ماهى الأدلة علي صلب المسيح وموته؟ وماهى شهادة التاريخ عن صلب المسيح

نعم, صلب المسيح و مات. والأدلة على ذلك كثيرة وأكيدة, نذكر منها ثلاثة أنواع:

نبؤات العهد القديم عن صلب المسيح

جاءت في العهد القديم نبوءات كثيرة عن موت المسيح. وهذه النبوءات لم يكتبها المسيحيون, بل كتبت قبل مجيء المسيح بمئات السنين. وحفظها اليهود وهم لا يعلمون أن الذي ولد من العذراء مريم في مدينة بيت لحم هو المسيح الذي تكلم عنه أنبياؤهم. ولا زالت هذه النبوءات في العهد القديم الذي هو كتابهم المقدس ولم يجرؤوا على تحريفها مع أنها تشهد ضدهم. وهذه النبوءات تخبرنا بأن المخلص يموت بديلاً عن الخطاة) إشعياء 53, (وأنهم يثقبون يديه ورجليه) مزمور 22 (أي يصلبونه). وتخبرنا عن الإستهزاء به, وإعطائه خلاً ليشرب إذ عطش وهو على الصليب (مزمور 22 ومزمور 69) وتفاصيل أخرى كثيرة. وحدد النبي دانيال موعد موته فتم حَرْفياً كما تمت النبوءات بكل تفاصيلها.

شهادة التاريخ عن صلب المسيح

إن الذين دونوا لنا الحوادث المتعلقة بموته كانوا شهود عيان, ولم تكن لهم أي مصلحة شخصية في أن يؤلفوا ذلك. والمسيح نفسه أخبرهم مقدما أنه سوف يموت ثم يقوم في اليوم الثالث. وتم هذا فعلاً, وأظهر نفسه لتلاميذه بعد قيامته من الأموات لمدة أربعين يوماً. وهناك مؤرخون عاصروا المسيح وشهدوا لذلك مع أنهم لم يكونوا مسيحيين.

ما أكثر الأدلة التاريخية الصادقة القاطعة والموثوق بها، والتي تحدّثنا عن صلب المسيح وموته وقيامته، وعلى رأس هذه الأدلة شهادة رجال العهد الجديد، وشهادتهم لم تكن شهادة عابرة. إنما شهدوا لحقيقة صلب المسيح وموته وقيامته شهادة تفصيلية وجاءت شهادتهم طبيعية في سياق الكلام، فهي تمثّل خيوطًا من ذات النسيج، وليست رقعة ارتقت بالثوب. بل أنه لم ينل موضوع اهتمام هؤلاء مثلما نال هذا الموضوع، فمثلًا نلاحظ أن مرقس الإنجيلي ويوحنا الحبيب قد أغفلا قصة ميلاد السيد المسيح، وأغفل معلمنا متى ولوقا الإنجيلي قصة صعوده إلى السماء، وأغفل الأربعة مئات المعجزات التي صنعها رب المجد، وأيضًا أغفلوا عظاته على مدار ثلاث سنوات، ولكن واحدًا منهم لم يغفل قط قصة صلب المسيح وقيامته. إنما ذكروا كل شيء بالتفصيل، حتى استغرقت شهادتهم هذه أصحاحات كاملة، فآخِر ثلاثة أصحاحات من إنجيل متى البشير، وآخِر إصحاحين من إنجيل مرقس الإنجيلي، وآخِر ثلاثة أصحاحات من إنجيل معلمنا لوقا، ونحو نصف بشارة يوحنا، كل هذا يحدّثنا عن هذا الموضوع بالإضافة إلى ما جاء في الرسائل وسفر الرؤيا.
وبالرغم من أن الصليب كان حينذاك عار وفضيحة ولعنة، وبالرغم من محبة التلاميذ الشديدة لمعلمهم، فبالتأكيد لم يقصد أحد منهم الإساءة إليه أو التشهير به إلاَّ أنهم جميعًا أصرُّوا على ذكر أحداث الصلب بالتفصيل بالرغم من كراهية وحقد اليهود، وبالرغم من ازدراء الأمـم بالصليب.. فلماذا أصرَّ الرسل على هذا؟.. لأن الصليب هو إعلان محبة اللَّه للبشرية، ولذلك أصرَّ التلاميذ على أن يجعلوا الصليب هو محور كرازتهم، ولم تقوَ كل القيادات اليهودية، ولا الدولة الرومانية على تكذيب أقوال الرسل، ولا على تكميم أفواههم، وذلك بالرغم من أنهم نادوا بموت المسيح وقيامته في أورشليم مركز القيادات الدينية واليهودية، وهي المدينة التي شهدت تلك الأحداث العجيبة، وهذا يقضي بلا شك على أي شك في صدق شهادة التلاميذ، وقد تمسّك هؤلاء بشهادتهم حتى الدم، وضحّوا بحياتهم على مذبح الحب الإلهي دون أن يتخلوا عن الشهادة للمصلوب الذي حطّم جبروت الموت.
وفيما يلى شهادات بعد المؤرخين :

تاسيتوس المؤرخ الروماني (56 120م):

وُلِد تاسيتوس ما بين 52 ـ 55م، وصار حاكمًا لأسيا سنة 112 م. ووصل إلى رتبة قاضي القضاة، وكتب تاريخ الإمبراطورية الرومانية فكتب "الحوليات" منذ موت أغسطس قيصر سنة 14م إلى موت نيرون سنة 68 م.، وكتاب "التواريخ" من موت نيرون إلى موت دوميديان سنة 69 م. في ستة عشر مجلدًا، وقال أن نيرون لكيما يُبعد عنه شبهة حريق روما سنة 64م اتهم المسيحيين وأذاقهم عذابات وحشية "إن كل العون الذي يمكن أن يجيء لإنسان، ولا كل الهبات التي يمنحها أمير، ولا كل الكفارات التي تمنحها الآلهة، يمكن أن تعفي نيرون من جريمة إحراق روما، ولكن لكي يقضي على كل هذه الإشاعة اتهم الذين يُدعَـون مسيحيين ظلمًا، بأنهم أحرقوا روما، وأوقع عليهم أشد العقوبات، وكان الأغلبية يكرهون المسيحيين. أما المسيح -مصدر هذا الاسم- فكان قد قُتِل في عهد الوالي بيلاطس البنطي حاكم اليهودية أثناء سلطنة طيباريوس قيصر، وقد أمكن السيطرة على خرافته، لكنها عادت وانتشرت، لا في اليهودية فقط، حيث نشاهد الشر، ولكن في كل روما أيضًا" (tacettus Annals X V: 44)(53).
وقال البعض أن تاسيتوس قد استقى هذه المعلومات من الإشاعات المنتشرة حينئذٍ، والحقيقة لو أخذنا بهذا المبدأ فإننا سنطعن في التاريخ كله، ونشك في كل حادثة سجّلها المؤرخون ونقول أنها قد تكون إشاعة، وقال البعض ربما تكون هذه العبارات قد أُضيفت بأيدي أحد المسيحيين، وهذا إتهام مردود عليه أيضًا، لأنها لو أُضيفت بيد أحد المسيحيين ما كان يدعو المسيحية بالخرافة، ويقول د. فريز صموئيل "إن هذه الشهادة تحوي في طياتها ما يؤكد صدقها، فهي تحتوي على إتهام نيرون للمسيحيين بحرق روما، وهذا ما تؤكده كل كتب التاريخ"(54).

لارنر المؤرخ الروماني:

يقول: "إن المسيح مُنشئ المسيحيين حُكِم عليه بالموت في مُلك طيباريوس والوالي بيلاطس البنطي، فهذه الخرافة المُهلكة بعد أن انطفأت مدة عادت فهاجمت اليهودية"(55).

التلمود:

جاء في طبعة التلمود المطبوعة في أمستردام سنة 1640م وفي الصفحة رقم 43 "وفي ليلة الفصح علَّقوا يسوع الناصري، وسار المنادي لمدة أربعين يومًا، يعلن كل يوم أنه سيُرجَم لأنه مارَس السحر وضلل إسرائيل، ودعا كل من يعرف دفاعًا عن أن يهب للدفاع، ولكنهم لم يجدوا مَن يدافع عنه، فعلَّقوه ليموت ليلة عيد الفصح"(56).

الحاخام يوحنا بن زكاي:

وهو تلميذ المعلّم اليهودي "هلل" (القرن الأول الميلادي) قال في كتابه: (سيرة المسيح): "إن الملك وحاخامات اليهود حكموا على يسوع بالموت، لأنه جدّف بقوله عن نفسه أنه ابن اللَّه"، ثم قال: "ولمّا كان المسيح في طريقه إلى الموت، كان اليهود يصرخون أمامه قائلين: فلتهلك كل أعدائك يارب"(57).

ديونيسيوس الأريوباغي:

وكان عالمًا في الفلك يعيش في أثينا، وعاين ظاهرة ظلمة الشمس يوم الجمعة العظيمة من الساعة الثانية عشر ظهرًا وحتى الساعة الثالثة بعد الظهر، فقال: "إما أن يكون خالق الطبيعة متألمًا، أو إن العالم أخذ في التمزّق"، وعندما كرز بولس الرسول في أثينا حدث أن "أُناسًا التصَقُوا به وآمنوا. منهم ديُونيسِيوس الأريُوباغيُّ" (أع 17: 34).

اكليمنضس الروماني (30 100م):

يقول في رسالته: "لنركّز أنظارنا على دم المسيح متحققين كم هو ثمين لدى أبيه، إذ سفكه لأجل خلاصنا، وقدّم نعمة التوبة للعالم كله"، كما قال: "لنكرم الرب يسوع الذي قدّم دمه لأجلنا"، وأيضًا قال: "وقد صار الرب يسوع باكورة القائمين من الموت" (راجع القس عبد المسيح بسيط ـ هل صُلِب المسيح حقًا وقام؟ ص 83).
وقال القديس اكليمنضس أيضًا: "لنتأمل دم المسيح، ولنعرف قيمته التي تفوق كل قيمة، فإنه ليس مثل دم الشهداء الذين يموتون من أجل الدفاع عن الحق (وإن كان دم هؤلاء غاليًا وثمينًا في أعيننا) بل أنه دم المحبة الإلهية المعروفة قبل إنشاء العالم للتكفير عن خطايانا"(58).

أغناطيوس الأنطاكي (50 ـ 115م):

وهو تلميذ بطرس الرسول عندما قبض عليه الإمبراطور تراجان وطلب منه أن ينكر المسيح، فرفض متمسكًا بإيمانه بالمسيح فقال له تراجان: "هل تُعني ذلك الذي صُلِب بأمر بيلاطس؟" فهذه شهادة غير مقصودة من الإمبراطور تراجان عما كان متعارف عليه حينذاك على مستوى العالم كله.
وفي رسائله التي أرسلها وهو في طريقه إلى روما قال: "لو لم يمت المسيح فعـلًا، لما كنت أحتمل القيود، وأُسلم نفسي للموت لأجل اسمه" (راجع د. فريز صموئيل ـ موت أم إغماء ص 107، 121).

وأيضًا جاء في رسائله وهو في طريقه إلى روما للاستشهاد: "صُلِب المسيح في حكم بيلاطس البنطي، ومات فعلًا تحت بصر السماء والأرض وما تحت الأرض، وقـام في اليوم الثالث. حُكِم عليه في الساعة الثالثة (أي 9 صباحًا) من يوم الاستعداد، ونُفّذ الحكم في الساعة السادسة (12 ظ) وفي الساعة التاسعة (3 ب. ظ) أسلم الروح، ودُفِن قبل غروب الشمس، وبقيَ يوم السبت في قبر يوسف الرامي.. ومع أنه الديان أدانه اليهود زورًا وحكم عليه بيلاطس ظلمًا، وجُلِد وضُرِب على خده، وتُفِل عليه، ولبس تاجًا من شوك وثوبًا أرجوانيًا، وصُلِب فعلًا، لا بالخيال ولا بالمظهر ولا بالخداع. لقد مات حقًا ودُفِن، وقام من بين الأموات"(59). وقال في رسالته إلى أفسس: "إن روحي هي ضحية الصليب، والصليب هو عثرة لغير المؤمنين، أمّا لنا نحـن فهو خلاص وحياة أبدية" (18: 1)(60).

وفي رسالته إلى سميرنا قال: "أنا أؤمن أنه بعد القيامة كان ما يزال له جسد، وأؤمن أنه هكذا الآن"(61).
وقال القديس أغناطيوس أيضًا: "نحن نؤمن أن المسيح مـات عوضًا عنا من جهة الناسوت، لكنه لم يمت من جهة اللاهوت، لأن اللاهوت غير قابل للموت"(62).. "يوم الرب هو الذي نهضت فيه حياتنا بواسطة قيامة المسيح من بين الأموات"(63).. "إن المسيح تألم لأجل خطايانا، وقام في اليوم الثالث لأجل تبريرنا"(64).

بوليكاربوس (65 155م):

وهو تلميذ يوحنا الحبيب، قال في رسالته إلى فيلبي: "يسوع المسيح سيدنا الذي تحمّل الموت من أجلنا وأقامه اللَّه، حالًا رباطات الجحيم" (1: 2).. "آمنوا بمن أقام سيدنا يسوع المسيح من بين الأموات وأعطاه مجدًا" (21: 1).. "فلنلتصق دائمًا برجائنا وعريس عدالتنا يسوع المسيح الذي حَمَل خطايانا في جسده على الخشبة" (7: 1) (راجع القس عبد المسيح بسيط ـ هل صُلِب المسيح حقًا وقام؟ ص 84) كما قال في نفس الرسالة: "احتمل حتـى الموت لأجل خطايانا، ولكن اللَّه أقامه ناقِضًا أوجاع الموت"(65). وقال أيضًا إن الذي "أقامه من الأموات سيُقيمنا نحن أيضًا إن كنا نفعل مشيئته ونسلك في وصاياه"(66).
وقال القديس بوليكاربوس: "مَن ينكر قيامة المسيح، فهو من أتباع الشيطان".

رسالة برنابا (100م):

جاء فيها "يا إخوتي إذا كان السيد المسيح قد احتمل أن يتألّم من أجل نفوسنا وهو رب المسكونة.. فكيف قَبِل أن يتألم على أيدي الناس" (5: 5).. " أنه هو الذي أراد أن يتألّم هكذا، وكان عليه أن يتألّم على الصليب" (5: 12).. "قد تألم ليحيينا بجراحه، فلتؤمن أن ابن اللَّه لم يتألم إلاَّ لأجلنا، وقد سُقيَ الخل والمرارة عندما صُلِب" (7: 2، 3) (راجع القس عبد المسيح بسيط ـ هل صُلِب المسيح حقًا وقام؟ ص84).

بليني الأصغر Pliny the Younger:

وهو الحاكم الروماني الذي أُرسِل إلى مقاطعة بثينيا ليعيد ضبط الأمور سنة 110م، وأُرسِل خطابًا إلى الإمبراطور تراجان يقول عن المسيحية: "إن هذا المذهب انتشر في كل مدينة وفي كل قرية، فقد هُجّرت هياكل آلهتنا مع مذابحها، ولهذا فقد ألقيتُ الشماسات في السجون لتعذيبهنَّ، وكان رد الفعل هو صلواتهن الحارّة.. وعادة يجتمع المسيحيون قبيل الفجر في يوم مُحدَّد لإكرام المسيح إلههم بالترانيم" (انظر كتاب الآب بولس إلياس اليسوعي ـ يسوع المسيح شخصيته، تعاليمه، ص 12، 13)(67).

يوستين الشهيد (100 165م):

في دفاعه دافع عن القيامة لأن المعاصرين له كانوا يرفضون فكرة القيامة بشدة باعتبار أن الجسد شر والقيامة مستحيلة، وقال أن اليونانيين يتهمون المسيحيين بالجنون "وهم يقولون أن جنون المسيحيين مصدره هو أنهم يضعون إنسانًا مصلوبًا في المقام التالي بعد اللَّه الأبدي وغير المتغير وخالق الكون" (الدفاع الأول فصل 13: 4)(68).

وفي حواره مـع تريفو يقـول "لأنه حقًا بقي المسيح على الشجرة (الصليب) حتى المساء تقريبًا ودفنوه في المساء وفي اليوم الثالث قام ثانية" (69) وفي كتابه عن القيامة قال: "لماذا قام (المسيح) في الجسد الذي تألم به إلاَّ لكي يبيّن قيامة الجسد؟ وتأكيدًا لهذا، فعندما لم يعرف تلاميذه إن كان قد قام بالجسد حقًا.. وكانوا ينظرون إليه بشك قال لهم: أليس لكم إيمان حتى الآن؟ انظروا إني أنا، وسمح لهم أن يجسُّوه ويروا آثار المسامير في يديه، وعندما اقتنعوا تمامًا أنه هو نفسه وفي الجسد، سألوه أن يأكل معهم كي ما يكونوا أكثر يقينًا، أنه قام في جسده الحقيقي، فأكل شهد عسل وسمك"(70).

كما قال أيضًا: "في يوم الأحد يجتمع الذين يعيشون في المُدن والمقاطعات سويًا في مكان واحد، لقراءة مذكرات الرسل وكتابات الأنبياء، لأنه اليوم الأول من الأسبوع الذي قام فيه مُخلصنا من الأموات"(71).

دلائل صلب المسيح في العهد الجديد

هناك دلائل كثيرة في العهد الجديد من الكتاب المقدس تؤيد حقيقة خلاص الإنسان على موت المسيح وقيامته.

فيقول الرسول بولس: إن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب (أي كتب الأنبياء التي سبقت, وإنه دفن, وإنه قام في اليوم الثالث حسب الكتب. (1 كورنثوس 15: 4,3). ويقول أيضاً : لكن الله بين محبته لنا, لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا (روميه 5:8). و قال عن المسيح أيضاً: الذي لنا فيه الفداء, بدمه غفران الخطايا (أفسس 1:7). وهناك آيات كثيرة جداً لا يسعنا المجال لاقتباسها كلها.

نعم صُلِبَ المسيح ومات. مات من أجل خطايانا وقام. وكل من يؤمن به ينال باسمه غفران الخطايا. (أعمال الرسل 10: 43).