكلاب أو للمارين والساكنين بالشارع.



