القائمة الأقباط اليوم أبحث
أهم الأخبار

التمثيل القبطي في غرفتي البرلمان .. مشاركة فعلية أم تعيين رمزي؟

صوت بلا صدى.. التمثيل القبطي في البرلمان بلا تأثير يذكر

رغم النصوص الدستورية التي تنص على المساواة، يبقى التمثيل القبطي في البرلمان المصري قضية جدلية تتجدد مع كل موسم انتخابي.

التمثيل القبطي في غرفتي البرلمان .. مشاركة فعلية أم تعيين رمزي؟

فبين التعيينات الرئاسية والتمثيل الرمزي، تتأرجح مشاركة الأقباط في مجلسي النواب والشيوخ، وسط تساؤلات متكررة حول ما إذا كانت تعكس مواطنة متكافئة أم مجرّد ديكور سياسي لتجميل المشهد العام. وبرغم محطات مضيئة في

التاريخ النيابي، مثل مكرم عبيد، لا تزال الأرقام تكشف واقعًا متفاوتًا، يغلب عليه ضعف فرص الترشح الفردي وتراجع المشاركة الشعبية. فهل تعني هذه الأرقام تمثيلًا حقيقيًا؟ أم أنها محاصصة ناعمة تضمن الشكل وتُقصي الجوهر؟

خريطة التمثيل القبطي في البرلمان المصري عبر التاريخ:

شهد التمثيل القبطي في البرلمان المصري تباينًا ملحوظًا عبر العقود، إذ حظي الأقباط بـ23 نائبًا في أول برلمان مصري قبل ثورة 1919، وهي نسبة تفوق نظيرتها اليوم مقارنة بعدد السكان. وتراجع هذا الحضور في

عهد عبد الناصر إلى 4 نواب فقط عام 1964، بفعل غياب التعددية الحزبية وسياسات الدولة المركزية، فيما تراوحت أعدادهم بين 6 إلى 8 نواب في عهد السادات، غالبيتهم بالتعيين. أما في عهد مبارك، فقد ظل التمثيل

محدودًا (5–7 نواب)، مع استثناءات مثل منير فخري عبد النور الذي فاز بمقعده انتخابيًا. وبرلمان 2012 بعد الثورة شكل انتكاسة، إذ لم يتجاوز عدد النواب الأقباط 12 من أصل أكثر من 500 نائب، أي نحو 2%. وجاء دستور

2014 ليعزز التمثيل بنص المادة 244 التي ضمنت تمثيلًا مناسبًا للمسيحيين. وفي ضوء ذلك، ارتفع العدد في برلمان 2015 إلى 39 نائبًا (24 منتخبًا و15 معينًا)، ثم إلى 42 نائبًا في برلمان 2020، وفقًا لبيانات الجهاز

المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أي بنسبة بلغت نحو 7.4% من إجمالي النواب، مع تحسن في تمثيل المرأة القبطية. في المقابل، لم يتجاوز تمثيل الأقباط في مجلس الشيوخ 14 نائبًا من أصل 300 (حوالي 4.7%)، مع غياب

واضح عن المقاعد الفردية. ورغم هذا التحسن النسبي بعد 2011، يظل التمثيل القبطي أقل من نسبتهم السكانية المُقدرة بين 10 و15%. ويشير محللون إلى أن هذا الحضور – رغم ارتفاعه – لا يعني بالضرورة تمكينًا

سياسيًا حقيقيًا، طالما أن أغلبه يأتي عبر التعيين أو القوائم المغلقة، ما يفتح الباب أمام تساؤلات حول تأثير هؤلاء النواب داخل البرلمان وقدرتهم على التعبير عن قضايا الشارع القبطي ضمن الإطار الوطني الأوسع.

آراء نواب البرلمان .. التمثيل القبطي مجرد تمثيل ديكوري لا يعكس الواقع أو القضايا القبطية:

الدكتور إيهاب الخراط: الكوتة رفعت نسبة التمثيل القبطي.. لكن التحدي الحقيقي هو انخراط الأقباط في الحياة السياسية

قال الدكتور إيهاب الخراط، النائب البرلماني السابق والنائب الأول لرئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، في تصريحات خاصة لجريدة وطني، إن “نظام الكوتة ساهم في رفع نسبة تمثيل الأقباط في البرلمان بشكل جيد

ومعقول خلال المرحلة الراهنة، لكن التحدي الحقيقي الآن يكمن في انخراط الأقباط أنفسهم في العمل السياسي، بشكل يتجاوز مجرد الوجود الطائفي، ليكون تمثيلاً مدنيًا فاعلًا يعبر عن قضاياهم وقضايا الوطن بشكل عام”.

وأضاف: “من حق الأقباط أن يدافعوا عن حقوقهم، ومن الطبيعي أن يكونوا الأقدر على التعبير عنها، لكن لا يجب أن يقتصر دور النائب القبطي على كونه صوتًا طائفيًا فقط، بل يجب أن يمتلك رؤية سياسية أشمل”.

وعن قدرة النواب الأقباط على التعبير بحرية داخل البرلمان، أوضح الخراط: “بعض النواب والعديد من النائبات قاموا بهذا الدور بشكل جيد جدًا. لدينا أمثلة مشرفة مثل النائب إيهاب منصور، والنائب فريدي البياضي، إلى جانب النائبات ليزا نعيم، رشا إسحاق، دينا عبد الكريم، ومارثا محروس، وغيرهن ممن أثبتن حضورًا قويًا تحت القبة”.

وتابع الخراط: “ما زالت هناك عقبات حقيقية أمام ترشح الأقباط، خصوصًا في الدوائر ذات الأغلبية المسلمة، نتيجة الولاء الطائفي الذي يدفع كثيرين إلى استبعاد التصويت لمرشح غير مسلم. وهو أمر مؤسف يرتبط جزئيًا بخطابات دينية إسلامية مغلقة، وكذلك بخطابات انعزالية تصدر أحيانًا عن بعض المؤسسات الكنسية”.

وشدد الخراط على رفضه لفكرة إنشاء أحزاب مسيحية، قائلًا: “أنا ضد تكوين أحزاب دينية عمومًا، سواء كانت مسيحية أو إسلامية. ما نحتاجه هو أحزاب مدنية ديموقراطية تشمل كل أطياف المجتمع. يجب تشجيع الأقباط على الانضمام للأحزاب والحياة السياسية، لكننا نواجه عزوفًا عامًا من المواطنين عن الانخراط السياسي، سواء في الأحزاب أو حتى التصويت، نتيجة لتراجع الحريات السياسية والتضييق على العمل العام”.

وحول دور الكنيسة في تفعيل المشاركة السياسية، أوضح الخراط: “الكنيسة يمكنها أن تشجع على تبني المبادئ الروحية والإنسانية مثل العدالة وكرامة الإنسان والمساواة، وهذه المبادئ تصلح كأساس لأخلاقيات سياسية دون أن تُترجم إلى برامج طائفية. يمكن للمواطن المسيحي أن ينطلق منها في أي اتجاه سياسي مدني، سواء يساري أو يميني، كما هو الحال في أوروبا وأمريكا اللاتينية”.

واختتم الخراط تصريحاته قائلاً: “الأقباط ممثلون حاليًا في صفوف المعارضة والموالاة، لكن التأثير الحقيقي للبرلمان محدود، لأن تشكيل الحكومة لا يتم وفقًا للأغلبية البرلمانية كما يفترض الدستور. هناك تجاهل واضح لدور

البرلمان، والتصويت يتم غالبًا وفقًا لتوجيهات سياسية وليس بناءً على إرادة الناخبين. ومن ثم فإن قدرة الأقباط، وغيرهم من النواب، على التأثير في التشريعات تظل محدودة، في ظل هيمنة السلطات العليا على العملية السياسية في البلاد”

النائب يسري الاسيوطي: “التمثيل القبطي ..تحسن نسبي ولكنه غير كافِ”:

تحدث النائب بمجلس النواب “يسري الأسيوطي” حول تمثيل الأقباط في البرلمان اليوم قائلًا أنه لا يكفي، رغم تطوره الطفيف مقارنة بالماضي. ذاكرًا أنه في برلمان 2020، شكل الأقباط حوالي 6.2 % من عدد أعضاء البرلمان، أي نحو 37 مقعدًا من أصل 596 برلمانيًا.

وهذه النسبة تعتبر أدنى من نسبة الأقباط في التعداد السكاني، وهو ما يعني أن التمثيل أقل من المطلوب لتحقيق حضور سياسي متوازن.

أما عن التعيينات الرئاسية فقد رأى أنها بالفعل تمثل ضمانة لوجود نائب قبطي في كل دورة، وغالبًا ما يكون الحضور القبطي من خلال مناصب غير انتخابية مثل الوزراء أو المحافظين. ولكن هذا لا يعوّض عن التمثيل الشعبي المنتخب، لكونه يأتي بالأحرى كرفد رمزي وليس بديلًا عن دعم القاعدة الانتخابية القبطية والتنافس النزيه من خلال صناديق الاقتراع.

بينما رأى أن هناك العديد من العقبات أمام ترشح الأقباط في دوائر ذات أغلبية مسلمة متعددة،

ضعف الدعم الحزبي الفعلي وغياب القوائم الحزبية الداعمة للمرشحين المسيحيين.

وكذلك الخوف من المناخ الديني والاجتماعي خصوصًا في مناطق مثل الصعيد، إلى جانب حملات تخويف تقوم بها بعض الشرائح المحافظة .

وغياب البنية الفعلية للحملات الانتخابية (شبكات إعلام محلي، تمويل شعبي، ومرآة إعلامية حقيقية لقضايا الأقليات) .

فيما أشار “الأسيوطي” إلى أن التعبير عن القضايا القبطية محكوم بأمور مشروطة. فأساسًا هناك ضوابط غير مكتوبة تتمثل في تحفظ الإعلام الحكومي، وحتى الكنيسة، على القضايا التي تتناول العنف الطائفي أو التمييز⁠—فنادرًا ما تتناول وسائل الإعلام الرسمية أو الكنيسة تلك المواضيع بشكل علني، ما يجعل من مساحة التعبير مقيدة ضمن «الخط الرسمي المقبول» فقط .

ورأي أن دور الكنيسة في دعم المرشحين الأقباط لا يزال مؤثرًا، وإن لم يكن رسميًا عبر قوائم انتخابية، بل يتم من خلال التشجيع المجتمعي والتواصل مع المرشحين الأفراد. مشيرًا إلى أن الكنيسة تلعب دورًا ضمن تفاهمات ضمنية مع النظام، وفي بعض الأحيان تفضل دعم مرشح من خارج حراك حزبي مستقل، وذلك من أجل ضمان استمرارية الحضور القبطي برمزية معينة.

أما عن كيفية تعزيز المشاركة السياسية للأقباط دون الاعتماد على التعيينات، فإن “الأسيوطي” يقترح عدة آليات منها:

ضرورة تقوية حقيقيّة للأحزاب الداعمة للأقباط، وبناء قوائم انتخابية تشمل مرشحات ومرشحين قبطيين في دوائر تنافسية.

تحفيز الكوتة الحزبية والتعددية الحزبية المجتمعية: أي وجود أحزاب تعبرعن مصالح الأقليات بوضوح، بدلًا من الاعتماد على الأفراد المستقلين فقط.

ودعم تمكين الشباب القبطي والمحلي في التنظيمات المدنية والحزبية، حتى يصبح لديهم بنية انتخابية قوية ودعم مالي وتنظيمي.

من جانبه يرى الأسيوطي أن العزوف القبطي عن الترشح ليس هو السبب الجوهري، بل يحمّل المسؤولية الرئيسية إلى البنية الحزبية وعدم توفر بيئة سياسية حقيقية تدعم المرشحين المسيحيين. فلو كانت هناك أحزاب تقدم مرشحين أقباط بترتيب وموارد وتنظيم ودعم حقيقي، فإن المشاركة ستكون أفضل.

لافتًا إلى أنه يلاحظ أن معظم الأحزاب الفاعلة لا تولي اهتمامًا كافيًا بدعم مرشحين من الأقلية القبطية في الدوائر الحساسة، وتقتصر محاولاتهم غالبًا على التعيينات أو التمثيل في قوائم غير تنافسية. ونادرًا ما تجد حزبًا يقدم مرشحًا قبطيًا قادرًا على الفوز في دائرة مختلطة، ما يعكس ضعف التخطيط الحزبي وعدم اهتمامهم الحقيقي بقضايا التعددية.

أما بخصوص الكوتة الدينية (أو ما يعرف بتخصيص مقاعد للأقباط مثلًا)، فيرى أنّه من الممكن تطبيقها دستوريًا، ولكنها لم تُعتمد بسبب الاعتبارات السياسية والاستراتيجية للنظام، ورغبة في إبقاء الشكل الغالب للتمثيل هو من خلال التعيين وليس التعديل الدستوري الكمي. وأن هناك رفض ضمني من السلطات لتثبيت الكوتة بصيغة قانونية بيّنة رغم المطالبات.

النائب صفوت النجار: المطلوب ..تمكين لا تعيين:

“ومن ناحية أخرى وفي سياق تحقيقنا قال النائب “ًصفوت النجار” حول تمثيل الأقباط في غرفتي البرلمان: إذا كنا صادقين مع أنفسنا، فتمثيل الأقباط في البرلمان لا يزال تمثيلًا ديكوريًا أكثر منه تعبيرًا حقيقيًا عن مشاركة سياسية نابعة من الشارع. بل وإننا ما زلنا نحصل على مقاعد عبر التعيينات، وكأن الوجود القبطي في البرلمان يُمنح كمنحة رئاسية لا كحق دستوري يستند إلى توازن مجتمعي وسياسي”.

ويؤكد النائب صفوت النجار أن التعيينات الرئاسية، رغم أهميتها الرمزية، لا تُعد ضمانة حقيقية لتمكين الأقباط سياسيًا، بل هي أشبه بـ”رخصة مؤقتة للبقاء في الصورة”، تُمنح بشروط ولا تُستخدم غالبًا إلا لتجميل المشهد أمام المجتمع الدولي، دون أن تُترجم إلى تمثيل فعّال أو أصوات مؤثرة داخل القبة.

وعن واقع الترشح في الدوائر ذات الأغلبية المسلمة، يصف النجار الأمر بأنه “أشبه بالمستحيل غير المُعلن”، قائلاً:

“الأقباط في الصعيد مثلاً يعرفون مسبقًا أن فرصتهم في الفوز تقترب من الصفر، ليس لأنهم غير مؤهلين، بل لأن المجتمع لا يمنحهم الثقة، ولأن الأحزاب تخشى المجازفة بترشيحهم.”

أما عن قدرة النائب القبطي على التعبير بحرية عن قضايا الأقباط، فجاء رده حادًا حيث قال إن

“النائب القبطي داخل البرلمان يتكلم بلسان الدولة، لا بلسان قضيته. هناك حدود غير مرئية لما يمكن أن يُقال، والحديث عن التمييز أو الكشوف الأمنية أو مشاكل بناء الكنائس يتحول فورًا إلى تهديد للاستقرار الوطني!”

خبراء دستوريون: التمثيل القبطي تحكمه المواءمات السياسية لا الاستحقاق الديمقراطي:

وفي سياق التحقيق حول واقع التمثيل القبطي في البرلمان، يرى عدد من الخبراء الدستوريين والقانونيين أن حضور الأقباط في غرفتي البرلمان لا يزال في مجمله حضورًا شكليًا، ويعتمد بشكل كبير على التعيينات الرئاسية أكثر من كونه نتاجًا حقيقيًا لإرادة شعبية أو مناخ سياسي عادل.

حيث يقول المستشار نجيب جبرائيل، رئيس منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان: “لا يمكن إنكار أن تعيينات رئيس الجمهورية تمثل طوق نجاة لضمان وجود قبطي واحد على الأقل في كل دورة برلمانية، خاصة في ظل عزوف الأحزاب عن دعم مرشحين أقباط في دوائر الأغلبية المسلمة. لكنها في الوقت نفسه لا تُعالج جذور الأزمة، بل تكرّس لحالة التجميل السياسي دون تمكين حقيقي.”

، فيؤكد أن الأقباط يواجهون تحديات مركبة في خوض الانتخابات: “وأن هناك حالة من الخوف المتبادل؛ حيث يخشى المرشح القبطي خوض المعركة في دوائر مشحونة دينيًا، وتخشى الأحزاب ترشيحه في تلك المناطق حتى لا تخسر رصيدًا انتخابيًا. وهنا تظهر التعيينات كأداة لسد الفراغ، لكنها ليست حلًا دائمًا.”

بينما يكمل “جبرائيل” حديثه قائلًا: إن العضو القبطي في كثير من الأحيان يكون مقيدًا باعتبارات حزبية أو أمنية، وقلّما نسمع صوتًا قويًا يتحدث بوضوح عن مشكلات مثل بناء الكنائس أو التمييز في الوظائف. هذا الصمت ليس خيارًا شخصيًا فقط، بل أحيانًا سياسة غير معلنة تفرضها طبيعة المناخ العام.”

للكنيسة دور أيضًا في اختيار من يتحدث بصوتها:

د. القس صموئيل زكي: التمثيل القبطي في عهد السيسي كافٍ جدًا.. ونحتاج إلى “أقلية خلاقة” تدمج وتؤثر

يرى الدكتور القس صموئيل زكي سليمان، رئيس مجلس الإعلام والنشر بالكنيسة الإنجيلية بمصر وراعي الكنيسة الإنجيلية المشيخية بعزبة النخل، أن تمثيل الأقباط في مجلسي النواب والشيوخ حاليًا يُعد كافيًا بل و«كافيًا

جدًا» في ظل عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، مؤكدًا أن “التمثيل الآن يعتمد على اختيار الكفاءات بما يحقق التوازن بين فئات المجتمع المختلفة، فالأقباط جزء لا يتجزأ من الكيان المصري، وليسوا فئة خاصة أو معزولة”.

وأوضح أن التعيينات الرئاسية تُعد عنصرًا مهمًا لتحقيق هذا التوازن، خاصة في الدوائر التي تفتقر إلى قاعدة شعبية يمكن أن تفرز ممثلين عنها، وتحتاج إلى من ينوب عنها لحل قضاياها وتحقيق تنميتها.

وفيما يتعلق بعزوف بعض الأقباط عن المشاركة في العملية الانتخابية، شدد القس زكي على أن الكنيسة لا تمارس دورًا سياسيًا مباشرًا، ولا تنحاز لأحزاب أو مرشحين بعينهم، بل تكتفي بدعوة أبنائها للمشاركة الإيجابية في الاستحقاقات الانتخابية واختيار الأصلح من بين المرشحين بغض النظر عن ديانتهم، بشرط أن يتسموا بالكفاءة والانتماء الصادق للوطن.

وبشأن ما إذا كان النواب الأقباط يناقشون القضايا الخاصة بالمسيحيين تحت قبة البرلمان، أكد القس زكي أنهم فعلوا ذلك بالفعل، موضحًا أن هذه القضايا، مثل بناء الكنائس أو التمييز، طُرحت ليس بمعزل عن المجتمع بل بالشراكة مع زملائهم المسلمين وفي إطار وطني جامع، “لأن قضايا الأقباط هي بالأساس قضايا وطنية، لا تخص فئة واحدة بل تخص نسيج الوطن كله”.

وعن دور الكنيسة في تنظيم ندوات، أكد أنها لا تمثل عملًا سياسيًا، بل تسعى من خلالها إلى تعزيز الوعي واختيار الأكفأ والأصلح، مشددًا على أهمية هذه الحوارات في خدمة قضايا الوطن، وبلورة حلول مشتركة. واستشهد بكلمات السيد المسيح: “أعطِ ما لقيصر لقيصر وما لله لله”، مشيرًا إلى أن الاهتمام بالوطن هو في جوهره اهتمام بالنفس.

واختتم القس زكي حديثه بتأكيد ضرورة أن تضطلع الأقلية المسيحية برسالتها الحيوية في المجتمع المصري، مشددًا: “إذا أرادت الأقلية أن تكون خلاقة، فعليها أن تكون حية متجددة كحبة

الخردل، مؤثرة كالخميرة، فعالة كالملح، وداعية كالنور”، داعيًا الكنيسة إلى الحذر من خطر السلبية والانطواء أو الشعور بالاضطهاد، وتعليم الناس الاندماج في المجتمع والمساهمة

الفعالة في تنميته. كما عبّر عن امتنانه للسلام الذي تنعم به مصر حاليًا، مقارنًا الوضع بما يجري في دول الجوار، قائلاً: “نشكر الله على ما نعيشه، ونقول من قلوبنا: تحيا مصر! مبارك شعبي مصر”.

:”الكنيسة لا تترشح ولا تنتخب، لكنها لا تترك أولادها وحدهم في الطريق”القس اسحق يعقوب:

وفي رده على طبيعة الدور الذي تقوم به الكنيسة القبطية تجاه المشاركة السياسية للأقباط، قال القس إسحق يعقوب “كاهن كنيسة رئيس الملائكة رافائيل والشهيد مار مينا العجايبي بمنطقة الألف مسكن وعضو المجلس الإكليريكي الإقليمي

الدائرة الأولى بالقاهرة والجيزة وإفريقيا” إن الكنيسة لا تُمارس السياسة بشكل مباشر ولا تُشجع على الأحزاب أو التحزّب، لكنها تتابع المشهد وتحرص على أن يكون لأبنائها حضور مشرّف ومتوازن في مؤسسات الدولة، وعلى رأسها البرلمان. وأضاف :

إن الكنيسة لا تترشح ولا تنتخب، لكنها لا تترك أولادها وحدهم في الطريق، خاصة في مناخ لا يزال ملتبسًا ومشحونًا بالمخاوف. لذلك يأتي دورها الإرشادي والتوجيهي كجزء من الرعاية الروحية والاجتماعية، وليس التدخل السياسي بالمعنى الضيق.”

بينما قال حول دعم مرشحين بعينهم: نحن لا نختار مرشحين، ولا نوجه أحدًا للتصويت لهذا أو ذاك. لكن في بعض الحالات، حين يأتينا شخص معروف بسيرته وخدمته وتاريخه، ويطلب صلاة الكنيسة وبركتها قبل الترشح، نمنحه التشجيع المعنوي كراعٍ وليس كمُوجّه سياسي.”

وأشار إلى أن هذا النوع من “الدعم الهادئ” يحدث حين تكون هناك حاجة لضمان تمثيل قبطي في دائرة معينة أو لحماية وجود رمزي في مشهد سياسي شديد الاستقطاب.

وأضاف “الدولة نفسها تطلب أحيانًا رأي الكنيسة في بعض الأسماء، خصوصًا في التعيينات أو التوازنات الحساسة، ونحن نُدلي برأينا بقدر ما يُطلب منا، وليس أكثر.”

فيما أكد “القس إسحق” على إن الكنيسة تؤمن بأن المواطنة الحقة لا تنفصل عن الإيمان، وإن من واجب كل قبطي أن يشارك في بناء الوطن، ومن ذلك الذهاب إلى صناديق الاقتراع. وأوضح أن الكنيسة تحث أبنائها على التصويت، لكن دون أن تحدد لهم من ينتخبون.

“قائلًا: نقول لهم شاركوا، اختاروا من ترونه صادقًا، يخدم بلده ويحترم كل مواطن. لا تختاروا على أساس ديني، ولا ترفضوا أحدًا على هذا الأساس. هذه هي روح الإنجيل وروح المواطنة معًا.”

بينما ردعلى الانتقادات التي توجه إلى الكنيسة لقيامها بدورها السياسي قائلًا: “إن اتهام الكنيسة بأنها تلعب دورًا سياسيًا مبالغًا فيه، ومردود عليه من أكثر من جهة.

“في مجتمع لا يزال يعاني من هشاشة المؤسسات السياسية، يلجأ الأقباط إلى الكنيسة باعتبارها الحاضن الأخير، وهذا طبيعي. نحن لا نطلب هذا الدور، لكنه فُرض علينا بفعل غياب البدائل.”

وأكد أن الكنيسة تتمنى اليوم الذي تُستبدل فيه هذه الحاجة بدولة مدنية عادلة تحمي الجميع دون وساطة من المؤسسات الدينية، مضيفًا:

“نحن ننتظر اليوم الذي يكون فيه كل قبطي ممثلًا في وطنه كمواطن فقط، دون أن يحتاج لبركة كاهن أو وساطة مطران.”

ومن ناحية أخرى قال “أبونا اسحق يعقوب” حول تقييم الكنيسة للتمثيل القبطي في البرلمان:

بواقعية، إن ما تحقق جيد، لكنه لا يكفي. نحتاج إلى نواب يُعبّرون بصدق عن هموم الناس، عن مشاكل التعليم، والهجرة، والزواج، والتهميش، لا أن يكتفوا بالمشاركة الصامتة أو الاحتفالية.”

وأضاف أن التحدي الحقيقي ليس فقط في العدد، بل في الكفاءة والجرأة والوعي الوطني:

“مشددًا على أننا نريد نائبًا قبطيًا لا يتحدث عن الأقباط فقط، بل عن المصريين جميعًا، ويدافع عن الحق حتى لو لم يكن شعبيًا.”

رأي الشارع القبطي.. النواب الاقباط لا يتحدثون في مشاكلنا:

على الرغم من الحضور العددي المتزايد لبعض النواب الأقباط تحت قبة البرلمان، إلا أن شريحة من المواطنين الأقباط ترى أن هذا التمثيل لا ينعكس بالضرورة على أرض الواقع. حيث يقول مينا رزق، صاحب محل بمنطقة عين شمس، إن

تمثيل الأقباط في البرلمان بات أقرب إلى “التمثيل الصوري”، مؤكدًا أن “النواب المسيحيين بيخافوا على صورتهم ومناصبهم، وبيحسبوها ألف مرة قبل ما يتكلموا في أي قضية تخص الأقباط، عشان ما يتقالش عنهم إنهم بيخدموا طائفتهم”.

ويتابع مينا بصراحة: “بصراحة، أنا كمواطن قبطي ما بستناش حاجة من النائب المسيحي، لأن اللي بيساعد وبيتدخل في مشاكلنا بجد هما نواب مسلمين. وقت المشكلة ما بسألش إذا كان النائب مسلم ولا مسيحي، بسأل: هيساعدني ولا لأ؟”.

أما نرمين فؤاد، وهي موظفة حكومية تقيم في منطقة العباسية، فتقول إن الشعور العام لدى كثير من الأقباط هو أن نوابهم “مُقيدون سياسيًا”، وتضيف:

“حتى لو في نائب قبطي عنده نية يشتغل لصالح الناس، بيبقى خايف من أي تحرك يتفهم غلط. في النهاية، التمثيل مش بالصوت العالي، التمثيل بالفعل والتأثير، وده مش موجود قوي”.

وفي شبرا، أشار رامي جرجس، طالب جامعي، إلى أن كثيرًا من الشباب القبطي لا يشعرون أن النواب يمثلونهم بحق:

“الموضوع بقى تقليدي وممل، نفس الوجوه، نفس الخطابات. مفيش حد بيتكلم بلساننا فعلًا، خصوصًا في القضايا اللي بتخص تهميشنا في الوظائف أو غيابنا عن مناصب الدولة. ولو حد اتكلم، بيتهاجم ويتقال عليه طائفي، فالأفضل يسكت”.

وفي الختام ورغم التحسن النسبي في التمثيل القبطي بالبرلمان، إلا أن الواقع يفرض ضرورة مراجعة شاملة لمفهوم هذا التمثيل، بحيث لا يقتصر على الأرقام والمقاعد، بل يمتد إلى الأداء الفعلي

والتأثير الحقيقي. فالمطلوب هو اختيار نواب أقباط بناءً على الكفاءة والقدرة على تمثيل القاعدة الشعبية، لا على أساس الولاء السياسي أو الانتماء الديني، مع ضرورة دعم وتأهيل كوادر شابة

للمشاركة السياسية من القاعدة، وتعزيز حضورهم في الأحزاب والمجالس المحلية. كما يُنتظر من الكنيسة أن تلعب دورًا توعويًا فقط دون تدخل في اختيارات سياسية، لضمان الحياد وتكافؤ الفرص.

فالتمثيل الحقيقي لا يُقاس بعدد المقاعد، بل بقدرة النائب – قبطيًا كان أو مسلمًا – على التعبير عن هموم الناس والدفاع عن قضاياهم بعدالة وشجاعة، بعيدًا عن الحسابات الطائفية أو الأدوار الشكلية

وطنى
12 اغسطس 2025 |