القائمة الأقباط اليوم أبحث
أهم الأخبار

شهادة تاريخية عن حادثة المنشية .. بقلم حمدي رزق

بقلم حمدي رزق

لفتنى المؤرخ الأديب الدكتور رفعت سيد أحمد إلى شهادة تاريخية نادرة لخالد الذكر جمال عبدالناصر عن محاولة جماعة الإخوان الإرهابية اغتياله، فى ميدان المنشية بالإسكندرية، فى 26 أكتوبر 1954.

شهادة تاريخية عن حادثة المنشية .. بقلم  حمدي رزق

تنبع أهمية تلك الوثيقة الواردة فى كتاب الدكتور رفعت ثورة الجنرال: جمال عبدالناصر كونها أول شهادة مكتوبة للزعيم عن تلك الحادثة المفصلية فى تاريخ مصر المعاصر.. وإلى نص شهادة ناصر:

واجهت رصاص اليهود شهورًا طويلة، وأنا أحارب فى الفالوجة وعراق المنشية بفلسطين. كانت حياتى، فى تلك الأيام، هدفًا دائمًا لرصاصهم وقنابلهم. كنت أقطع أميالًا طويلة، محاطًا بالانفجارات، ومحاصرًا بالألغام.

كان الموت سميرى وصديق أيامى، وقد عرفته ورأيته وعشت معه، والذى يواجه الموت من أجل فلسطين لا يهرب منه من أجل مصر.

فى ميدان المنشية، مساء يوم 26 أكتوبر 1954، لم تصدق عيناى ما سمعته أذناى!.

لم أصدق أن هذا الوهج الذى يُلهب بصرى هو النار التى تحملها رصاصات الغدر والخيانة إلى صدرى.

لم أصدق أنه يوجد بين هذه الآلاف المؤلفة من المصريين التى احتشدت بالميدان، تهتف بحياة مصر وثورة مصر، أن يوجد إنسان واحد يريد الموت لجمال عبدالناصر.

كان صوت الرصاص يقرع سمعى، وأنا أسائل نفسى فى أسى وذهول: أنا؟.. أنا المقصود؟ ومن يريد قتلى؟ الإخوان المسلمون.. لماذا؟!

لقد حاولت معهم بكل السبل أن نعمل معًا لصالح مصر، ولكنهم رفضوا كل الحلول، وأصروا على أن يحتكروا السلطات.. كل السلطات، وعندما رفضت، أيكون الغدر والاغتيال هما جزائى؟!!!

سمعت الرصاصة الأولى فالثانية فالثالثة فالرابعة، وحاولت أن أتقى باقى الرصاصات، ثم قررت مواجهة الغدر والجبن والخيانة، ولم أعد أرى شيئًا أو أحس بشىء. لقد رأيت أمامى جموع الناس تتدافع فى ذعر وهلع، وسمعت فى أعماقى صوتًا يهتف بى لمناداتها فأدعوها للبقاء، لقد صرخت بدمى وأعصابى: أيها الرجال، فليبق كلٌّ فى مكانه.. دمى فداء لكم.. حياتى فداء لكم.. روحى فداء لمصر.

ولقد فرحت وأنا أرى الجموع المحتشدة تعود إلى أماكنها فى لحظات خاطفة، فقد عزَّ علىَّ أن تعكر صفو المصريين محاولة خسيسة لاغتيالى من جماعة تتاجر بالدين، سعيًا للوصول للسلطة، فى ليلة نحتفل فيها بجلاء المحتل عن مصر.

لقد شعرت بأيادٍ كثيرة تجذبنى، وتشدنى إلى مقعدى. كانت جهود رفاقى تنحصر فى منعى عن الكلام، رحمة بجهدى وصحتى وحالى. كانت أياديهم تعارك جسمى فى قوة لا أحس بها، ولكنى أدفعها بقوتى وإصرارى على متابعة الكلام. وتكلمت وأصداء صوت طلقات الرصاص مازال يقرع سمعى، ووهج النار مازال يُلهب بصرى، وصوت روحى يهتف بى فى حيرة وذهول: أنا؟.. أنا المقصود؟!!

لقد عزت علىَّ مصر، وعزت علىَّ نفسى، وعز علىَّ مشهد الجماهير الوفية، تهتف بحياة مصر وحياتى، وتهدج صوتى، واستبد بى التأثر خشية على بلادى من حمامات دم، تجرها لها جماعة متعصبة لا تتورع عن اغتيال كل من يخالفها بخسة ونذالة واستغلال للدين.

وسمعت نفسى أقول للناس: روحى لكم.. دمى من أجلكم.. أنا فداء لكم.. إذا قتلوا جمال عبدالناصر فكلكم جمال عبدالناصر.

حمدي رزق - المصرى اليوم
28 اكتوبر 2021 |