لماذا لا يؤمن المسيحيون بأنبياء بعد المسيح وهل تنبأ الكتاب المقدس عن نبي آخر يأتي بعد المسيح؟

زعم البعض أن هناك نبوات كثيرة تنبأ بها الكتاب المقدس، عن نبي المسلمين، بل حاولوا تصوير أن جوهر رسالة السيد المسيح هو البشارة بمجيئه، والأمر الغريب في ذلك أنهم يستشهدون بآيات الكتاب المقدس، ويحاولون تفسير كل كلمة فيها- لا ليستشهدوا بمعناها ومغزاها الحقيقي، بل يفسرونها ويؤولونها حسب ظاهرها، بما يخدم أغراضهم، في الوقت الذي يدّعون فيه أن الكتاب المقدس هو كتاب محرف، ولا يجوز الاعتماد عليه. وعندما نسألهم لماذا تستشهدون بنصوصه إذاً؟ يجيبون: إنه ما يزال يحتوي في داخله على بعض الحق!! أما حكمهم على الحق من غيره فهو مرهون بما يتفق من الكتاب المقدس مع الفكر الإسلامي، فهو الصحيح، أما ما يختلف أو يتعارض فهو محرفاً.

بل ويتعاملون مع الآيات القرآنية الخاصة بالتوراة والإنجيل بنفس الطريقة، فعندما تكون الآية في صالح التوراة والإنجيل، يقال أنهما حُرّفا بعد ذلك، وعندما يقول القرآن الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل (الأعراف:157). يبحثون فيه عما يتصورون أنه آيات صحيحة لم تحرف بعد!! ولكنا نقول لهم : إذا كان القرآن يقول وكيف يحكّمونك وعندهم التوراة فيها حُكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين. إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم به النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء (المائدة:42، 43)، وأيضاً وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون (المائدة:46). فهذا يؤكد صحة ما جاء في التوراة والإنجيل اللذين كانا موجودين أيام نبي الإسلام، لسبب بسيط جداً وهو أننا نملك مخطوطات للتوراة ترجع لما قبل المسيح بـ 200 سنة، ولما قبل نبي المسلمين بأكثر من 800سنة، كما نملك مخطوطات لأجزاء من العهد الجديد ونسخ كاملة من الأناجيل ترجع إلى ما بين 68م، 250م، ومخطوطات كاملة لكل العهد الجديد ترجع لسنة 325م وترجع لما قبل الإسلام بأكثر من 300سنة!! وكلها مطابقة تماماً لما معنا الآن، لأنه مترجم عنها. ومن ثم فعليهم أن يقبلوا كل ما جاء فيها بمنطقهما وفكرهما ومنهجهما في تطبيق ما جاء بهما من نبوات أو يرفضونهما بكل ما جاء فيهما. لا مفر من ذلك، ولا يمكن أن نعتبر أن أجزاء منهما صحيحة، وأخرى محرفة!! وعلى الرغم من اعتقاد البعض أن الكتاب المقدس نُسخ وألغي، إلا أنهم يستشهدون بآياته مادام في ذلك مصلحة، أخذاً بمبدأ الغاية تبرر الوسيلة، والضرورات تبيح المحظورات!!

وكذلك نرى في أسلوب مناقشاتهم وحواراتهم في هذا الموضوع، أنهم يتجاهلون حقائق جوهرية مثل: عقيدة التجسد في المسيحية، وعقيدة المسيح في الإسلام، والمفهوم اليهودي لهذه النبوات.

1- عقيدة التجسد في المسيحية:

بالرغم من الإيمان بلاهوت المسيح كابن الله وكلمة الله الذي من ذات الله والواحد مع الآب في الذات الإلهية لله الواحد، فقد تجسد، واتخذ صورة الإنسانية الكاملة والكلمة صار جسداً وحل بيننا (يو1: 14)، ولأنه اتخذ الإنسانية الكاملة فقد كان كما يقول الكتاب مجربٌ في كل شيء مثلنا بلا خطية (عب4: 15)، وكإنسان مُسح كاهناً وملكاً ونبياً بالروح القدس، ومارس عمل النبوة، ودعي بالنبي هذا يسوع النبي الذي من ناصرة الجليل (مت21: 11).

2- عقيدة المسيح في الإسلام:

لا يؤمن المسلمون أساساً بلاهوت المسيح، وبالرغم من أنه موصوف في القرآن بكلمة الله وروح منه، وأنه عِلم ليوم الساعة، وأنه كان يخلق ويعلم الغيب ويشفي المرضى ويقيم الموتى ويطهر البرص، وأنه أنزل على تلاميذه مائدة من السماء، وأنه كان معجزة في ميلاده وفي حياته وأعماله، وفي رفعه إلى السماء، هذا فضلاً عن عدم مس الشيطان لهإلخ إلا أن الاعتقاد الإسلامي الأساسي في المسيح هو أنه بشرٌ، ونبي وعبد لله وأنه مثل آدم خلق من تراب. 3- كما يجب ألا نتجاهل التفسير اليهودي لنبوات العهد القديم:

فهو كتابهم ولهم قواعدهم في تفسيره وفهمه، مع مراعاة التفسير الصحيح لهذه النبوات كما شرحها وفسرها الرب يسوع نفسه، سواء لليهود، في عصره، أو لتلاميذه. فقد آمن اليهود عبر تاريخهم وعصورهم بمجيء السيد المسيح من نسل إبراهيم واسحق ويعقوب (تك49: 10)، ومن ثم فقد كان اليهود في وقت ميلاد الرب يسوع المسيح يتوقعون مجيئه بناءً على نبوة دانيال النبي التي حسبت زمن مجيئه من إعادة تجديد وبناء أورشليم سنة 457قم حتى ظهوره سنة26م.

4- تطبيق السيد المسيح وتلاميذه لهذه النبوات:

وهنا حقيقة هامة وجوهرية وهي أن الرب يسوع المسيح نفسه وتلاميذه من بعده أكدوا على حقيقة أن جميع النبوات التي وردت في العهد القديم (التوراة) عن النسل الآتي بكل أوصافه كنسل إبراهيم الذي تتبارك به جميع قبائل الأرض، وأنه سيأتي من نسل داود، وأنه سيولد من عذراء في بيت لحم أو الذي سيأتي بالبر الأبدي.الخ قد تمت جميعها فيه. وقد استشهد بها لليهود وشرحها لتلاميذه الذين فسروها هم أيضاً لليهود ولكل البشرية في العالم أجمع. كما كان دائماً يشير إلى ما جاء فيها وكان يستخدم تعبيرات المكتوب، وليتم الكتاب وكما هو مكتوب للتأكيد على أن كل ما كان يفعله كان مكتوباً سابقاً عنه، وعلى سبيل المثال يقول عما جاء فيها عن آلامه موته وقيامته كيف هو مكتوب عن ابن الإنسان أن يتألم كثيراً ويُرذل (مر9: 12).

فقد كانت جميع نبوات العهد القديم عن المسيح المنتظر، وتمت جميعها في شخص وعمل الرب يسوع المسيح تفصيلياً وبكل دقة، ولم يتنبأ الكتاب المقدس مطلقاً عن أي شخص آخر يأتي بعد المسيح.