القائمة الأقباط اليوم أبحث
أهم الأخبار

البروفيسور «أحمد عكاشة» .. بقلم فاطمة ناعوت

بقلم فاطمة ناعوت

(سعدتُ كثيرًا بقراءة مخطوطة كتاب: عمر من الشرنقة.. للطيران، بقلم الأمّ الحنون فاطمة ناعوت التى اكتشفتْ مدى فهم نجلها عمر للحياة بطريقة تختلف عما يُسمى: عادى. فقد اعتدنا أن

البروفيسور «أحمد عكاشة» .. بقلم فاطمة ناعوت

نُطلق أحكامًا خاطئة على مَن يختلفُ عنّا، أحكامًا ظالمة من قبيل: مريض، معوّق، مختلّ نفسيًّا، مجنون... إلخ. وهذا خطأ جسيمٌ نرتكبه طوال الوقت، حتى الأنبياء أنفسَهم لم يسلموا

من أحكامنا الظالمة تلك، فجميعُ الأنبياء قد طالهم لفظُ: مجنون!!! فقط لأنهم جاءوا بما يختلفُ عليه الناس. وحين لم يفهم الناسُ رسالات الأنبياء فى أوقات نزولها، أساءوا الحكمَ عليهم.

لقد اكتشفت فاطمة ناعوت أن ابنها عمر يعانى من مرض الجمال، كما سمته هى فى كتابها. وبالطبع هذا ليس مرضًا، بل سموٌّ ورقى وطيبة، وجنوحٌ نحو النبل والأخلاق الرفيعة. نعم عمر

يختلفُ عن بقية الناس، ولكن فى اختلافه جمالاً وفرادة. نبوغُه فى الرسم، حبُّه للخير، احترامُه للآخر خاصةً مع الضعيف، صدقه ونقاؤه وهدوؤه وطيبتُه، كلُّها صفاتٌ نادرٌ

وجودها، خصوصًا فى عصرٍ هيمنتْ عليه الماديةُ وثورة التكنولوجيا التى أبعدت أفرادَ الأسرة بعضَهم عن بعض. واكتشف عمر أنه وحيدٌ. لأنه واقعٌ فى مجال طيف التوحّد، أو الاختلاف عن

الآخرين. وقد كتب الكثير من المحللين والخبراء عن متلازمة أسبرجر، وعن الذاتوية، وعن طيف الذاتوية وعن طيف التوحد Autism Spectrum، ولكن نادرًا ما نقرأ ما تكتبُه الأمُّ نفسُها عن ابنها المتوحّد.

وأمامنا فى هذا الكتاب أمٌّ قد أنعم اللهُ عليها بكثير من المواهب: الثقافة والفن والشعر، والأخلاق الفاضلة، وقبل كل هذا: الأمومة. وحرصت فاطمة ناعوت طوال مشوارها التنويرى على أن تُرسلَ للناس رسائلَ الحب

والسلام والعدل وقيم المواطنة، حتى تنشرَ وتُكرّسَ ثقافةَ الفضيلة والتحضّر والأخلاق، والالتزام بحب الآخر. قدّمت فاطمة، طوال حياتها، وبمجهودها الذاتى، مواقفَ بطوليةً ثابتة على المبادئ، دفاعًا عن

الوطن، دفاعًا عن التنوير، دفاعًا عن الإنسان، دفاعًا عن المساواة والعدل، ودفاعًا عن العقل، الذى هو جوهرةُ الترقّى، هديةُ الله لبنى الإنسان. وأثبتت خلال كتبها ومقالاتها ومعاركها الفكرية، وحتى

قصائدها أن العَلمانية لا تتعارضُ مع الدين والإيمان، بل تحافظُ على بقاء الأديان فى مكانها ومكانتها الرفيعة الراقية، غيرَ مدنسة بالسياسة والمصالح والانتهازية، ومحميةً من المتاجرين بالأديان

اللاعبين بعقول الناس. خاضت فاطمة ناعوت معاركَ كثيرة من أجل نشر قيم: الإخلاص، والصداقة، والعدل، والتحضّر، والتراحم بين الناس، والالتزام بحب الآخر، فى نفس الوقت الذى تخوض فيه معركتها الخاصة من أجل ابنها المتوحّد عمر.

وبالعودة إلى موضوع الكتاب، فقد سبق أن كتبتُ مرارًا أن لفظ التوحّد خاطئٌ لغويًّا إن شئنا أن نصفَ تلك المتلازمة النفسية الانعزالية ASD. لأن التوحد يعنى تقمُّصَ الطفل أو الناضج مَن

يراه مثلَه الأعلى. وأطلقتُ مصطلح: الذاتوية على Autism Spectrum Disorder. وفى التصنيف الأخير من تصنيفات الطب النفسى، اِعتُمد مصطلح: طيف الذاتوية بدلا من مصطلح: التوحد. وأما متلازمة أسبرجر

ِAsperger، وهى ما يعانى منها عمر بطل هذا الكتاب، فهى مختلفة عن الذاتوية، لأن لها علاماتٌ متفردة لا توجد فى الشخص الذاتوى أو الـ Autistic. فقد لوحظَ أن كثيرًا من المصابين بمتلازمة

أسبرجر، كانوا عباقرة، إذْ يتمتعون بالنبوغ فى العلوم أو الفنون، أو الفلسفة، أو الرياضيات والفيزياء. ويتمتعون كذلك بقدرات خاصة على فهم الأمور الحياتية بطريقتهم الخاصة التى

تختلف عن بقية البشر. ومنهم كذلك مَن حصل على جائزة نوبل فى العلوم، بسبب تلك الرؤية الخاصة والمتفردة للعالم، والتى تختلف دون شك عن الآخرين، ولهذا السبب فإن معظم الناس يعتبرون أولئك المختلفين مرضى.

تحية للابن الجميل عمر، وللأم التى آمنت به وساندته حتى خرج من الشرنقة إلى الطيران. وفى الأخير: أشكرك يا فاطمة على تحرير نفسك وعمر من القيود التى تُكبّلنا فى فهم وتقدير الإبداع والفضيلة، والأخلاق، والاختلاف. أ. د. أحمد عكاشة).

■ ■ ■

تلك الكلمات العذبة التى تقطرُ علمًا وحكمةً وإنسانية ونبلا، هى المقدمة الجميلة التى أهدانيها البروفيسور المصرى الرمز الأستاذ الدكتور أحمد عكاشة، أستاذ الطب النفسى بكلية الطب جامعة عين شمس، ومستشار الرئيس للصحة

النفسية والتوافق المجتمعى، ورئيس الجمعية المصرية للطب النفسى، والرئيس السابق للجمعية العالمية للطب النفسى، وعضو المجلس التنفيذى لليونسكو، وكانت تصديرًا رائعًا لكتابى الجديد: عمر من الشرنقة إلى الطيران الصادر حديثًا

فى معرض القاهرة الدولى للكتاب 2023 عن الشركة العربية الحديثة. وغدًا الجمعة 3 فبراير بإذن الله، أنتظرُ روادَ المعرض فى قاعة 5 جناح C24 مع أسرتى الساعة 3 عصرًا، فى حفل توقيع الكتاب، لكى أوقّعَ وابنى الجميل عمر الكتابَ للقراء الأعزاء.

فاطمة ناعوت - المصرى اليوم
02 فبراير 2023 |