القائمة الأقباط اليوم أبحث
أهم الأخبار

الذكاء الاصطناعى.. «المصالح تتصالح» بقلم طارق الشناوي

بقلم طارق الشناوي

لا تصدقوا كل ما تتابعونه الآن على الساحة الفنية، والذى يمكن تلخيصه فى عناوين مثل: الورثة يصرخون.. هذا اغتيال للقمم الفنية.. وشركة الإنتاج تؤكد: سوف نطارد كل من تسول له نفسه بتزوير التاريخ، وهناك من يتحدث باسم الرأى العام: الست والعندليب وموسيقار الأجيال خط أحمر.. وغيرها من الكلمات الزاعقة التى تعودناها وتحقق فى كل مرة (تريند).

الذكاء الاصطناعى.. «المصالح تتصالح» بقلم طارق الشناوي

مع الزمن وفى النهاية، ستصمت كل هذه الأصوات وننصت فقط إلى صوت المال (المصالح تتصالح)، لا أحد يقول الحقيقة (على بلاطة).. السؤال المسكوت عنه دائما: (ما هو نصيبى فى تلك الأغنية؟)، عندما يتفقون مع الورثة

على قضمة التورتة سوف يوقّعون بالموافقة، وبعدها بقليل سيعلو صوتهم: (هذا اغتيال معنوى).. تلاحقهم بالقضمة الثانية، فتضمن انشغال أفواههم بالمضغ ولن تستمع إلى أصواتهم إلا وهم فى مرحلة البلع (وحتى إشعار آخر).

الملحن عمرو مصطفى يعلم جيدا هذا السيناريو المرتقب، فهو الذى أطلق إشارة البدء فى استخدام (الذكاء الاصطناعى) على المستوى المصرى والعربى، رغم أنه يتم التعامل به فى العالم منذ أكثر من عقد من الزمان، وبالفعل استكملوا السيمفونية العاشرة لبيتهوفن ولم يتوقفوا عند هذا الحد.

وفى الخطة تقديم سيمفونيات جديدة تحمل أسماء الكبار، أمثال: شوبرت وموزار وباخ.. وغيرهم.. وبالطبع وكما هو متوقع لم تصل إلى وجدان الناس، إلا أن المحاولات لم ولن تتوقف، وسوف نقرأ أعمالا لشكسبير الذى رحل فى مطلع القرن السابع عشر، ولا أستبعد أن يقدم أحدهم رواية جديدة لنجيب محفوظ الذى رحل عام 2006.

تتم تغذية الذكاء الاصطناعى بكل مفردات هذا الموسيقار أو الكاتب أو الشاعر، ويقدم لنا العقل الاصطناعى ما يشبه المفردات القديمة، مع إعادة توظيفها فى فكرة جديدة.

إنها نظرة عقلانية جدا للإبداع تنفى عنه أنه أساسا ومضة يحركها أولًا الوجدان، إنها تبدو أقرب لحالة الاستنساخ.. وكم رأينا مثلا مَن كتب أشعارا نسبها لأحمد فؤاد نجم أو بيرم التونسى، فهو يتقمص إحساسهم، وبالطبع من السهل للمتذوق- ولا أقول فقط المتخصص- أن يستشعر الفارق بين الصادق والكاذب.

وكم تعرض فؤاد نجم وعبد الرحمن الأبنودى وفؤاد حداد وسيد حجاب وغيرهم فى حياتهم لمثل هذه المواقف!.. وهى محاولة انتحال مفرداتهم الشعرية لضمان الذيوع والانتشار.

يجب التعامل مع هذا الوافد الجديد الذى يحقق قفزات فى التقنية تفوق قدرتنا على ملاحقته، وهو ما نراه أيضا فى السينما، محاولات لإعادة الحضور لأسطورة الإغراء مارلين مونرو التى رحلت فى مطلع الستينيات، تقدم من خلال المزج بين بعض

لقطات رصيدها القديم (30 فيلما) أفكارا جديدة. النجم الأمريكى توم هانكس رحب بالفكرة التى من الممكن أن تزيد حصيلته من الأفلام بعد رحيله، بل قادر الآن وهو فى عمر الـ66 عاما على أن تمنحه بطولة أفلام جديدة تحتاج إلى شاب فى الثلاثينيات.

فى عالمنا العربى ومصر تحديدًا، ارتفعت حالات الغضب، رغم أن تقنية (الهولوجرام) التى قدمناها فى سهرات غنائية وتم فيها تجسيد صور مجسمة لعدد من الراحلين (أم كلثوم وعبدالحليم وطلال مداح).. وغيرهم، الحفلات كاملة العدد، وهى قائمة على حالة افتراضية، فأنت كمتلقٍ تعلم أن هؤلاء رحلوا عن عالمنا، ورغم ذلك تقطع تذكرة غالية الثمن لتشاهدهم أمامك مجددًا.

يجب إدراك أن هذا هو الزمن القادم، سواء أعجبتنا التجربة أم لا، علينا ألا نصادر الحق فى التجربة، يجب التفرقة بين حقوق الملكية وهى محفوظة بالقانون، وحق التجربة وهى حتمية بحكم الزمن. السينما كان يُنظر إليها فى عالمنا العربى على أنها عمل شيطانى.. الآن صارت من أفعال الملائكة!.

طارق الشناوي - المصرى اليوم
31 مايو 2023 |