القائمة الأقباط اليوم أبحث
أهم الأخبار

«صبحي»... المايسترو يشرقُ في «الأمم المتحدة» بقلم فاطمة ناعوت

ليس كلُّ تكريم يُكتب بالحبر ويسطعُ بالأوسمة. بعض التكريمات تُكتب بوهج مِداد أصحابها، وتُصاغ برهافة الموهبة وصلابة الموقف. الفنان المحترم محمد صبحى من هذا النوع الذى إذا تكلّم، توقف التاريخُ

«صبحي»... المايسترو يشرقُ في «الأمم المتحدة» بقلم فاطمة ناعوت

ليُنصِت. حين أعلنت الأمم المتحدة، عبر منصّة اتحاد المبدعين العرب، منحه وسام التفرّد فى الإبداع الثقافى ليكون سفير المبدعين العرب فى الأمم المتحدة، لم يكن التكريمُ شهادةً لـصبحى وحسب، بل شهادةً

لمصرَ التى لا تتوقّف عن إنجاب الأساتذة فى جميع الحقول، وإقرارًا من التاريخ أنه لا يغفلُ عن فرائده. فى مسرح مدينة سنبل أشرق صبحى بكامل بهائه ليتسلّم درع التكريم من الدكتور أحمد نور رئيس اتحاد

المبدعين العرب، فى مشهدٍ تاريخى أبهج قلبَ مصر وهى تحتفى، مع نخبة من رجال الدولة والإعلاميين والفنانين والأدباء، بواحدٍ من أنبل فنانيها، استطاع أن يتجاوز حدود وطنه، ليصبح جزءًا من ذاكرة العالم الثقافية.

صبحى ليس فنانًا مثقفًا وحسب. بل هو صانعُ وعى. مهندسُ ضمير. معمارىٌّ يمزج الفن بالفكر عبر سلسال الكوميديا؛ فغدا أسطورة لا تتكرر. على خشبته لا تقف الشخصياتُ، بل تقفُ الأسئلة. الأسئلة التى نخشى طرحها رغم

موارها فى عقولنا، فيُصرّ هو على انتزاعها من صدورنا وإطلاقها فى الهواء. يكفى أن يبدأ المشهدُ فينهض شىءٌ داخلنا، شىء لا يوقظه إلا الفنُّ حين يكون صادقًا لا يتورّط فى الزيف ولا يبيع موهبته على عتبات الضوء.

أسمّيه: مايسترو؛ لأنه مُعلِّمٌ وقائدٌ يحمل عصا وجدانٍ تُحرّك الوعى الجمعى. مَن تابعه يعرف أنه تجاوز كونه فنّانًا جميلًا، بل صار مشروعًا حضاريًّا متكاملًا. منذ هاملت وحتى فارس يكشف المستور،

والقادم بإذن الله، ظلَّ الرجلُ يشتغل بالورقة والقلم والضمير، دون أن ينشغل بالتصفيق والأضواء. آمن، وجعلنا نؤمنُ معه، بأن المسرح ليس تسلية أو ترفيهًا، بل محكمةٌ، ومرآةٌ، وجرسُ إنذار. جميع

أعماله فى السينما والدراما التليفزيونية والمسرح حملت همومَ الوطن ومحنة الإنسان. على خشبته، الشخصية لا تُجسَّد، بل تُحاك. والحكايةُ لا تُقال، بل تُصارع. والضحكةُ لا تُرفّه، بل تفتح نافذة الوعى والتأمل.

أدرك المايسترو بوعى مهندس المسارح القديمة، أن الجمهور شريكٌ لا متفرّج، والفنان ليس ممثلًا بل ضميرًا يشتعل. ولذلك نخرج من مسرحه، أخفَّ وأثقلَ. نتخفّفُ من الزيف، ونُثقَل بالأسئلة.

فاطمة ناعوت - المصرى اليوم
04 ديسمبر 2025 |