يعيش السودان اليوم، واحدة من أعقد الأزمات الإنسانية في تاريخه الحديث، إذ تتداخل تداعيات الحرب المشتعلة مع موجات النزوح الجماعي، والمجاعة التي تطرق أبواب ملايين الأسر، وانتشار الأوبئة وفي مقدمتها الكوليرا.

ومع انحسار المعارك في بعض المناطق، برزت كارثة صامتة لا تقل خطورة عن الرصاص والقذائف: مخلفات الحرب والأجسام المتفجرة التي تفتك بالأطفال وتحوّل حياتهم إلى جحيم دائم.
وفي ظل ضعف الإمكانات، وغياب الاستجابة الدولية الكافية، يقف مئات الآلاف من المدنيين، وخاصة الأطفال، على حافة الموت أو الإعاقة الدائمة.
ضحايا الأجسام المتفجرة في مناطق النزاع
بحسب المجلس القومي لرعاية الطفولة السوداني، أصيب أكثر من 15 ألف طفل بسبب الأجسام المتفجرة في مناطق النزاع. وتشهد ولايات عدة انفجارات يومية تقتل وتبتر أطراف الأطفال، حتى في المدن التي حررها الجيش
السوداني من قبضة قوات "الدعم السريع". وتتنوع هذه المخلفات بين قذائف غير منفجرة وألغام أرضية وذخائر متروكة، بعضها مخفي تحت الركام أو مدفون في الأرض، ما يجعل اكتشافه صعبًا ويضاعف من حجم الخطر.
حوادث دامية متكررة
في ولاية شمال كردفان، أسفر انفجار مقذوف مدفعي كبير داخل إحدى المدارس بقرية الغبشة شرق مدينة أم روابة عن سقوط ثلاثة قتلى وتسعة جرحى، بينما تسببت قذيفة أخرى في مدينة الأبيض بوفاة طفل وإصابة ثلاثة آخرين. وفي شمال أم درمان، أدت محاولة أحد الأطفال العبث بذخائر غير منفجرة ألقيت في منطقة مفتوحة غرب الحارة (80) إلى بتر أصابعه.
قصة مؤلمة لطفل من أم درمان
في مشهد يجسد مأساة آلاف الأطفال، يرقد مؤزر منذر (15 عامًا) بلا حراك على سرير أسرته، بعد أن فقد جزءًا من كفه وأصابع يده اليمنى، وتعرضت قدماه لكسور وجروح بالغة إثر انفجار جسم متفجر في ساحة منزله بمدينة توتي.
وكشف المركز القومي لمكافحة الألغام عن وجود ثلاثة حقول ألغام مضادة للأفراد محرمة دوليًا في منطقة المقرن وغابة السنط جنوب غربي الخرطوم، زرعتها المجموعات المسلحة خلال المعارك.
وحذر مدير المركز اللواء خالد حمدان من خطورة هذه الألغام البلاستيكية التي تحتوي على كمية ضئيلة من المعادن، ما يصعّب اكتشافها ويجعل التعامل معها بحاجة إلى فرق متخصصة وأجهزة عالية التقنية.
وأكد أن استخدام هذه الألغام انتهاك صارخ لاتفاق أوتاوا الذي يحظر تصنيع وزرع الألغام المضادة للأفراد، والذي يُعد السودان من أوائل الدول الموقعة عليه.
الأوضاع في السودان لم تعد تحتمل التأجيل، فالموت لم يعد يأتي فقط من فوهات البنادق، بل يتربص بالأطفال في الطرقات والبيوت والمزارع. ومع تفاقم المجاعة وانتشار الكوليرا واستمرار التهديدات الأمنية، يصبح التدخل العاجل محليًا ودوليًا ضرورة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، قبل أن تتحول مأساة السودان إلى كارثة إنسانية بلا رجعة.