القائمة الأقباط اليوم أبحث
أهم الأخبار

تمثيل المسيحيين في البرلمان بين النص الدستوري والواقع الانتخابي

بقلم هاني صبري لبيب

أثار اختيار نسبة محدودة من الرجال المسيحيين في قوائم الترشح لانتخابات مجلس النواب، في مقابل تخصيص النسبة الأكبر للمرأة المسيحية، حالة من الجدل بين بعض الأوساط المسيحية والسياسية، وتباينت الآراء بين مؤيد يرى في ذلك تعزيزًا لدور المرأة في العمل العام، ومعارض يتخوف من غياب التوازن التمثيلي بين الرجل والمرأة المسيحية.

تمثيل المسيحيين في البرلمان بين النص الدستوري والواقع الانتخابي

هي تساؤلات مشروعة حول مدى اتساق ذلك مع روح الدستور ومبادئ العدالة والمواطنة المتكافئة.

وفي تقديري، فإن هذا الجدل – على أهميته – لا ينبغي أن يُفهم خارج الإطار الدستوري والقانوني الذي نظّم هذه المسألة بدقة ومرونة في آن واحد. فالدستور المصري لم يضع نسبًا محددة لتمثيل الرجال والنساء من المسيحيين داخل المجالس النيابية، وإنما ترك الأمر للقانون ليحدد آلياته وضوابطه بما يحقق التمثيل الملائم والعادل.

تنص المادة (244) من الدستور المصري على أن “الدولة تعمل على تمثيل الشباب والمسيحيين والأشخاص ذوي الإعاقة والمصريين المقيمين في الخارج تمثيلاً ملائماً في مجلس النواب، وذلك على النحو الذي يحدده القانون.”

وهذا النص الدستوري جاء كإطار عام يكرس مبدأ الشمول والتمثيل المتوازن دون أن يقيد المشرّع بنسبة معينة لأي فئة أو نوع.

وقد تولى قانون مجلس النواب رقم 46 لسنة 2014 المعدل بالقانون رقم 140 لسنة 2020 تنظيم هذه المسألة تفصيلاً، محدداً الأعداد والصفات التي يجب أن تتضمنها القوائم الانتخابية، بما في ذلك عدد المترشحين من المسيحيين والنساء والعمال والفلاحين والشباب والأشخاص ذوي الإعاقة والمصريين المقيمين بالخارج.

وبمقتضى هذا التنظيم، أتاح القانون مرونة في اختيار المرشحين دون تمييز بين الرجال والنساء من المسيحيين، تاركًا الأمر لتقدير القوائم والكيانات السياسية، في ضوء معايير المصلحة العامة وتحقيق التوازن المجتمعي.

وبناءً عليه، فلا يوجد في النصوص الدستورية أو القانونية ما يمنع أن تكون النسبة الأكبر من المترشحين المسيحيين من النساء أو الرجال، إذ يمكن أن تختار القوائم الانتخابية جميع الممثلين المسيحيين من الرجال، أو جميعهم من النساء، أو المزج بينهما بنسب متفاوتة، حسب الرؤية السياسية لكل قائمة.

ومع ذلك، ومن زاوية العدالة التمثيلية والمساواة الجوهرية، أرى – بكل احترام وتقدير للجميع – أن الأجدر والأقرب لروح الدستور ومبدأ تكافؤ الفرص أن تتجه القوائم الانتخابية إلى تحقيق نوع من التوازن بين الجنسين في التمثيل المسيحي داخل المجالس النيابية، بحيث تكون النسبة تقريبًا متساوية (50% رجال و50% نساء)، ليظل المجلس مرآة حقيقية لتنوع المجتمع المصري بكل أطيافه ومكوناته.

فالمواطنة لا تُقاس بنوع أو جنس، ولا تُحدّد بكمٍّ من المقاعد أو النسب، بل تُقاس بمدى إتاحة الفرصة العادلة لكل مصري – رجلًا كان أو امرأة – في أن يُسهم في صناعة القرار الوطني ويشارك في بناء مؤسسات الدولة الديمقراطية على قدم المساواة.

إن تمثيل المسيحيين في البرلمان حق دستوري أصيل، وليس منّة ولا تفضلاً، بل هو في جوهره تعبير عن إرادة وطنية خالصة تُعلي قيم المواطنة والمساواة، وتترجم مبادئ الدستور إلى واقع حي ملموس ، وفيه إثراء للحياة النيابية بما يحمله المسيحيين من قيم وطنية ومجتمعية راسخة.

ومن هنا، فإن الدعوة إلى تحقيق التوازن بين الرجل والمرأة المسيحيين في القوائم الانتخابية ليست مطلبًا فئويًا، بل هي نداء إلى الإنصاف وتكريس لمبدأ العدالة التمثيلية الذي يليق بمصر ودستورها.

ومن هنا تأتي أهمية أن يُعاد النظر – سياسيًا وتنظيميًا – في كيفية توزيع النسب داخل القوائم بما يحقق المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة المسيحية، في صورة تعكس الوعي الوطني والإنصاف الدستوري. ويعزز صورة مصر الحديثة التي تؤمن بتنوعها وتستمد قوتها من تعدد مكوناتها.

إننا نطمح إلى برلمان تتجسد فيه صورة مصر الحقيقية: ويكون أكثر تنوعًا وشمولاً، وأن يظل الدستور هو البوصلة التي تهدي مسيرة الوطن نحو العدالة والمواطنة الحقيقية، دون تفرقة أو تمييز، فـ مصر القوية لا تنهض إلا بجميع أبنائها، رجالاً ونساءً، مسلمين ومسيحيين، في ميدان واحد هو ميدان الوطن. نحو مستقبل أكثر وعيًا وعدلاً وازدهارًا.

هاني صبري لبيب - أقباط متحدون
19 اكتوبر 2025 |