القائمة الأقباط اليوم أبحث
أهم الأخبار

اليونان تمنح دير القديسة كاترين في سيناء صفةً قانونية رسمية

أفادت الأخبار المسكونية، بأنه في خطوة غير مسبوقة منذ أكثر من خمسة عشر قرنًا، صادقت الدولة اليونانية على مشروع قانون يُمنح بموجبه دير القديسة كاترين في سيناء وضعًا قانونيًا رسميًا داخل الأراضي اليونانية، واضعة بذلك حدًا لحالة قانونية غامضة استمرّت لعقود، وراسمة مسارًا جديدًا لحضور هذا الصرح الروحي في المحافل الدولية.

اليونان تمنح دير القديسة كاترين في سيناء صفةً قانونية رسمية

وقد أتى هذا الإجراء ضمن مشروع قانون قدّمته وزارة التربية والشؤون الدينية والرياضة، وبدأت مناقشته رسميًا في اللجنة البرلمانية الدائمة للشؤون التعليمية. وتضمّن المشروع تنظيم الوضع القانوني لممثلية دير القديسة كاترين في اليونان، اعترافًا بدوره التاريخي والديني والثقافي الفريد، مع الحفاظ الكامل على استقلاله الذاتي ووضعه الكنسي.

وفي كلمة لها خلال النقاش البرلماني، شدّدت وزيرة التربية والشؤون الدينية على أنّ الدولة اليونانية "تُظهر التزامًا عمليًا بدعم رسالة الدير وصيانة مصالحه"، واصفة هذا الحدث بـ"المبادرة التاريخية التي تُمنح

بموجبها مؤسسة دينية وثقافية استثنائية وضعًا قانونيًا واضحًا لأول مرة منذ خمسة عشر قرنًا"، مؤكدة أن "الدولة اليونانية تحمي كنزًا من التراث الروحي والثقافي الإنساني، وتُثبت أن اليونان كانت وستبقى مهد الأرثوذكسية".

من جهته، رحّب رئيس دير القديسة كاترين في سيناء، الأرشمندريت داميانوس، بإقرار المشروع، واصفًا إيّاه بأنه "لحظة تاريخية طال انتظارها"، وأضاف:

"كان ينبغي أن يتم هذا الاعتراف منذ سنوات طويلة... حتى اليوم، كان الدير معلقًا في الهواء من حيث الصفة القانونية".

وشدّد على أنّ القرار لا يقتصر على بُعد إداري، بل يمتد إلى مستويات روحية ووطنية عميقة، إذ قال:

"دير سيناء يتحوّل إلى رمز للوحدة والتضامن... فحين يكون لدى الهيلّينية التوافق والإرادة، يمكن إنجاز أمور عظيمة".

وأكّد أنّ هذه الخطوة "ليست لحماية مبنى تاريخي فحسب، بل لحماية حياة الرهبان والكنوز المقدسة التي اؤتمن عليها الإخوة والآباء"، داعيًا إلى التعامل مع المسألة كقضية وطنية شاملة. كما أعرب عن أمله في أن تحذو مصر حذو اليونان، وتعترف بالوضع القانوني للدير نفسه، وليس فقط لممثلية له، قائلاً:

"لقد خدمت الدير طيلة 61 عامًا، وآمل أن يأتي اليوم الذي تعترف فيه الدولة المصرية رسميًا بشخصية دير القديسة كاترين القانونية".

دعم شامل للمؤسسات الكنسية والتربوية

في خطوة لافتة تدعم الحضور الأرثوذكسي المشرقي في المحيط اليوناني، تضمّن مشروع القانون الجديد إجراءات موسّعة لصالح المؤسسات الكنسية والتعليمية، ولا سيما تلك المرتبطة

ببطريركية أنطاكية وسائر المشرق. فقد أُدرج في القانون بند خاص يتيح لما يصل إلى عشرة طلاب من سوريا أو لبنان، وبترشيح من البطريركية، متابعة دراستهم الجامعية في اليونان، شرط

موافقة الكنيسة اليونانية ووزارة الخارجية. ويهدف هذا الإجراء إلى ترسيخ الروابط الروحية والثقافية بين الكنيسة اليونانية والكنائس الأرثوذكسية الناطقة باليونانية في المشرق.

وفي هذا السياق، صرّحت وزيرة الدولة بأن "الدولة اليونانية تسهم بشكل حاسم في رفع مستوى التعليم الكنسي لدى إكليروس بطريركية أنطاكية، وتفتح قنوات تواصل مباشرة مع الأرثوذكس السوريين".

كما لحظ القانون دعمًا إضافيًا لمدارس المرشحين الكنسيين (S.M.Y.K.)، إلى جانب تسهيلات لالتحاق الطلاب الأجانب من البطريركيات القديمة الأربع (القسطنطينية، الإسكندرية، أنطاكية، والقدس) بالمدارس الإكليريكية النموذجية في البلاد، تعزيزًا لدور هذه المؤسسات في التنشئة الروحية والعلمية.

حماية الحريات الدينية وإلغاء إرث الماضي

في سياق إصلاحي غير مسبوق، تضمن مشروع القانون الجديد حماية موسّعة للحريات الدينية، وأعاد تنظيم الإطار القانوني الناظم لأماكن العبادة، بما يعكس التزام الدولة بمبادئ المواطنة المتساوية. فقد نصّ على الاعتراف القانوني، ولأول مرة، بكيان ديني ضمن الأقلية المسلمة في منطقة تراقيا، استنادًا إلى القانون 4301/2014، مما شكّل سابقة في الحياة الدينية اليونانية.

كما تضمّن المشروع دعمًا ملموسًا للأنشطة الخيرية التي تقوم بها المؤسسات الكنسية، اعترافًا بدورها الاجتماعي والإنساني الحيوي.

وفي خطوة رمزية قوية، أُلغي الإطار التشريعي القديم الخاص بترخيص أماكن العبادة، والذي كان يعود إلى عهد نظام المتاكْساس، واستُعيض عنه بإطار قانوني معاصر يضمن الحرية الدينية لجميع الطوائف.

وفي ختام كلمتها، شدّدت الوزيرة على التزام الدولة بهذا النهج، قائلة:

"نحن نضمن، كدولة، ممارسة الحق في العبادة لجميع الطوائف الدينية وأفرادها دون عوائق، من خلال إطار قانوني متكامل وحديث ينظّم أماكن العبادة".

تنسيق دبلوماسي حول دير القديسة كاترين

في موازاة التطوّر التشريعي داخل اليونان، جرى في 24 تموز/يوليو 2025 تنسيق دبلوماسي رفيع المستوى بين أثينا والقاهرة، تمثّل في اتصال هاتفي مطوّل بين رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. وقد تناولت المحادثة ملفات إقليمية بارزة، من بينها ترسيم الحدود البحرية، والأوضاع في غزة وليبيا، إلا أن دير القديسة كاترين في سيناء شكّل محورًا أساسيًا في الحديث.

وأكد الرئيس السيسي التزام بلاده الثابت بحماية المقدسات الدينية الواقعة على أراضيها، وفي مقدّمتها دير القديسة كاترين، نظرًا لمكانته الدينية والتاريخية الفريدة. وعبّر الجانبان عن اهتمامهما المشترك بصون هذا الصرح الروحي العريق، وتعزيز حضوره القانوني والدولي، في سياق العلاقات الاستراتيجية المتنامية بين مصر واليونان

واختتمت :" و يمثّل هذا الحدث التاريخي اعترافًا رسميًا بدير القديسة كاترين، أقدم دير مسيحي مأهول في العالم، ككيان قانوني فاعل في العالم المعاصر. ومع هذا الاعتراف، تتقدّم رسالة سيناء الروحية خطوة كبيرة نحو الحضور الدولي، متمسكة بجذورها الأرثوذكسية العريقة، ومنفتحة على مستقبل من التعاون الثقافي والديني، في زمن تتعاظم فيه الحاجة إلى الحوار والتفاهم.

أقباط متحدون
29 يوليو 2025 |