منذ أطلت رياح ولايته الرئاسية الثانية، بدا أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب عازم على إعادة كتابة خرائط النفوذ الدولى بسكين رجل الأعمال والمقاول لا السياسى التقليدى، مستعينًا فى ذلك بطموحات السيطرة واستعادة القطبية الواحدة.

وفى تدوينة أثارت جدلًا دوليًا واسعًا، طالب ترامب مؤخرًا بمرور كل السفن الأمريكية عبر قناة السويس وقناة بنما مجانًا، دون رسوم مرور، ملمحًا إلى تحويل هذا المطلب إلى سياسة أمريكية رسمية.
ولم تكن تلك التدوينة المعادية لمبدأ السيادة الوطنية إلا امتدادًا لسلسلة مواقف أكثر جرأة؛ تضمنت المطالبة العلنية بامتلاك غزة وتحويلها إلى ريفييرا الشرق الأوسط، ومرت بمحاولة إخضاع قناة بنما مجددًا للسيطرة الأمريكية، وشراء جزيرة جرينلاند من الدنمارك، كما اشتملت على تصريح مثير عن ضرورة ضم كندا وتحويلها إلى ولاية أمريكية جديدة.
هذه المواقف الغريبة فى ظاهرها، المتسقة فى جوهرها، تكشف عن ملامح استراتيجية توسع جديدة، تمزج بين أحلام الجغرافيا ومطامع السياسة وحرب التجارة الشرسة الجارية مع الصين، لكن.. ما الذى يجعل من غزة وقناة السويس وقناة بنما وجزيرة جرينلاند محاور لهذه الخطة؟ وكيف يسعى ترامب من خلال مطالبه لإعادة تشكيل العالم كمن يعيد ترتيب قطع الشطرنج على طاولة المنافسة الاقتصادية الكبرى؟
فى هذا التحليل الخاص، تكشف الدستور عن خبايا هذا المشروع الترامبى، عبر تحليل عميق للوقائع المعلنة والخطط الأمريكية الخفية، وربطها بالحرب الكبرى ضد التنين الصينى، والمحاولات الأمريكية الدءوبة لضمان موقع دائم لها فى لعبة السيطرة على الممرات البحرية العالمية.
1- قطاع غزة.. نقطة ضغط ضمن خطة إعادة توزيع مواقع التمركز الأمريكية
مع توليه رئاسة الولايات المتحدة، اتبع الرئيس دونالد ترامب نهجًا غير تقليدى فى إدارة السياسة الخارجية، مستوحى من أساليب رجال الأعمال فى السيطرة على الأسواق والاستحواذ على الأصول الاستراتيجية.
ولم يكن اهتمام ترامب بغزة مجرد مسألة تتعلق بالصراع الفلسطينى- الإسرائيلى، بل كان جزءًا من رؤية أمريكية واستراتيجية تستهدف توسعًا جديدًا من نوع خاص، يتضمن إعادة رسم الخريطة الجيوسياسية بما يخدم المصالح الأمريكية ويعرقل تقدم الصين وروسيا فى المنطقة، مع وضع الصين فى مقدمة الأولويات.
ويمثل قطاع غزة الصغير على البحر، بموقعه الاستراتيجى، ورقة مهمة فى لعبة الهيمنة العالمية، حيث يمكن أن يلعب دورًا رئيسيًا فى إحباط مشاريع الصين وروسيا فى الشرق الأوسط، خصوصًا
فيما يتعلق بمبادرة الحزام والطريق الصينية، التى تسعى إلى ربط آسيا بأوروبا وإفريقيا عبر شبكة من الطرق والموانئ، وكذلك بعد التغيرات التى وقعت فى الشرق الأوسط ومنها تغير نظام
الحكم فى دمشق، ما خلق حالة من عدم اليقين بشأن موقف القواعد الروسية فى الساحل السورى، فى ظل الخلفية الجهادية للنظام الحاكم فى دمشق حاليًا، وطبيعة العلاقات الروسية مع نظام الحكم السابق.
ترامب، الذى يرى العالم كسوق مفتوحة للتنافس، لم يكن ليدع خصومه يتمددون دون مقاومة، لذا يسعى لاستخدام غزة كنقطة ضغط استراتيجية ضمن خطته لإعادة توزيع مناطق تمركز النفوذ الأمريكى عالميًا، ومن هنا جاءت خطته المسماة بـريفييرا الشرق الأوسط.
الرئيس الأمريكى العائد مؤخرًا للبيت الأبيض حاول تسويق مقترحاته فى تلك النقطة لتبدو وكأنها تأتى ضمن عملية إنسانية تهدف إلى تخفيف المعاناة عن الفلسطينيين، وقال وقتها إن الفلسطينيين الذين يعيشون حاليًا فى غزة- حوالى 2 مليون شخص- يجب أن يغادروا وينتقلوا إلى دول أخرى فى الشرق الأوسط، من بينها الأردن ومصر، بينما تعمل الولايات المتحدة على تطوير المنطقة، وهو ما رفضته مصر والأردن بشكل قاطع.
وعندما سُئل ترامب عمّا إذا كان يتصور احتلالًا أمريكيًا دائمًا لغزة، قال: أرى موقف ملكية طويل الأمد، وزعم أن خطته يمكن أن تجلب سلامًا عظيمًا إلى المنطقة، ولم يحدد كيف سيكون للولايات المتحدة السلطة القانونية للاستيلاء على غزة وإدارتها أثناء إعادة تطوير المنطقة، لكنه لم يستبعد إرسال قوات أمريكية لتأمين غزة، قائلًا: فيما يتعلق بغزة، سنفعل ما هو ضرورى.. إذا كان ذلك ضروريًا، فسنفعل ذلك.
2- نعم لـريفييرا ولا لـإعادة الإعمار.. مراوغات أمريكية بحثًا عن موطئ قدم
فى مقترحاته الغريبة، كانت هناك عدة نقاط وراء الاهتمام الترامبى الكبير بقطاع غزة، تستدعى النظر إليها، فهذا القطاع الصغير حجمًا يوفر امتيازات عديدة لرؤية ترامب الجديدة لجعل أمريكا عظيمة مجددًا، وإعادة عصرها الذهبى كما يكرر الرئيس الأمريكى دائمًا.
لذلك، لم يكن من المفاجئ أن تحاول أمريكا المراوغة والتسويف- وربما المعارضة الخفية- على الخطة المصرية لإعادة إعمار قطاع غزة- التى تحولت إلى خطة عربية بعد القمة الطارئة التى انعقدت فى مصر يوم 4 مارس 2025-، بالإضافة إلى التحجج بأن الخطة لا تتواءم مع الرؤية الأمريكية الترامبية لإعادة إعمار القطاع وتحويله إلى ريفييرا فى الشرق الأوسط.
تلك المراوغات كان آخرها يوم 24 مارس الماضى، بتصريح وزارة الخارجية الأمريكية الذى قالت فيه إن الخطة العربية لقطاع غزة لا ترقى لمعايير إدارة الرئيس ترامب، كما أن أحد الأسباب هو التطابق الواضح الذى قد يصل إلى حد التماهى فى المواقف والخطاب ما بين مواقف الإدارة الأمريكية ودولة الاحتلال بهذا الصدد، ومن قبل أن يتم تنصيب ترامب رسميًا فى ولايته الرئاسية الثانية.
هذا السعى لعرقلة تنفيذ الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة يعود لعدة أسباب مترابطة، تتجاوز الاعتبارات الإنسانية المعلنة إلى حسابات استراتيجية أعمق فى جوهرها، فواشنطن تدرك أن نجاح مصر والدول العربية فى إعادة بناء غزة وفق رؤية مستقلة يعنى بقاء القطاع خارج نطاق الهيمنة الأمريكية المباشرة، ما يضعف خططها لتحويل غزة إلى منصة اقتصادية وتجارية تخدم مصالحها فى مشروع ريفييرا الشرق الأوسط.
كما تخشى الإدارة الأمريكية من أن يؤدى النجاح العربى فى غزة إلى تقوية النفوذ المصرى إقليميًا، بما يعزز من الاستقلالية العربية فى ملفات حساسة، ويقوض محاولات واشنطن لفرض ترتيبات إقليمية تخدم أولوياتها الخاصة أو
مصالح الحليف الإسرائيلى، بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحكومته المتطرفة، الذى تكشف الأيام يومًا بعد الآخر أنه يخشى لحد الرعب من نجاح الجهود المصرية فى وقف العدوان، وبدء هدنة طويلة المدى وبدء خطة الإعمار.
وعليه، فإن الموقف الأمريكى من خطة إعادة الإعمار لا ينفصل عن استراتيجيات السيطرة على الممرات البحرية وخطوط الإمداد الحيوية، إذ تنظر واشنطن إلى كل مشروع مستقل فى غزة باعتباره حجر عثرة أمام تطلعاتها لإعادة صياغة المشهد الاقتصادى والسياسى للشرق الأوسط لصالحها، بما يضمن استمرار التفوق الأمريكى فى مواجهة التنين الصينى والدب الروسى.
3- تهديد وتعطيل ومطالب قصوى.. السياسة بأسلوب رجال الأعمال لتحقيق المكاسب المستحيلة
منذ دخوله إلى الحياة السياسية وحتى قبل فوزه فى الانتخابات الأمريكية عام 2016، كان ترامب يتعامل مع السياسة العالمية تمامًا كما يدير صفقة تجارية كبرى، حيث استخدم العقوبات الاقتصادية، وفرض التعريفات الجمركية، واستغل
التحالفات الإقليمية لتعطيل مشاريع الصين وروسيا فى الشرق الأوسط، مع حقيقة أن العقوبات الأمريكية المفروضة على الشركات الصينية والروسية كانت تهدف إلى إضعاف قدرة هذه الدول على التوسع، خاصة فى مجالات البنية التحتية والطاقة.
ترامب حاول أيضًا تعطيل الاستثمارات الصينية والروسية فى الشرق الأوسط وإفريقيا، من خلال منع تنفيذ مشاريع ضخمة فى الموانئ الإقليمية، منها مشروع ميناء حيفا الذى دخلت الصين فى شراكة لإدارته، بالإضافة إلى استخدام الحلفاء الإقليميين، مثل إسرائيل ودول أخرى فى منطقة الشرق الأوسط، كجزء من استراتيجيته لضمان عدم منح الصين موطئ قدم فى المنطقة.
كذلك، كان ترامب يعيد توجيه الاستثمارات الأمريكية نحو مناطق بديلة، ليضمن منافسة فعالة للمشاريع الصينية، التى يبدو أنها تحتل النصيب الأكبر والوافر من اهتمامه فى ولايته الرئاسية الثانية فى البيت الأبيض.
تلك السياسة هى ما جعلت من غزة موقعًا مغريًا للإشراف على أحد الممرات البحرية المهمة، وهو ما قد يفسر الاهتمام المفاجئ بالقطاع، ومن هنا جاءت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ومحاولات تحرير المحتجزين الإسرائيليين لدى حركة حماس
والفصائل الفلسطينية الأخرى بمثابة هدية ذهبية، تناسب تطلعات ترامب السياسية والاقتصادية، بعد أن أصبحت غزة بمثابة نقطة مهمة فى استراتيجية ترامب الجديدة للتوسع، وحربه الكبيرة تجاريًا، التى بدأ غمارها بتجارب بسيطة من خلال الرسوم الجمركية.
وفى إطار تلك الاستراتيجية، وبعد أن وصل ترامب إلى الرئاسة هدد بفرض رسوم جمركية على كندا والمكسيك والصين، كما هدد الرئيس الأمريكى بفرض رسوم جمركية بنسبة 100% على دول مجموعة بريكس إذا قوّضت الدولار
الأمريكى، وكتب على منصته تروث سوشيال للتواصل الاجتماعى متحدثًا عن المجموعة: نطلب التزامًا.. أنها لن تنشئ عملة لدول بريكس، ولن تدعم أى عملة أخرى لتحل مكان الدولار الأمريكى العظيم، وإلا ستواجه برسوم جمركية بنسبة 100%
4- محاولات للهيمنة على قناة السويس
يعد مشروع الحزام والطريق أكبر مبادرة اقتصادية أطلقتها الصين، ويمثل تهديدًا مباشرًا للهيمنة الاقتصادية الأمريكية، إذ يهدف إلى إنشاء شبكة ضخمة من الطرق البرية والموانئ البحرية التى تربط الصين بالأسواق الأوروبية والإفريقية، ما يمنحها نفوذًا اقتصاديًا واسعًا.
وسط هذا الصراع، تبرز غزة كنقطة استراتيجية محتملة، رغم صغر حجمها، خاصة أن موقعها على البحر المتوسط يجعلها مؤهلة لاستضافة ميناء تجارى ضخم، يمكن أن يكون مركزًا رئيسيًا للربط بين آسيا وأوروبا، خاصة
مع إدراك الولايات المتحدة أن السماح للصين بالسيطرة على مشاريع الموانئ فى المنطقة قد يعزز قوتها الاقتصادية، وبالتالى، فإن تعطيل هذا المسار كان هدفًا مهمًا ضمن سياسة ترامب الاقتصادية والجيوسياسية.
وإذا تمكنت الصين من تطوير وجود اقتصادى فى غزة، عبر استثمارات فى البنية التحتية والموانئ، فإن ذلك سيعزز قدرتها على التأثير فى التجارة الإقليمية والعالمية.
ولذلك، كان منع الصين من تنفيذ مشاريعها جزءًا من أولويات ترامب فى الشرق الأوسط، كما أن تواجد أمريكا بشركات كبرى لإعادة إعمار غزة، وفق مقترح ريفييرا الشرق الأوسط سيستدعى تواجدًا
أمريكيًا قويًا فى منطقة شرق البحر المتوسط، وهذا التواجد التجارى والاقتصادى والعقارى من المرجح بشكل كبير أن يتطور لتواجد عسكرى مستقر أو دائم، لحماية الاستثمارات والخطط الأمريكية،
كما أنه وفى الوقت نفسه سيعنى التمركز بجانب التواجد الروسى الوحيد فى المياه الدافئة فى سوريا، وسيكون قريبًا جدًا من أى أماكن أخرى تدرس موسكو نقل قواعدها إليها فى المنطقة، أو حتى زيادة قدراتها.
وفى قلب الاستراتيجية الترامبية الجديدة، تبرز قناة السويس كحلقة حيوية لا يمكن تجاهلها فى معركة السيطرة على طرق التجارة العالمية.
فتلك القناة، التى ظلت لعقود الشريان الأهم الرابط بين الشرق والغرب، أصبحت اليوم فى عيون ترامب أكثر من مجرد ممر ملاحى، وتحولت إلى نقطة ارتكاز جيوسياسية، يمكن من خلالها كبح الطموحات الصينية فى مشروع الحزام والطريق.
الصين تراهن على قناة السويس كأحد أعمدة خططها لربط آسيا بأوروبا وإفريقيا، عبر استثمارات ضخمة فى الموانئ والمراكز اللوجستية، وإذا ما استمرت بكين فى توسيع نفوذها حول هذا الشريان فإن ذلك سيمنحها اليد الطولى فى التجارة العالمية، ما يشكل تهديدًا مباشرًا للهيمنة الاقتصادية الأمريكية.
من جانب ترامب، الذى يتقن قراءة الخرائط الاقتصادية كما يقرأ رجل الأعمال دفاتر حساباته، فهو يدرك مدى خطورة ترك قناة السويس مفتوحة أمام تمدد الصين، ومن هنا جاءت تصريحاته الغريبة بمطالبة السفن الأمريكية بالمرور المجانى، كتعبير عن الرغبة الأمريكية فى إعادة صياغة شروط اللعبة التجارية الدولية، وحتى التلويح باستخدام أوراق الضغط الاستراتيجية، للسيطرة غير المباشرة على هذا الممر الحاسم.
ولذلك، فإن استراتيجية ترامب لا تسعى فقط إلى وضع يد أمريكية ثقيلة على غزة أو قناة بنما، بل ترى فى قناة السويس المفتاح لإغلاق شريان الحرير الذى تخطط الصين لبسطه عبر القارات، خاصة أن من يملك مفاتيح السويس يستطيع أن يتحكم فى حركة التجارة العالمية، ويعيد تشكيل موازين القوى فى القرن الحادى والعشرين.
5- الممرات البحرية.. مفاتيح أساسية لـإعادة أمريكا عظيمة مجددًا
رؤية ترامب لإعادة أمريكا عظيمة مجددًا، كما يردد فى شعاراته الانتخابية، تقوم على إعادة توزيع نقاط التمركز والوجود الأمريكى عالميًا، بطريقة مشابهة لما تفعله الشركات الكبرى عند افتتاح فروع جديدة لضمان السيطرة على الأسواق.
ويبدو هذا النهج واضحًا فى سياسات ترامب العسكرية، حيث قام بنقل بعض القواعد العسكرية إلى مناطق أكثر استراتيجية، بينما قلص تواجده فى مناطق لم تعد لها نفس الأهمية التى كانت فى الماضى.
ووفق هذا التصور، فإن غزة يمكن أن تصبح فرعًا جديدًا للنفوذ الأمريكى فى الشرق الأوسط، سواء من خلال شراكة تجارية أو عبر وجود عسكرى غير مباشر، ما يسمح باستخدامها كمحطة استراتيجية لمراقبة حركة التجارة فى
البحر المتوسط والتحكم فى الممرات البحرية التى تمر عبر المنطقة، لتصبح جزءًا من رؤية ترامب لإعادة الانتشار الأمريكى وبتكلفة أقل، خاصة أن مشروعه للقطاع يدمج بين الاستثمارات الاقتصادية والمصالح العسكرية.
وبالتالى، فإن ترامب إذا تمكن من إيجاد مقر دائم للتمركز العسكرى الأمريكى المباشر فى شرق البحر الأبيض المتوسط، فقد يفكر مستقبلًا فى إنشاء مقر دائم لأحد الأساطيل العسكرية الأمريكية، كما هو الحال مع الأسطول الأمريكى الخامس الذى يقع مقره فى مملكة البحرين، قرب مضيق هرمز المتحكم فى إمدادات النفط العالمى.
إنشاء هذا المقر العسكرى الأمريكى الدائم، سيزيد من تهديد الوجود الروسى القلق فى سوريا، والمهدد أصلًا بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد.
وحتى فى حال انتقال روسيا بقواعدها من سوريا إلى مكان آخر، فإنها ستظل تحت طائلة اليد العسكرية الأمريكية، بل وقد تكون أمريكا وقتها قد أصبحت فى المنتصف ما بين روسيا وقواعدها فى المياه الدافئة.
ومن هنا، يعد التحكم فى الممرات البحرية أحد الأسس الرئيسية للهيمنة الاقتصادية والعسكرية الأمريكية فى المستقبل القريب وفق رؤية ترامب، فمن يسيطر على أهم المعابر التجارية يستطيع التحكم فى تدفق البضائع والطاقة عبر العالم، وهذه القاعدة كانت واضحة فى سياسة الرئيس الأمريكى، الذى سعى لتعزيز النفوذ الأمريكى فى نقاط رئيسية مثل غزة وقناة السويس، وبالطبع قناة بنما.
وأيضًا، فإن محاولة ترامب شراء جرينلاند عام 2019 لم تكن مجرد نزوة، بل كانت خطوة استراتيجية تهدف إلى التحكم فى خطوط الشحن بين أوروبا وأمريكا الشمالية، إضافة إلى الاستفادة من الثروات المعدنية الهائلة التى تحتويها الجزيرة.
غزة، رغم أنها لا تمتلك ميناءً كبيرًا- وربما لا تمتلك شيئًا على الإطلاق فى الوقت الحالى- يمكن أن تتحول إلى نقطة رئيسية فى التجارة البحرية إذا تم تطويرها على الطريقة الأمريكية، وهذا يمنح الولايات المتحدة أداة جديدة للضغط على الصين ومنعها من السيطرة على طرق التجارة عبر الشرق الأوسط.
ومع اعتماد الصين بشكل كبير على مشروع الحزام والطريق لربط آسيا بأوروبا وإفريقيا عبر شبكة من الموانئ والطرق البرية والبحرية، فإن خطط ترامب تهدف إلى إجبار دول- مثل بنما- على الانسحاب من الاتفاقيات الصينية، وهو ما حدث عندما هدد ترامب باستعادة السيطرة على قناة بنما ما دفع الحكومة البنمية إلى مراجعة- بل وتقليص- تعاونها مع بكين.
وأيضًا، تسعى واشنطن إلى خلق بدائل تجارية لخطط الصين لكن بقيادة أمريكية، وأحد هذه البدائل قد يتمثل فى تحويل غزة إلى مركز لوجستى دولى ينافس الموانئ الصينية فى البحرين الأحمر والمتوسط.