القائمة الأقباط اليوم أبحث
أهم الأخبار

«أنموذجًا للرجاء!».. بقلم الأنبا إرميا

بقلم الأنبا إرميا

السيدة العذراء، ستنا مريم، القديسة مريم العذراء أسماء عُرِفَت وحُفِرَت فى فكر المصريين جميعًا؛ فـالسيدة العذراء تمتلك محبة فائقة فى القلوب المصرية، ولها من

«أنموذجًا للرجاء!».. بقلم الأنبا إرميا

المكانة العظيمة التى لم تكن لامرأة فى التاريخ، فيذكر عنها الحكيم فى الكتاب: بَنَاتٌ كَثِيرَاتٌ عَمِلْنَ فَضْلاً، أَمَّا أَنْتِ فَفُقْتِ عَلَيْهِنَّ

جَمِيعًا(أم31: 29)، وفى القرآن: ﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَآءِ الْعَالَمِينَ﴾ (سورة آل عِمران الآية 42).

كما أنها المرأة الوحيدة فى التاريخ الإنسانى التى شهدت لها السماء؛ فاستحقَّت التبجيل والتكريم، ونالت البركة حين أعلن لها الملاك فى الكتاب: مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِى النِّسَاءِ(لو1: 28، 1: 42)، قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ اللهِ(لو1: 30)؛ وفى القرآن: ﴿فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَآ آيَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾(سورة الأنبياء الآية 91).

تمتلئ حياة السيدة العذراء بالفضائل ومنها فضيلة (الرجاء). وكلمة الرجاء لغويًّا مشتقة من الفعل رجا ومعناه أمل وتوقع، فالرجاء هو الشعور بالاطمئنان بحدوث أمر مرغوب فيه، وارتجى (فعل): ارتجى شيئًا: رجاه؛ أمله وأراده.

وحين نذكر ارتجى الله: توكّل عليه. وهكذا يصبح الرجاء هو الأمل والتوقعات الجميلة التى للإنسان عندما يتوقع الخير وينتظره. والرجاء أمر مهم لحياة الإنسان؛ فهو المحرِّك والدافع للبشر كى يعملوا بجد واجتهاد وصبر

ويستمرون فى الحياة. وعكس الرجاء هو اليأس، وهو أخطر ما يمكن أن يتعرَّض له الإنسان؛ إذ يقوده اليأس والكآبة ويفقد معنوياته، ويتسلل إلى حياته القلق والاضطراب فيقوده ذلك إلى الفشل، وتدمير الإنسان لما حوله بل وذاته أيضًا.

ويأتى الرجاء من الله، إذ هو إله الرجاء الذى يهب الرجاء للإنسان، فيقول الكتاب: وَلْيَمْلأْكُمْ إِلَهُ الرَّجَاءِ كُلَّ سُرُورٍ وَسَلامٍ فِى الإِيمَانِ، لِتَزْدَادُوا فِى

الرَّجَاءِ بِقُوَّةِ الرُّوحِ الْقُدُسِ(رو15: 13)؛ ويذكر القرآن عن الرجاء: ﴿أُولَٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾(سورة البقرة الآية 208). ويأتى الرجاء من

الإيمان بالله وبرحمته ومحبته وحكمته فى تدبير كل أمور الكون، واثقين أن: كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ(رو8: 28)، وأن الله لا يُخيِّب رجاء من وضع رجاءه فيه.

وعبر حياة السيدة العذراء نرى الرجاء يملأ حياتها من خلال محبتها وطاعتها الكاملتين لله. فعندما كانت طفلة صغيرة فى سن الثالثة، قدَّمتها أمها إلى الهيكل لتقضِى فيه حياتها؛ إذ كانت نذرًا لله. وصار

الهيكل هو منزلها، أمَّا رجاؤها فقد وضعته كله فى الله، الذى صار مُتَّكَلها، واضعة فى قلبها كلمات داود النبى: أَنَّكَ أَنْتَ رَجَائِى يَا سَيِّدِى الرَّبَّ، مُتَّكَلِى مُنْذُ صِبَاى(مز71: 5). وحين

انتقلت من الهيكل إلى بيت يوسف النجار الرجل البار ليهتم بشُؤونها، كان رجاؤها وثقتها فى رعاية الله حتى بشَّرها ملاك الرب بولادة السيد المسيح. وفى بشارة ملاك الرب بولادة السيد المسيح منها،

قائلاً: مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِى النِّسَاءِ... لاَ تَخَافِى يَا مَرْيَمُ، لأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ اللهِ. وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْنًا وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ.

هذَا يَكُونُ عَظِيمًا، وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى(لو1: 28 - 32)؛ أجابت السيدة العذراء فى اتضاع: هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِى كَقَوْلِكَ(لو1: 38)، وفى ثقة أن الله الذى تترجاه يدبر كل الأمور للخير.

ظلت حياة السيدة العذراء تمتلئ بالرجاء حتى فى أصعب وأقسى المواقف التى يمكن أن تمر ببشر، فحياة السيدة العذراء امتلأت بكثير من الآلام والصعوبات والمشقات التى احتملتها بكل تواضع وشكر، ملقية كل همها على الله الذى تترجاه. فبعد أن ولدت السيد المسيح هربت من فلسطين إلى مصر حاملة معها طفلها، لتتنقل به هربًا من الجند الساعين وراءه لقتله واثقة فى حماية الله ملجأها.

وحين جاز فى نفسها سيف الألم عندما رأت السيد المسيح يتعرض لاضطهادات رؤساء اليهود وكهنتهم ويتآمرون معًا على قتله دون ذنب جناه، لم تيأس ويضعف رجاؤها بل كان ثابتًا فى الله.

وهكذا صارت السيدة العذراء نموذجًا للرجاء فى حياة البشر، والذى يحياه كل من أحب الله وآمن به. وللحديث بقية.

والحديث فى مصر الحلوة لا ينتهى!

* الأسقف العام

رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى

الأنبا إرميا - المصرى اليوم
13 اغسطس 2025 |