الحجر الذي رذله البناءون.. إلى من تشير.. هل هى نبؤة عن ظهور الإسلام؟

يقول بعض الكتّاب من الإخوة المسلمين أن ما جاء في (دانيال 2) هو نبوّة عن ظهور الإسلام وامتداده وقالوا أن الممالك الأربع المذكورة في هذا الفصل هي الكلدانيون والمديانيون والفرس واليونان وأن الإسكندر الكبير هزم الفرس وفرق شملها إلا أنها عادت على سابق مجدها فيما بعد وأخذت تضعف تارة وتقوى أخرى إلى زمن كسرى أنوشروان وبعد موت نبي المسلمين قصد إليها جيوش المسلمين وفتحوها وفتحوا ما بين النهرين وفلسطين وعليه فمملكة الإسلام هي المقصودة بالمملكة التي خلفت الممالك الأربع وسادت على كل الأرض (دا44و45).

كما قالوا أيضاً : أن نبوّة دانيال المزدوجة: صورة التمثال كناية عن الشرك الذي يمثل أربعة ممالك وفي زمن الرابعة ينقطع حجر من جبل بغير بد قطعته فيسحق التمثال والممالك الوثنية التي تحمله وصورة ابن البشر الآتي على سحاب السماء لينشئ على الأرض ملكوت الله على أنقاض ممالك العالم (13:7-37) . وقالوا : أن الحجر الذي ضرب تمثال الشرك هو نبي المسلمين وملكوت الله هو الدولة الإسلامية المقامة علي أنقاض الفرس والروم .

وما قدمه هؤلاء الكتاب هنا مليء بالأخطاء الدينية والتاريخية!! وفيما يلي نقدم التفسير الدقيق لهذه النبوة:

فقد رأى الملك نبوخذ نصر ملك بابل تمثال عظيم بهي ومنظره هائل مصنوع من أربعة معادن أساسية هي الذهب والفضة والنحاس والحديد رأس هذا التمثال من ذهب جيد . صدره وذراعاه من فضة . بطنه وفخذاه من نحاس . ساقاه من حديد . قدماه بعضهما من حديد والبعض من خزف . ثم وفجأة قطع حجر بغير يدين فضرب التمثال على قدميه اللتين من حديد وخزف فسحقهما . فانسحق حينئذ الحديد والخزف والنحاس والفضة والذهب معاً وصارت كعاصفة البيدر في الصيف فحملتها الريح فلم يوجد لها مكان . أما الحجر الذي ضرب التمثال فصار جبلاً كبيراً وملأ الأرض كلها .

وقد أوضح الله لدانيال النبي ثم لنبوخذ نصر أنه قد رمز في هذا الحلم وهذه الرؤيا بالمعادن الأربعة لأربع ممالك ، إمبراطوريات ، ستقوم على الأرض بالتتابع إلى أن يأتي في أيام الأخيرة ملكوت المسيح . وقد رمز إلى كل إمبراطورية بمعدن خاص يبين جوهرها ويخلع عليها بعض الصفات التي ستكون السمة المعروفة بها .

الإمبراطورية الأولى هي بابل (626-539ق م) ، الإمبراطورية الثانية مادي وفارس (539-331 ق م)، الإمبراطورية الثالثة اليونان (331-323ق م)، أما الرابعة فهي روما (58 ق م-476م) .

ثم جاءت المملكة الخامسة ملكوت السموات فغزت جميع هذه الإمبراطوريات وسادت عليها ، ولكن روحياً !! فلم تدمرها وتلغي حكوماتها وسيطرتها كما فعلت كل إمبراطورية مع سابقتها ، بل غزتهم جميعاً روحياً ، إنها مملكة المسيا ، المسيح المنتظر ، والتي بدأت في أيام الإمبراطورية الرابعة واستمرت في وجودها أيضا ، إذ تقول النبوة في الحلم والرؤيا : وفي أيام هؤلاء الملوك يقيم إله السموات مملكة لن تنقرض أبداً وملكها لا يترك لشعب آخر .

أنها مملكة المسيح الروحية التي انتشرت بالكرازة بالإنجيل للخليقة كلها وليس بقوة السيف والجيوش لأن كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون (مت52:26) ، وليست مثل الممالك الأخرى التي انتشرت بالغزوات والمعارك الحربية وقوة الجيوش !! وقد ولد الرب يسوع المسيح في أيام هذه الإمبراطورية ، الرابعة ، وجاء ميلاده في بيت لحم بسبب أمر قيصرها ، إذ يقول الكتاب وفي تلك الأيام صدر أمر من أغسطس قيصر بأن يكتتب كل المسكونة (لو1:2) ، ويؤرخ لبداية خدمة يوحنا المعمدان سفير المسيح بتواريخ إمبراطورها وولاتها وفي السنة الخامسة عشرة من سلطنة طيباريوس قيصر إذ كان بيلاطس والياً على اليهودية .. كانت كلمة الله على يوحنا بن زكريا في البرية (لو1:3-3) . وصلب الرب يسوع المسيح بحسب قوانينها (يو12:19) .

الحجر الذي قطع بدون يدين قال دانيال النبى في إعلانه لما جاء برؤياه وحلم نبوخذ نصر كنت تنظر إلى أن قطع حجر بغير يدين فضرب التمثال على قدميه اللتين من حديد وخزف فسحقهما . فانسحق حينئذ الحديد والخزف والنحاس والفضة والذهب معاً وصارت كعاصفة البيدر في الصيف فحملتها الريح فلم يوجد لها مكان. أما الحجر الذي ضرب التمثال فصار جبلاً كبيراً وملأ الأرض كلها . وقال في التفسير وفي أيام هؤلاء الملوك يقيم إله السموات مملكة لن تنقرض أبداً وملكها لا يترك لشعب آخر وتسحق وتفنى كل هذه الممالك وهى تثبت إلى الأبد . لأنك رأيت أنه قد قطع حجر من جبل لا بيدين فسحق الحديد والنحاس والخزف والفضة والذهب .

هذا الحجر الذي قطع بدون يدين وسحق كل هذه الممالك وملأ ملكوته الأرض كلها ، كما يؤكد الكتاب المقدس هو المسيح وليس نبي الإسلام كما قال بعض هؤلاء الكتاب !! فقد وصف في نبوات داود بحجر الزاوية الحجر الذي رفضه البناؤون قد صار رأس الزاوية . من قبل الرب كان هذا وهو عجيب في أعيننا (مز 22:118،23) ، وفي نبوات إشعياء النبي بحجر الزاوية وحجر الامتحان هكذا يقول الرب . هأنذا أؤسس في صهيون حجراً امتحان حجر زاوية كريماً مؤسساً (إش16:28) . وقد أشار الرب يسوع المسيح إلى نفسه بآية داود النبي وأكد أنه هو الحجر الذي يسحق كل من يسقط عليه كل من يسقط على ذلك الحجر يترضض . ومن يسقط عليه هو يسحقه (لو18:20) ، وهكذا أشار القديس بطرس أيضا إلى الرب يسوع المسيح في خطابه لرؤساء اليهود فليكن معلوما عند جميعكم وجميع شعب إسرائيل انه باسم يسوع المسيح الناصري الذي صلبتموه انتم الذي أقامه الله من الأموات . بذاك وقف هذا أمامكم صحيحا . هذا هو الحجر الذي احتقرتموه أيها البناؤُون الذي صار رأس الزاوية . وليس بأحد غيره الخلاص (أع10:4و11) .

وهذا كان إيمان اليهود قبل المسيح إذ أجمعوا على أن الحجر الذي قطع بدون يدين في سفر دانيال النبي هو المسيح المنتظر، يقول توماس سكوت Scott وقد اجمع اليهود بدون استثناء أن المقصود بهذا الحجر هنا هو المسيا ، وقال كاندلر Chandler الذي أيد رأيه باقتباسات من كتابات كثيرة للربيين اليهود : أسأل اليهود ، ما المقصود بالحجر؟ فيجيبون كرجل واحد ؛ المسيا . اسأل عن التمثال الذي حطمه الحجر على أصابعه ، فيقولون بالإجماع : إنها الإمبراطورية الرومانية . اطلب المعنى المقصود بمملكة الجبل ، فيتفقون على إنها مملكة المسيا التي ستمتد بنفسها ، وتخضع كل الممالك وتكون مملكة أبدية . فهكذا تعلم الشعب ، وكان مُعد أن يسمع من يوحنا المعمدان ومن ربنا المبارك يسوع المسيح ، الحديث عن ملكوت السموات .

وهذا كان أيضا إيمان الكنيسة الذي استلمته من رسل المسيح وتلاميذهم . وقد أجمع آباء الكنيسة على أن عبارة قطع بغير يدين تعني ولادة الرب يسوع المسيح بدون زرع بشر ، أنه الحجر الذي قطع بغير يدين لأنه لم يولد كسائر مواليد البشر إنما ولد من الروح القدس، بعمل الروح القدس.

صفات ملكوت الله

وقد تصور بعض الكتّاب من الإخوة المسلمين أن في قول المعمدان ثم الرب يسوع وتلاميذه توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السموات إشارة إلى الإسلام ونبي المسلمين !! واستخدموا بعض الأمثلة مثل مثّل الكرمة والكرامين الأردياء والذي يشير فيه إلى قتل الابن وصلبه (مت33:21-44) ، وغيرهما من الأمثلة إشارة إلى الإسلام ونبي المسلمين !!

ونقول لهم أن ملكوت الله ، ملكوت المسيح ، في الكتاب المقدس وفي هذه النبوة بالصفات التالية: أن ملكها هو الرب يسوع المسيح ، ملك الملوك ورب الأرباب (رؤ16:19) ، والذي قال عن نفسه انه رئيس ملوك الأرض (رؤ5:1) ، والذي لن يحكم بالسيف أو القوة كما قال هو ، بل بالروح والحق مملكتي ليست من هذا العالم (يو36:18) . هذه المملكة لم تؤسس بالقوة ولم يؤسسها بشر ، بل مؤسسها هو إله السموات يقيم إله السموات مملكة لن تنقرض ، وملكها وحاكمها هو ابن الإنسان الأتي على سحاب السماء والذي تتعبد له جميع الشعوب والأمم والألسنة (دا14:7) . إذاً فالمملكة أصلها سمائي وحاكمها هو الآتي من فوق والذي يأتى من فوق هو فوق الجميع (يو31:3) .

كما أنها مملكة روحية ، كما قال الرب يسوع المسيح ولما سأله الفريسيون متى يأتي ملكوت الله أجابهم وقال لا يأتي ملكوت الله بمراقبة . ولا يقولون هوذا ههنا أو هوذا هناك لأن ها ملكوت الله داخلكم (لو17:20و21) ، أنها مملكة أبدية لن تنقرض مملكة لا تنقرض وملكها لا يترك لشعب آخر ، ولن تستطيع أية قوة سواء مادية أو روحية على هزيمتها ، كما قال الرب يسوع نفسه وأبواب الجحيم لن تقوى عليها (مت18:16) . فهي لن تهزم مثل الإمبراطوريات العالمية السابقة ولن تضمحل ولن تزول ، فهي مملكة روحية ليست من هذا العالم وملكها هو ملك الملوك ورب الأرباب والذي تجثوا له كل ركبة سواء في السماء أو على الأرض . إنها مملكة إلهية بمعنى الكلمة أصلها من السماء وقد تأسست على الروحيات والآيات والمعجزات والنبوات وقائدها هو المسيح من السماء بروحه القدوس.

القمص عبد المسيح بسيط