فى لحظة إعلامية شديدة القتامة، يتراجع فيها دور الصحفى إلى مجرد وسيط بلا موقف، ويتحول الحوار إلى استعراض مدفوع الثمن، يطل عماد الدين أديب كواحد من أكثر النماذج وضوحا على هذا التحول المخيف.

إعلامى لم يأتِ من خلفية نضال مهني، ولا انحياز حقيقى للجمهور، بل من دوائر السلطة والمال والامتيازات، حيث تصاغ المواقف بما يناسب الممول لا ما يحتاجه المتلقي.
الحوار الأخير الذى جمعه بيائير لابيد، زعيم المعارضة الإسرائيلى على شاشة سكاى نيوز عربية، لم يكن مجرد سقطة مهنية، بل كان فعلا متعمدا يعكس طبيعة الدور الذى يلعبه عماد الدين أديب منذ سنوات.
جلس أمامه كأنه موظف فى قسم العلاقات العامة بوزارة الخارجية الإسرائيلية، يمهد الأرض، وينصت فى صمت، ويبتسم بتواطؤ، بينما الضيف يجمل الاحتلال، ويبرر الإبادة، ويشيطن المقاومة.
لم تكن هناك مقاطعة، ولا حتى محاولة للتوازن الشكلي، بل استسلام كامل لصيغة إعلامية لا تستهدف الحقيقة، وإنما تهيئة الوعى العربى لتقبل السردية الصهيونية باعتبارها الرأى الآخر، والنتيجة كانت لقاء بلا شرف، وحوارا بلا ندية، ومشهدا يدرس فى كليات الإعلام كنموذج لما لا يجب أن يكون.
لكن القصة لا تبدأ من هنا، عماد الدين أديب، ومنذ مطلع الألفية، لم يعرف بموقف واضح من أى قضية عادلة فى المنطقة، بل دائما ما كان يختار الوقوف فى منتصف المسافة بين القاتل والضحية، متذرعا بالتحليل الموضوعي، وهو فى حقيقته تسويق ناعم لأجندات كبرى.
فى ظهوره الإعلامى لسنوات، لم يكن أديب إلا صوتا للنظام السياسى أيا كان، يروج له، يبرره، ويقدمه بصورة ناعمة مغلفة بالكلام الهادئ.
امتد ذلك من دفاعه المتكرر عن مبارك، وإشادته بأداء صفوت الشريف وعمر سليمان، إلى انخراطه فى تسويق صورة الاعتدال العربي الجديد، الذى يرى فى التطبيع مع إسرائيل خيارا استراتيجيا.
وفى أكثر من مناسبة، عبر أديب عن انفتاحه التام على زيارة تل أبيب، بل تفاخر بأنه زارها أكثر من خمس مرات، ولم يخف إعجابه بـالنظام هناك.
لم يكن ذلك نابعا من موقف بحثى أو صحفي، بل من قناعة راسخة بأن الرهان على إسرائيل هو بوابة العبور إلى مراكز القرار الدولية والإقليمية.
المؤسسات الإعلامية التى أطلقها أو أدارها لم تكن سوى أدوات فى هذا المشروع، تخدم خطابا ناعما لكنه مخترق.
صحف اقتصادية ظاهرها الاستثمارات، وباطنها ترويج لسياسات الانفتاح على الغرب دون خطوط حمراء، منصات رقمية تتعامل مع الاحتلال كدولة عادية، وتقدم الضحية فى شكل الجاني، تحت شعار الحوار الحضاري.
حتى حين ابتعد عن الشاشة لسنوات، ظل أديب حاضرا من خلف الستار، كصاحب علاقات لا صاحب رأي.
لا يكاد يظهر فى أى مشهد سياسى إلا وكان أداؤه امتدادا لنفس المدرسة المرتكزة على التفهيم لا الفضح، التبرير لا الإدانة، الاستضافة لا المواجهة.
والمحصلة هى إعلامى مهنى من حيث الشكل، لكن بوظيفة أقرب إلى رجل علاقات عامة لمشاريع كبرى لا يعلن عنها صراحة.
عماد الدين أديب لم يكن وحده فى هذا الدور، لكن مكانته وسطوة اسمه منحتاه قدرة أكبر على تمرير الرسائل الخطيرة بلباقة محسوبة.
وفى الوقت الذى كانت فيه غزة تدفن حية، جلس هو على مقعده الوثير، يسأل بلا سؤال، ويدير الحوار كما لو كان إعلانا ترويجيا لدولة تدار بالدم.
الخطير فى نموذج أديب أنه ليس صريحا، بل يتخفى وراء كلمات كبيرة مثل الواقعية السياسية والحكمة والتوازن، لكنه فى جوهره انحياز كامل لمعادلة اختارت فيها بعض النخب العربية أن تبيع القضية مقابل شرعية مؤقتة، أو فرصة للبقاء فى صدارة المشهد.
وأخيرا.. لا يمكن قراءة سلوك عماد الدين أديب خارج السياق السياسى الذى يحتضنه ويغذيه. فالرجل ليس مجرد إعلامي، بل جزء من منظومة أكبر، تلعب دورا محوريا فى صياغة وعى عربى جديد، منزوع القيم، لا يعرف عدوه من صديقه، ولا يميز بين القاتل والشاهد. إعلام لا يحترق دفاعا عن الحقيقة، بل يحترق لهاثا وراء النفوذ والمال.