أعلاه، عبارة سينمائية لها وقع طيب، قالها صلاح الدين لقيادات جيشه قاصدًا الجندى عيسى العوام من مسيحيى بيت المقدس، مدافعا عن أرضه ضد الغزو الصليبى.
هل كان جند صلاح الدين ينتظرون وصيته بالتهنئة، ولماذا لم يبادروا من تلقاء أنفسهم بالتهنئة المستوجبة؟!.
نفس المشهد وكأنهم ينتظرون فتوى من المفتى العلامة الدكتور نظير عياد، التهنئة موقوفة على الفتوى، ورغم صدور مئات الفتاوى تضمها موسوعة الفتاوى الموسمية بدار الإفتاء المصرية وجميعها تجيز التهنئة، وتحبذها محبة.
ما نعانيه ما يسمى الإلحاف هو الإلحاح الشديد والإصرار المتكرر فى السؤال أو الطلب، وهو مأخوذ من كلمة لحاف لأن السائل الملحِف يلتزم السؤال ويُلحّ عليه، ونهى عنه النبى، صلى الله عليه وسلم، ومدح الله تعالى الذين لا يسألون الناس إلحافًا، أى لا يكررون السؤال ويحافظون على كرامتهم.
مثل هذه الفتاوى التى تلح عليها منصات إلكترونية جد مزعجة، سيما أنها تتكاثر شيطانيا، والشيطان يكمن فى التفاصيل، ومنها: هل اقتناء شجرة الميلاد حلال، سؤال ينتهى بسؤال، وسؤال توليد من سؤال، لقد ضجر المفتى من الأسئلة المكرورة.
حنانيكم، لَا تُلْحِفُوا فِى الْمَسْأَلَةِ الْمَسِيحِيَّة، إزاء إلحاح مرضى، لا يمر عيد إلا وسؤال تهنئة المسيحيين حاضرا، مفروض تجاوزنا هذه المرحلة السلفية التى حكم فيها العقل المتسلف المدينة.
غادرنا محطة السلفية التمييزية العنصرية إلى محطة المواطنة الكاملة، أو هكذا أعتقد.
الآثار الجانبية للجائحة السلفية لاتزال معدية، والمخلفات السفلية مترسبة فى قاع النهر، والدليل سؤال مكرور، وإجابته متكررة، والعجيب لا السائِل يكف عن السؤال ولا المفتى يكف عن الإجابة!!.
سؤال المسيحيين بات من طقوس العيد، لازم إدخال المسيحى فى جملة مفيدة، واستدعاء الجار المسيحى لإثبات سماحة.
لافت فى غالب الأسئلة المنشورة تسييد نظرية اليد العليا، باعتبار المسلم يهنئ، ويهدى ويتصدق، والمسيحى متلقى الهبات والنفحات والصدقات.. ومنتظر التهنئة من جاره على بسطة السلم!.
ما تحمله الأسئلة من استجداء المواطنة، للأسف تعبير عن حالة مرضية تلبست البعض ممن يتبضعون العطف على المسيحيين، وكأن المسيحى ينتظر تحية الصباح من المسلم، والمسلم ينتظر بدوره فتوى من شيخه، وهكذا دواليك ندور فى حلقة مفرغة.
وتهنئة المسيحيين مستحبة، وكأن المسيحيين سيؤجلون قداس عيد الميلاد لحين يتحنن عليهم سابع جارٍ مسلم ويعيد عليهم، وطبعا الجار المسلم ينتظر فتوى بجواز التهنئة!!.
متلازمة فتاوى الأعياد والمواسم الدينية باتت مرضية، والمتلازمة مجموعة من العلامات والأعراض التى تحدث معًا بشكل متزامن.. مع قدوم الأعياد تقام على المنصات السلفية مزادات لجمع الحسنات هل تجوز العيدية للزوجة
المسيحية من زوجها المسلم، هل يعيد عليها الزوج المسلم فى عيد الميلاد، هل يصحبها إلى القداس؟.. ويرد مولانا، لا مُشَاحَّةَ فِيمَا تقَدَّمَهُ، وَلاَ مُمَاحَكَةَ فِيهِ، إِنَّهَا وَاضِحَةٌ بَيِّنَةٌ، مُسْتَحَبٌّ والله أعلم.
فى الحالة المجتمعية المصرية ينظرون إلى المسيحى باعتباره مفعولا به، قطب سالب ينتظر العطف والحنية والصدقة والهدية، وكأن المسيحى ربنا سخره للمسلمين ليجمعوا عليه حسنات فى الدنيا والآخرة.



