القائمة الأقباط اليوم أبحث
أهم الأخبار

«وعظمت الحرب... حتى انتصر» .. بقلم الأنبا إرميا

بقلم الأنبا إرميا

تحدَّثت فى مقالة سابقة عن الخطر المغولى الذى اقترب من بلاد الشام؛ حيث تمكَّنوا من السيطرة على عدد من مدنها مما أثار الرعب فى أنحاء البلاد، فأسرع الملك الناصر بطلب النجدة من المماليك فى مصر، وأرسل السلطان قطز نجدات عسكرية على الرغم من سوء العلاقات بينه وبين الملك الناصر.

«وعظمت الحرب... حتى انتصر» .. بقلم الأنبا إرميا

وأثناء القتال، لجأ الملك إلى غزة مع ما تبقَّى له من جيش، بينما سلَّم الوزير زين الدين الحافظي مدينة دمشق إلى المغول عام 658هـ (1260م)، ومن بعدها أنطاكية. لم يبقَ خارج نطاق حكم المغول فى الشرق الأدنى سوى

الديار المصرية والحجاز واليمن، وكان هولاكو قد أرسل رسالة إلى المُظَفَّر قطز يطلب منه الاستسلام للمغول، وإلا لن يجدوا سوى القتل والفناء أمام قوتهم وكثرة عددهم؛ فقام قطز بجمع الأمراء لدراسة ما

تتعرَّض له البلاد فى دار السلطنة بقلعة الجبل، وحضر القضاة والفقهاء والأعيان واتفقوا جميعًا على مواجهة الزحف المغولى إلى مصر؛ فعُزِلَ الملك المنصور وحكم الأمير قطز البلاد ولقب بالملك المُظَفَّر سيف الدين قطز.

وقد أرسل المُظَفَّر سيف الدين قطز ردًّا قال جاء فى بعض منه: إنكم مخلوقون من سخطه، مُسَلَّطون على من حلَّ عليه غضبه، ولا تَرِقُّون لشاكٍ، ولا تَرحَمون عَبَرة باكٍ، وقد نزع الله الرحمة من قلوبكم، وذلك من

أكبر عيوبكم، فهذه صفات الشياطين، لا صفات السلاطين، كفى بهذه الشهادة لكم واعظًا، وبما وصفتم به أنفسكم ناهيًا وآمرًا، قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون، ففى كل كتاب لُعِنتُم، وبكل قبيح وُصِفتُم، وعلى

لسان كل رسول ذُكِرتُم... إنَّما النار لكم خُلِقَت، ولجلودكم أُضرِمَت، إذا السماء انفَطَرت. ومن أعجب العجب تهديد الليوث بالرتوت، والسباع بالضباع، والكمأة بالكراع، خيولنا برقية، وسهامنا يمانية، وسيوفنا

مضرية، وأكتافها شديدة المضارب، ووصفها فى المشارق والمغارب، فرساننا ليوث إذا ركبت، وأفراسنا لواحق إذا طلبت، سيوفنا قواطع إذا ضربت، وليوثنا سواحق إذا نزلت، جلودنا دروعنا وجواشننا صدورنا، لا يصدع قلوبنا

شديد، وجمعنا لا يراع بتهديد، بقوة العزيز الحميد، اللطيف لا يهولنا تخويف، ولا يزعجنا ترجيف، إن عصيناكم فتلك طاعة، وإن قتلناكم فنعم البضاعة، وإن قُتِلنا فبيننا وبين الجنة ساعة، قلتم قلوبنا كالجبال، وعددنا

كالرمال؛ فالقضاء لا يهوله كثرة الغنم، وكثرة الحطب يكفيه قليل الضرم، أفيكون من الموت فرارنا وعلى الذل قرارنا؟ ألا ساء ما يحكمون، الفرار من الدنايا لا من المنايا، فهجوم المنية عندنا غاية الأمنية، إن عشنا

فسعيدًا، وإن متنا فشهيدًا، ألا إن حزب الله هم الغالبون، أبعد أمير المؤمنين وخليفة رسول رب العالمين تطلبون منا الطاعة؟ لا سمعًا لكم ولا طاعة، تطلبون أنا نُسَلِّم إليكم أمرنا، قبل أن ينكشف الغطاء ويدخل علينا منكم الخطاء.

ثم أرسل الملك قطز رسالة إلى الملك الناصر صلاح الدين يوسف فى دمشق يعده بإرسال العساكر إليه ونجدته؛ إلا أن الغزو المغولى اجتاح بلاد الشام، فتوجه الملك الناصر إلى مصر ثم

توجَّه نحو الشام فوقع بيد المغول وذكر أنهم احتفظوا به وبقى معهم فى ذُلٍّ وهوان إلى أن قُتِل. أمَّا مصر فكانت تستعد للقاء المغول تحت حكم الملك المُظَفَّر قطز الذى عمل على

تدعيم الجبهة الداخلية استعدادًا للمعركة إلى جانب الاستعدادات العسكرية، خرج للقاء المغول بالجيوش من الصالحية حتى وصل إلى غزة، ثم نزل إلى الغور فى عين جالوت وتقاتلت

الجيوش، ويذكر ابن التغرى: وتقاتلا قتالاً شديدًا لم يُرَ مثله حتى قُتِل من الطائفتين جماعة كثيرة... وعَظمَت الحرب وثَبتَ كل من الفريقين مع كثرة التتار؛ حتى انتصر الملك المظفر وانكسر المغول.

وأرسل الملك المُظَفَّر قطز رسالة إلى أهل دمشق يخبرهم بالنصر على العدو، فعمَّت الأفراح البلاد. ثم قدم الملك المُظَفَّر قطز إلى دمشق وأحسن إلى أهلها؛ ويُعد الملك المُظَفَّر قطز هو أول من ملك البلاد الشامية واستناب بها من ملوك المماليك. ومن دمشق عاد الملك المُظَفَّر قطز إلى مصر.

.. وما زال الحديث فى مصر الحلوة.. لا ينتهى!

* الأسقف العام

رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى

الأنبا إرميا - المصرى اليوم
27 اغسطس 2025 |