القائمة الأقباط اليوم أبحث
أهم الأخبار

الدكتور الغتيت يقرئكم السلام.. بقلم حمدي رزق

بقلم حمدي رزق

بالدمع جودى يا عين، غادرنا إلى جنة الخلد حكيم من حكماء هذا الزمان، رحل صاحب العقل الراجح فى الحاضر، المستشرف للمستقبل، المستبصر للمآلات..

الدكتور الغتيت يقرئكم السلام.. بقلم حمدي رزق

رحل الدكتور الفيلسوف المصرى الكبير الدكتور على حامد الغتيت أستاذ القانون الدولى والمحكم الدولى، واحتضن العزاء جامع عمر مكرم، وودعه كرام يعرفون لفقيد مصر قدره العالى.

رحل الكبير (سنا ومقاما) وهو واجف على المحروسة، وترك فينا وصية، حافظوا على مصر، ضعوها بين جفونكم، وخافوا عليها مما يخطط لها ويراد بها، يستشهد من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها...

كان يرددها كورد الصباح والمساء، مصر ممتحنة، وستجتاز الاختبار الصعيب بفضل جنودها الأوفياء وعناية الله جندى.

كان يفاجئنى صباحًا بصوته الجهورى، ناقدا لما أكتب، مصوبًا ما أخط، وكل كلمة يمتنها بشروح وإفاضات من فيض علمه وخبرته، وإفادات تفيد فى تصويب المسار، وفى الأخير كان يلفتنى إلى رسالة يدخرها لشخصى، تترجم دعاء ورجاء ومحبة خالصة لوجه الله تعالى.

كنت أحبه لله فى لله، من يحبه ربه يحبب فيه خلقه، وخلق كثير يحبونه ويعزون أنفسهم فى فقده، فقد عظيم، إنّا لله وإنّا إليهِ رَاجعُون.

عندما كانت تستبد بى الحيرة، وتستغلق على عقلى الأحاجى القانونية، كنت أعود إليه مستفسرًا، كان شيخى ومعلمى، أستشف من بصيرته شروحا لما غلق على فهمى القاصر، وكان يستقبل أسئلتى المزعجة بترحاب، ويجيب بأريحية العالم وسعة صدره.. بأمانة الفقيه، كان يأخذنى من يدى إلى جادة الصواب، ولا يتركنى إلا وقد أترعنى علمًا.

طوال عمره، ثابت على قدمين، حتى السلطة عندما جاءته لم تغير صفاء مائه، وظل على موقفه، صاحب موقف، وبوصلته سليمة، ولا يرى سوى مصالح الوطن العليا.

كان يخشى على مصر من الطوفان، ويصرخ فى الخلايق ويستصرخ نخوتهم التى جبلوا عليها، أن احذروا، عينه وعبادته الصلاة فى محراب الوطن، ووطنه غالى، ولا يرتضى بغير وطنه بديلا.

ظل حتى النفس الأخير يدرس ويحلل ويقف على مواطن الخلل فى الحالة العربية فى مواجهة العربدة الإسرائيلية، والطغيان الأمريكى، والانقياد الأوروبى، ويفنّد الحجج والذرائع التى تسوقها الدولة العبرية فى الفضاء العربى.

كم أمدّ الحقوقيين من فيض علمه بالقانون الدولى، وكم كانت سعادته وهو يسمع كلماته التى خططها بقلمه (دون إعلان منه مخلصًا للقضية) تتلى فوق المنصات العالمية دفاعًا عن الحق الفلسطينى المهضوم.

لم يدخر علما، وكان يفضل العمل فى خلفية المشهد، عزوفًا عن الظهور الإعلامى والسياسى، وفى ظهوراته النادرة كان حكيمًا يسكب من حكمته فى مياه النهر الجارى، يرفد الفكرة بالفكرة، يقصد المتون الغائبة لا يحفل بالهوامش، ويهش الهاموش عن وجه الحقيقة لتنجلى فى أعين النظارة.

الشيخ العلامة طيب الذكر، على الغتيت، فى تعريف بسيط، عالم مُتبحّر فى القانون الدولى، وتميز بعمق معرفته وسعة اطلاعه فى مختلف فروع القانون.

العلامة لقبه، لقب حقيقى ليس تشريفيًا، ومكانته مرموقة بين العلماء، يرتقى إلى جنة الخلد مع الصديقين والشهداء، وحسن أولئك رفيقًا.. الفاتحة لروحه الطيبة.

حمدي رزق - المصرى اليوم
06 يوليو 2025 |