القائمة الأقباط اليوم أبحث
أهم الأخبار

يا الله.. إلهى أنت .. بقلم الأنبا موسى

بقلم الأنبا موسى

تحدثنا فى العددين السابقين عن نوع من الإلحاد المعاصر، ومنه عبادة الشيطان وذكرنا: من هو الشيطان- من هم عبدة الشيطان- الكتاب المقدس والعبادة لله وحده- محاور عبادة الشيطان- من هو المعرض للوقوع فى هذه الضلالة. ونستكمل ونختم حديثنا عن:

يا الله.. إلهى أنت .. بقلم  الأنبا موسى

- كيف الخلاص من هذه الضلالة الجديدة؟

معروف أن الوقاية خير من العلاج.. لذلك فالتربية الدينية المتكاملة هى العاصم الوحيد من الانزلاق إلى هذه الضلالة الخطيرة، سواء بأبعادها الدينية الملحدة، أو اللاأخلاقية المدمرة.

وتأتى هذه التربية من خلال البيت، ودور العبادة والمدرسة، ووسائل الإعلام والاتصال، ووسائل التواصل الاجتماعى التى أصبحت لا حصر لها، التى كان يجب أن تقدم الإيجابيات للأجيال الصاعدة، يتسلل إليها المفسدون، فيحولونها إلى وسائل للانحراف والإثارة والضياع الإنسانى، تلك التى اقتحمت حياتنا وأصبحت تربى أولادنا نيابة عنا..

الواجب- إذن- أن نقوم بعملية تأصيل للشباب فى ميادين عديدة مثل:

1- التأصيل الإيمانى والروحى:

حيث نربى النشء على الإيمان العظيم، والقيم الروحية الخالدة، وعالم السمائيين، ونقدم لهم المثل العليا، سواء فى تاريخنا العريق، أو واقعنا اليومى المعاش. إن تقدم الشعوب لا يكون بالمادة والعلم وحدهما، ولكن بالقيم الروحية أيضًا حيث الإيثار والعطاء والمحبة والطهارة.. تلك التى تهب النفس سكينة وسلامًا وهدوءًا.

2- تربية الضمير:

المهمة الثانية للإنسان أن يربِّى ضميره، فيكون حساسًا لكل ما تعرضه أمامه وسائل الإعلام، والتواصل الاجتماعى، أو أصدقاء المرحلة، أو حتى إيحاءات الشيطان، وحروب الفكر!.

الإنسان الروحى، كما علمنا قداسة البابا شنوده الثالث: هو الإنسان الذى روحه تقود جسده، وروح الله يقود روحه. وهكذا يصير الكيان الداخلى للإنسان متناسقًا ومقدسًا: الجسد والروح، وهكذا إذ ينتصر الإنسان على كل ما يثور داخله وخارجه

من شهوات سلبية، فيزداد الضمير إرهافًا، فيصير حساسًا لكل خطأ، ولكل شر، ومدققًا فى حياته: فى الفكر والحواس والمشاعر والإرادة والأفعال والسلوك، بل أكثر من ذلك أن يمتلئ داخله برغبات بناءة ومقدسة، فيكون ضميره مستريحًا وسعيدًا.

3- الاستنارة الذهنية والثقافية:

فالعقل المستنير بنور الله، والمواظب على قراءة الكتب المقدسة، والكتب الروحية والمنفتح- بحكمة وتمييز وإفراز- على العلوم الإنسانية المختلفة: كالتربية، وعلم النفس، وعلم الاجتماع.. هو عقل واعٍ قادر على التمييز بين الغث والسمين، كما أنه عقل قادر على ضبط الجسد والغرائز، والاتجاهات والعادات والعواطف. لذلك يجب أن نشجع أولادنا على القراءة والثقافة البناءة.

4- الصحة النفسية:

فالنفس الهادئة المطمئنة يصعب أن تسقط فريسة الموسيقى الصاخبة، التى تُغيّب صاحبها عن عالم الواقع، أو تكون فريسة الصداقات الشريرة، التى تقود شبابنا إلى المخدرات والنجاسة والانحلال.. ومن علامات النفس الصحيحة أنها:

أ- تحيا إحساس الثقة فى النفس، وفى الآخرين بمعونة من إلهنا المحب.

ب- تعيش مشاعر السعادة، بسبب إيمانها بقدرة وقيادة الخالق، وبسبب ضميرها المستريح.

ج- تقبل ذاتها والآخرين، فى تفاعل ناضح بنّاء، وتجتهد كى ترتفع فوق الخطايا والضعفات.

د- تكون مستقلة فكريًا ووجدانيًا، غير قابلة للانقياد الأعمى.

ه- تضع أمامها أهدافًا معقولة، قابلة للتحقيق بمعونة الله.

و- تنجح فى علاقاتها مع الآخرين، بكفاءة تشبعها نفسيًا واجتماعيًا.

5- التربية الفنية والأدبية والرياضية:

ونقصد بذلك انشغال الشباب فيما يبنيه، ويفجر طاقاته المبدعة، سواء فى مجال: الفنون المختلفة كالموسيقى الهادئة، أو الرسم والتصوير والتمثيل والأشغال المتنوعة، أو الإبداع الأدبى: فى الشعر والزجل وكتابة القصة، أو أنواع الرياضة البدنية غير العنيفة. كل ذلك فى إطار ما يبنى روحانيات الإنسان ووجدانياته وجسده، دون أن يؤثر على أخلاقياته ومبادئه وتدينه السليم.

6- التأصيل الاجتماعى وروح الانتماء:

فالانتماء حاجة نفسية هامة، والشباب الذى يسقط فريسة هذه الانحرافات هو شباب ضائع، لا يشعر بانتمائه إلى الدوائر المختلفة التى تتسع شيئًا فشيئًا.

أ- دائرة الأسرة: حينما لا تتفكك فتفقد إمكانية تربية وقيادة أبنائها. سواء بالمشاكل العائلية بين الزوجين، أو بسفر أحدهما أو كليهما للخارج، تاركين الأبناء نهبًا للشيطان وأعوانه.

ب- دائرة الأصدقاء: حيث يجب أن يتم انتقاؤهم بطريقة جيدة ومعايير سليمة.

ج- دائرة الدراسة: حينما يتخير الشباب أصدقاء صالحين، ويرى فى مدرسيه القدوة الحسنة.

د- دائرة الدين: حينما يتعرف على خالقه ووصاياه، ومكافأته فى الدنيا والآخرة.. ويعرف أن الدين سياج وليس قيودًا.

ه- دائرة الوطن: حينما يحس الشباب بعضويته فى هذا الوطن، ويسهم فى بناء بلده، ويتواصل مع كل من حوله فى حب ووئام.

و- دائرة البشرية: حينما يتسع قلبه للناس جميعًا، فى محبة باذلة وخدمة فعالة.

أما الشباب الضائع التائه المسكين، فهو عمومًا ضحية تربية سيئة، ويجب أن ندعوه للعودة إلى الصواب من خلال الحوار والإقناع والتوجيه السليم والحازم.. لأنهم- بانحرافهم هذا- يعرضون أنفسهم وغيرهم إلى خراب روحى وإنسانى وأبدى.

فلنرفع قلوبنا إلى الله كى يحمى أبناءنا من هذه الضلالة الجديدة، ولنجتهد فى تربيتهم التربية الحقة.. قادر الله بنعمته أن ينصرنا على عدو الخير وعلى أفكاره الشريرة.

* أسقف الشباب العام

بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية

الأنبا موسى - المصرى اليوم
13 سبتمبر 2021 |