خلف الصوت الساحر للسوبرانو فاطمة سعيد، ووسط الأجواء الأسطورية لحفل افتتاح المتحف المصري الكبير، خيّم صمت مهيب أعقبه مشهد استثنائي سرق الأضواء عالميًا: إضاءة المسلات المصرية في عدد من عواصم العالم استجابةً لضوء انبعث من المسلة الأم أمام المتحف في القاهرة.
إضاءة المسلات المصرية حول العالم
لم تكن تلك اللحظة مجرد عرض بصري مبهر، بل إعلانًا رمزيًا عن عودة الحضارة المصرية القديمة لتضيء العالم من جديد، وعن بداية فصل جديد في سردية الهوية المصرية التي أبهرت البشرية لآلاف السنين.
هذه المسلات التي شيّدها الفراعنة لتخليد ملوك عظام مثل رمسيس الثاني وتحتمس الثالث، غادرت مصر قبل قرون طويلة لتقف شامخة في قلب باريس، لندن، نيويورك، روما، وإسطنبول.
ورغم ابتعادها عن موطنها الأصلي، فإنها ما زالت تروي قصص القوة والخلود، لتجتمع رمزيًا في تلك اللحظة التاريخية التي أضاءت فيها أنوارها في وقت واحد، تعبيرًا عن وحدة النور المصري الممتد عبر القارات.
في باريس، تتلألأ مسلة الأقصر في ميدان الكونكورد منذ عام 1836، بعد رحلة نقل أسطورية استغرقت سنوات كاملة من صعيد مصر إلى فرنسا، عندما قدّمها محمد علي باشا هديةً إلى الملك لويس فيليب.
أما في لندن، فتقف إبرة كليوباترا على ضفاف التايمز منذ عام 1878، بعد رحلة بحرية خطيرة انتهت بتخليد النصر البريطاني على نابليون. وفي نيويورك، تقف المسلة التوأم في قلب "سنترال بارك" منذ عام 1881، بعد أن أهداها الخديوي إسماعيل للولايات المتحدة لتكون أقدم أثر مصري في القارة الأمريكية.
وفي روما، تنتصب مسلة الفاتيكان التي نقلها الإمبراطور كاليجولا عام 37 ميلاديًا من مصر إلى عاصمة الإمبراطورية، فيما تزيّن مسلة تحتمس الثالث ميدان السلطان أحمد في إسطنبول منذ عام 390 ميلاديًا، بعد أن جُلبت من الكرنك لتخلّد مجد الإمبراطورية البيزنطية.
تلك المسلات التي فرّقتها القرون والمسافات اجتمعت رمزيًا في لحظة واحدة عبر الضوء، لتعلن أن الحضارة المصرية — التي شيّدت الأهرامات ونقشت التاريخ على الصخر — لا تزال تنبض بالحياة، وتضيء العالم من جديد من بوابة المتحف المصري الكبير، أكبر متحف في العالم مخصص لحضارة واحدة.



