القائمة الأقباط اليوم أبحث
أهم الأخبار

مقال.. الطب والإبداع .. بقلم د. خالد منتصر

بقلم د. خالد منتصر

الطب ليس علماً جامداً متجهماً كما يتخيل الكثيرون، فهو مساحة إبداعية، وفيه من اللمسات الفنية ما يجعل التشخيص عملية إبداعية، والجراحة نحتاً فنياً.

مقال.. الطب والإبداع .. بقلم د. خالد منتصر

الطب والأدب والفن تهتم بـالإنسان، الطب يعالج جسد الإنسان وألمه العضوى، الأدب يعالج روح الإنسان وألمه النفسى والاجتماعى، كلاهما يسعى للفهم،والشفاء، والتخفيف من المعاناة،

الطبيب يُشخّص الألم، والأديب يُعبّر عنه، إبراهيم ناجى الطبيب شرح المشاعر فى قصيدته الأطلال، وكأنه يُمسك بمشرط جراحة، يوسف إدريس فى قصصه القصيرة، سواء التى تناولت موضوعات

طبية مثل آهات الألم لمريض سرطان المثانة الذى زاره فى بيته، وصراع الميلاد والموت فى المستشفى، والقصة الرمزية فى الأورطى، أو موضوعات غير طبية، مثل بيت من لحم، وأكان لا بد يا

ليلى أن تضيئى النور، والحرام وغيرها من القصص والروايات، تحس أنه لو لم يكن طبيباً لكان من المستحيل أن يصل إلى تلك الأعماق، ورائد جراحة العظام محمد كامل حسين، صاحب رواية قرية

ظالمة، التى كتبها فى الخمسينات، هو صاحب رؤية فلسفية بجانب الرشاقة الأدبية، وكذلك محمد المنسى قنديل ومحمد المخزنجى، قمة الإبداع وسلاسة التعبير، الاسم القديم للطبيب وهو الحكيم ينطبق عليهم.

وإذا نظرنا إلى الأطباء الأدباء العالميين سنجد على رأسهم رائد القصة القصيرة والكاتب المسرحى البارع أنطون تشيكوف، الذى درس الطب فى جامعة موسكو وتخرج عام 1884، ورغم عمله ككاتب، لم يترك الطب أبداً، وكان يعالج الفقراء مجاناً، ويقوم بجولات

تطوعية فى الريف الروسى، وقد قال الطب هو زوجتى الشرعية، والأدب عشيقتى، والذى أثر على كتّاب كبار مثل: هيمنجواى، كافكا، وفوكنر، وتسلل أسلوبه الإنسانى فى الطب إلى أدبه، فصار يُشخص الألم النفسى والاجتماعى، كما يُشخص الطبيب الألم الجسدى، ومن أقواله:

■ على الطبيب ألا ينسى أبداً أن المريض أمامه إنسان، لا حالة سريرية.

■ دور الفنان أن يطرح الأسئلة، لا أن يجيب عنها.

■ لو كتبنا القصة كما هى فى الواقع، لكانت مملة، الفن يجعلها أكثر إنسانية.

هناك سومرست موم صاحب حد الموس الذى درس الطب فى كلية الطب بسانت توماس - لندن، وخلال تدريبه السريرى، شاهد معاناة الناس الحقيقية فى الأحياء الفقيرة، مما أثر على أسلوبه الواقعى الحاد، وكتب أول رواية أثناء دراسة الطب، ثم ترك المهنة تماماً بعد نجاحه الأدبى. وقال:

■ الطب كان مدخلى لفهم الألم الإنسانى.. لكنه لم يكن طريقى.

موم أعطى صوتاً للناس العاديين، المصابين بالضعف والتردّد والقلق، وجعل من الرواية وسيلة لتشريح النفس الإنسانية (كأنه طبيب نفسى أدبى)، وكان كارهاً للزيف الاجتماعى، وهاجم النفاق البرجوازى

والدينى، وأثّر على كتّاب كبار إنجليز وأوروبيين، وهناك خالد الحسينى الأفغانى الأمريكى الذى درس البيولوجيا فى جامعة سانتا كلارا (1988)، ثم حصل على شهادة الطب من جامعة كاليفورنيا - سان دييغو (1993)

وعمل كطبيب باطنى فى مركز سيدارز - سايناى فى لوس أنجلوس، ثم فى كاليفورنيا حتى تقاعده تقريباً عام 2004، وهو صاحب الرواية الشهيرة The Kite Runner (2003)، التى حققت نجاحاً هائلاً لأكثر من 101 أسبوع على قائمة

نيويورك تايمز، ويعمل الآن كسفير نوايا حسنة لمفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة (UNHCR)، وأسس مؤسّسة خالد حسينى لدعم اللاجئين والعائدين لأفغانستان من خلال المأوى والتعليم والرعاية الصحية، من أجمل أقواله:

Stories remain our best teachers of empathy ■

■ القصص تبقى أفضل معلمى التعاطف.

■ الطب هو تضميد جراح الإنسان بالعلاج الجسدى وأيضاً بالإبداع الفنى.

خالد منتصر - الوطن
01 يوليو 2025 |