هل تأخر الله في تنفيذ وعده بالخلاص

لقد وعد منذ خطية أدم وحواء ، بأن نسل المرأة سيسحق رأس الحية ( تك 3 : 15 ) وكان المقصود بنسل المرأة السيد المسيح الذي سيسحق رأس الحية أي الشيطان ومع ذلك مرت ألاف السنين والحية ترفع رأسها وتتحدى البشرية وتوقع الملايين في شرور كثيرة , بل وفي عبادة الأصنام ! فلماذا تأخر الله في تنفيذ وعده طوال ذلك الزمان كله ؟

والجواب هو أن الله لو قام بعملية الفداء في الأجيال الأولى للبشرية , ما كان الناس يفهمون الفداء , وما كانوا يدركونه . كان لابد إذن من إعداد البشر لفهم التجسد ولفهم الفداء . بل أيضاً ترسيخ ذلك في عقولهم , حتى إذا ما تم الخلاص بالفداء يمكنهم أن يدركوا معناه وهدفه اللاهوتي , ويؤمنوا به . فكيف حدث ذلك ؟ فكرة الفداء والذبائح: الفداء هو أن نفساً تموت عوضاً عن نفس أخرى . نفساً بريئة غير مستحقة للموت , تموت بدلاً من نفس خاطئة تستحق الموت . والإنسان كان مستحقاً للموت بسسب عصيانه لله الذي قال له : يوم تأكل من تلك الشجرة موتاً تموت ( تك 2 : 17 ) . ومن رحمة الله أراد أن يفديه . ولكن كان لا بد من تقديم الفكرة , وبتدريج طويل يثبت في ذهنه . فما هي الخطوات التي اتخذها الله لأجل هذا الغرض ؟ 1- يقول الكتاب أن الإنسان لما أخطأ , بدأ يشعر بعريه , فغطى نفسه بأوراق التين . ولكن الله بدلاً منها ألبسه أقمصة من جلد ( تك 3 : 21 ) .

ومن أين هذا الجلد إلا من ذبيحة ؟.. وهنا رسخت حقيقة في عقل الإنسان : أن الخطيئة تجلب العري والشعور بالخزي ، بينما الذبيحة تغطي وتستر . 2- وإستمر تقديم الذبائح . فنسمع أن هـابيل قـدم قرباناً للرب من أبكـار غنمه ومن سمانـها (تك4:4) . ولا شك أن فكرة تقديم الذبيحة قد أخذها هابيل عن أبيه أدم , وأدم عرفها من الله . والذي يتضح من ذبيحة هابيل هذه , أنها كانت أفضل ماعنده وأن الله قد قبلها . 3- نلاحظ أن كل الذبائح قبل شريعة موسى كانت محرقات : أي أن النار تظل تحرقها حتى تتحول إلى رماد ( لا 6 : 9 ، 10 ) لا يأكل منها مقدمها ولا أحد من أصحابه ، ولا الكاهن . بل تكون كلها للنار . والنار ترمز إلى العدل الإلهي . أي أن العدل الإلهي يأخذ حقه منها كاملاً أبونا نوح أصعد محرقات علي المذبح من كل الحيوانات الطاهرة (تك20:8) وابراهيم أيضاً قدم محرقة (تك13:22) . وأيوب أصعد كذلك محرقات (أى5:1) . 4- وكانت المحرقات لإرضاء الله الذي أغضبته الخطايا . لذلك لما أصعد نوح محرقاته قيل فتنسم الرب رائحة الرضا .. وقال لا أعود ألعن الأرض أيضاً من أجل الإنسان ( تك 8 : 21 ) .

5- نرى معاني أخرى في ذبيحة الفصح ( خر 12 ) التي كانت ترمز إلى المسيح (1 كو 5 : 7 ) . صدر حكم الله بالموت على جميع الأبكار . وكان الملاك المهلك سيمٌر ويضرب كل بكر من إبن فرعون الجالس على عرشه إلى بكر الأسير الذي في السجن ( خر 12 : 29 ) وأراد الله أن يخلص أبكار بني إسرائيل , فأمرهم أن يذبحوا خروف الفصح , ويرشوا من دمه على أبوابهم . ووعدهم قائلاً ويكون لكم الدم علامة على البيوت , فأرى الدم وأعبر عنكم ( خر 12 : 13 ) وهكذا دخلت في أذهانهم هذه الحقيقة الهامة وهي : الخلاص بالدم ، من الموت والهلاك . ورسخت هذه الحقيقة بمرور الأجيال , إذ أصبح الفصح عيداً يعيدونه كل عام بقول الرب لــهم ويكون هذا اليوم تذكارا ,ً فتعيدونه عيداً للرب في أجيالكم فريضة أبدية ( خر 12 : 14 ) . وأصبح رمزاً للخلاص بدم المسيح . ولذلك ليس غريباً فيما بعد أن يقول القديس بولس الرسول لأن فصحنا أيضاً المسيح قد ذبح لأجلنا , فلنعيد .. ( 1 كو 5 : 7 ) . وارتبط الفصح بالدم . 6- وأدخل الرب في أذهانهم فكرة هامة وهي الكفارة . ففي كل الذبائح التي رتبها موسى لهم لمغفرة خطاياهم كانت تتكرر عبارة الكفارة : سواء ذبيحة المحرقة ( لا 1: 4) , أو في ذبيحة الخطية (لا 4 : 20، 26) . أو في ذبيحة الإثم (لا5 :6،22) , أو في يوم الكفارة العظيم ( لا 16 ) للتكفير عن خطايا الشعب كله ( لا16 :17، 19) وذلك للتقديس والتطهير والصفح عن الخطايا والنجاسات . ولذلك ليس غريباً أن قال القديس يوحنـا الرسول فيمـا بعد : وإن أخطأ أحد , فلنا شفيع عن الآب يسوع المسيح البار . وهو كفارة لخطايانا ليس لخطايانا فقط , بل لخطايا كل العالم أيضاً (1يو2: 1،2) (1يو4 :10) . ولإرتباط دم الذبيحة بالمغفرة , قال القديس بولس مبداً هاماً هو : بدون سفك دم لا تحصل مغفرة ( عب 9 : 22 ) , حسب الناموس . إذن كل تلك الذبائح كانت إعداداً للشعب , لفهم مباديء الكفارة والفداء وغفران الخطايا بالدم , ولذلك كان مقدم الذبيحة يضع يده على رأس الذبيحة ويقر بخطاياه (لا5 :5 ) . فتحمل الذبيحة خطاياه عنه , وتسمى الحمل . وهكذا قال يوحنا المعمدان فيما بعد عن المسيح هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم (يو1: 29) 7- وبمرور الأجيال أصبح اليهود ينتظرون هذا المخلص . حتى ظهر هذا المعني في أسماء بعض أنبيائهم مثل (يشوع) بمعني مخلص . ومثل أشعياء , وهوشع بمعني الله يخلص . وإرتبط هذا الخلاص عندهم بانتظار المسيا أو المسيح . حتى أن السامريين لما تقابلوا مع السيد المسيح , قالوا نؤمن ونعلم أن هذا هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم (يو4:42) . ولم يكتف الرب بتقديم هذه الرموز عن الذبائح وغيرها , بل قدم لهم أيضاً نبوءات عن هذا المسيح المخلص وعمله وصفته : أعدهم بالنبوءات :-

منها ما ورد في سفر أشعياء ها العذراء تحبل وتلد إبناً وتدعو إسمه عمانوئيل (إش 7: 14) . وأيضاً لأنه يولد لنا ولد ونعطي إبناً . وتكون الرئاسة علي كتفه . ويدعي إسمه عجيباً مشيراً , إلهاً قديراً , أباً أبدياً رئيس السلام .. علي كرسي داود (إش 9: 6، 7)0

وعن آلامه وفدائه وحمله خطايانا , قيل أيضاً في سفر أشعياء النبي : وهو مجروح لأجل معاصينا , مسحوق لأجل آثامنا كلنا كغنم ضللنا ، ملنا كل واحد إلي طريقه. والرب وضع عليه إثم جميعنا (إش53: 5، 6) . وقيل أيضاً أما الرب فسر أن يسحقه بالحزن جعل نفسه ذبيحة إثم وأحصى مع أثمه (أش53: 10، 12)0

وقال عنه داود النبي في المزامير ثقبوا يدى وقدمى ، وأحصوا كل عظامي يقسمون ثيابي بينهم , وعلي لباسي يقترعون ( مز22: 16-18) . قال هذا عن السيد المسيح . وقال عن خيانة يهوذا له الذي أكل خبزي ، رفع علي عقبه (مز41: 9)

وما أكثر النبوءات في المزامير وكتب الأنبياء وغيرها . هذه التي قال عنها لتلاميذه بعد القيامة إنه لابد أن يتم جميع ما هو مكتوب عني في ناموس موسي والأنبياء والمزامير .. (لو24:44،27)0

حتى ميلاده في بيت لحم ، نرى في قصة المجوس ، إنه لما سأل هيرودس الكتبة أين يولد المسيح قالوا له : في بيت لحم اليهودية . لأنه هكذا مكتوب بالنبي (مت2: 4-6)

كل ما يتعلق بالمسيح المخلص أعده الله في أذهان الناس برموز ونبوءات , يمكن أن تـقرأ تـفاصيل عنها في كتاب معروف مثل (المسيح في جميع الكتب ) . ويتحقق بها الناس أنه هو المسيح . إعداد الأشخاص :- انتظر الرب حتى أعد فهم الناس للفداء والكفارة والذبيحة , وحتى أعدهم أيضاً بالنبوءات . وانتظر أيضاً حتى أعد الشخصيات التي تعاصر الميلاد , وتشترك في تأدية الرسالة

انتظر حتى تولد العذراء القديسة التي يولد منها المسيح المخلص . العذراء الطاهرة التي يمكن أن تكون أماً لرب المجد و فتحبل به وترضعه بعد ميلاده , ويعيش في كنفها في فترة طفولته . العذراء المتولضعه التي تحتمل مجداً كهذا , بكل ما فيه من ملائكة ورؤى ومعجزات , وتحتمل أن جميع الأجيال تطوبها (لو1: 48) . كانت صفة التواضع لازمة لإحتمال ذلك المجد ، وهكذا تبتهج روحي بالله مخلصي لأنه نظر إلي إتضاع أمته . (لو1: 47، 48)0

وانتظر الرب حتى يولد المعمدان ، الملاك الذي يهيئ الطريق قدامه (مر1: 2) الذي يشهد قائـلاً يأتي بعدي من كان قبلي ، من هو أقوى مني . الذي لست أنا أهلاً أن أحل سيور حذائه (مت3: 11) (يو 27:1) . والذي يقول لست أنا المسيح ، بل أنا مرسل أمامه .. ينبغي أن ذاك يزيد ، وأني أنا أنقص . الذي يأتي من فوق ، هو فوق الجميع . الذي يأتي من السماء هو فوق الجميع (يو3:28_31)

وانتظر الرب الوقت الذي تكمل فيه جوقة الإثني عشر وباقي الرسل والتلاميذ أولئك الذين يحملون رسالته إلي العالم أجمع , وإلي أقطار المسكونه تبلغ أصواتهم , الذين يكرزون به قائلين ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس (اع5: 29) أما نحن فلنا فكر المسيح (1كو3: 16)0

وانتظر حتى يوافق وجود هؤلاء , وجود الكتبة والفريسيين وكهنة اليهود الذين يسلمونه للموت حسداً ، ووجود يهوذا الذي يخونه وكذلك والٍ روماني جبان , يحكم عليه خوفاً من اليهود

وانتظر الرب حتى توجد لغة عالمية تساعد علي انتشار الكرازة هي الغة اليونانية , التي ترجم إليها العهد القديم (اللغة السبعينية) مما يساعد علي إنتشار النبوءات والرموز . وكذلك حكم الرومان الذي بدأ من سنة 30ق.م . وانتشرت به الطرق الرومانية التي تساعد علي انتقال الرسل .. ولما كمل كل هذا انطبق قول الرسول . ولكن لما جاء ملء الزمان ، أرسل الله ابنه مولوداً من إمرأه تحت الناموس , ليفدى الذين تحت الناموس , لننال التبني (غل4: 4، 5) . حقاً إن الله يفعل كل شئ في حينه الحسن , في ملء الزمان , حينما يصير كل شئ ممهداً حسب وفرة حكمته . إنه لا يتأخر ولا يسـرع . وإنما لكل شئ زمان , ولكل أمر تحت السموات وقت (جا3:1) . فلما جاء الوقت , نفذ الله وعده بالخلاص