يقال إن المستحيلات سبعة، وأشهرها عند العرب، المستحيلات الثلاثة، (الغول، العنقاء، والخِلّ الوفى).
عند الفلسطينيين وفى أدبياتهم السياسية، المستحيلات أربعة بإضافة المصالحة الفلسطينية التى تجمع الإخوة الأعداء (فتح وحماس وفصائل أخرى).
المصالحة لم تعد مستحيلة أو من المستحيلات، باتت ممكنة، قاب قوسين أو أدنى، المصالحة تستكمل أوراقها لتقدمها للشعب الفلسطينى لاعتمادها مستقبلا.
بيان الفصائل الفلسطينية المجتمعة فى القاهرة بدعوة كريمة من الرئيس عبد الفتاح السيسى جعل المستحيل ممكنا، وهذا من عزم الأمور، ويقال خيرُ الأمور عوازمُها؛ أى فرائضُها، والمصالحة باتت فرض عين على كل فصيل فلسطينى، والنكوص عنها، أخشى تصنف خيانة للأرواح التى بذلت فى سبيل الحق الفلسطينى.
يقال إذا اجتمع فلسطينيان، الشيطان ثالثهما، والشيطان يكمن فى التفاصيل، وتصفيد وتقييد الشياطين التى تفتن الفصائل حول قضيتها، ليس بالهين ولا باليسير، إلا على من خبر القضية، وغاص فى تفاصيلها، ووقف على حروفها.
والرئاسة المصرية (وفريقها المفاوض) فى الملف الفلسطينى كما قال القلقشندى وأهل مكة أخبر بشعابها وهم أخبر بشعاب القضية الفلسطينية، فى قلب القضية، وفى القلب منها.
لماذا تثق الفصائل فى المفاوض المصرى، لأنه مثل (الملاك الحارس) على القضية، والملاك الحارس نوع من الملائكة مُكلَّف بحماية وتوجيه شخص أو جماعة أو أمة إلى بلوغ الأمانى العذاب وهى صيغة مستوحاة من الشعر والأدب العربى، وتشير إلى أمنيات تحمل معنى الاشتياق. لولا جهود المؤتمنين فى فريق الرئاسة على الأمانة، لكان للقضية وجه آخر، ومصير لا يتخيله مراقب للعواقب والمآلات.
ما كان معدا لغزة والضفة من مخطط احتلال كامل، أجهضته الجهود المصرية المخلصة.
وقفت مصر حائلا دون احتلال غزة وإعادة احتلال الضفة، وأجهضت مشاريع دولية تصب فى قناة تصفية القضية.
أن تجتمع فتح وحماس فى القاهرة، وتتجمع الفصائل على كلمة سواء كان من المستحيلات تحريك مواقف الفصائل من موقف العداء المستحكم، ألد الأعداء، إلى موقف وطنى موحد على مبادئ أساسية تعنى بالمصالحة ووحدة الصف الفلسطينى فى لحظة وجودية، لم يكن ممكنا دون الوسيط المصرى.
الاحتضان المصرى للمصالحة، ونجاح المفاوض المصرى فى الجمع بين الأضداد جميعا لصالح الشعب الفلسطينى والقضية، فى ميزان حسناته السياسية.
واقعية الطرح المصرى، وحياديته، وقدرته على صوغ معادلة تعايش بين الفصائل، جعلت المستحيل ممكنا.
مصداقية الدور المصرى، وحيويته فى طرح البدائل الواقعية، جمع الفصائل على كلمة سواء، ما يؤطى لحشد القوى المحبة للسلام حول حل الدولتين.
توقفت مليا أمام جملة فى بيان الفصائل الفلسطينية المجتمعين فى القاهرة تحت الرعاية الرئاسية المصرية.
بحسب البيان، أن الوقت من دم، واللحظة الراهنة مصيرية فيها استشعار بأنها لحظة وجودية فارقة فى تحديد مصير الدولة الفلسطينية.
الوقت من دم، ويكلف مزيدا من الأرواح، ونزيف الشعب الفلسطينى لم تعد تحتمله الضمائر الحية.
الوقتُ من دم، وكذا هى حياةُ الفلسطينى وهو يئِنُّ تحت وَطأةِ احتلالٍ فاشى، يتحين الفرصة للانقضاض على اتفاق شرم الشيخ، تحت ذرائع واهية، ونزيد من قول الشافعى: الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك.
لم نعد نملك رفاهية الوقت، والفرصة سانحة لاقتناص الدولة الفلسطينية من فم نتنياهو، وسموتريش، وإيتمار بن غفير، الإجماع الفلسطينى الذى يترجمه بيان القاهرة نقطة تحول حقيقية نحو وحدة وطنية دفاعا عن الشعب الفلسطينى وحقه فى الحياة والكرامة والحرية.
وفى التحليل الأخير، الملاك المصرى الحارس يتوفر بإخلاص ومسؤولية على صون أمانة القضية الفلسطينية وحقوق الأجيال القادمة، وحق الشعب الفلسطينى فى تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.



