القائمة الأقباط اليوم أبحث
أهم الأخبار

عيد العنصرة.. "الروح القدس جعل البشر أعضاء في جسد المسيح"

عيد العنصرة هو آخر أعياد التدبير الإلهي، فلكي يخلص الجنس البشري ويعود إلى حالته السابقة، لا بل ليرتفع أيضًا إلى أعلى من السابق، أي حيث كان ينبغي لآدم أن يصل وفشل في الوصول أرسل الله السيد المسيح ومن ثم، أرسل الابن، الروح القدس المنبثق من الآب، حسب العقيدة المسيحية والروح القدس جعل البشر أعضاء في جسد المسيح، وأنارهم لكي يعرفوا الابن المتجسد إذن ترتيب التدبير الإلهي لخلاص البشر.

عيد العنصرة.. "الروح القدس جعل البشر أعضاء في جسد المسيح"

معنى العيد

اسم العيد باللغة الفرنسية Pentecote وهو مشتق من خمسة Penta في اللغة اليونانية ويتضمن معنى الخمسين. أما كلمة "عنصرة" فهي لفظة عبرانية بمعنى اجتماع أو محفل.

" ولما حضر يوم الخمسين كان الجميع معًا بنفس واحدة. وصار بغتة من السماء صوت كما من هبوب ريح عاصفة وملاْ كلّ البيت حيث كانوا جالسين. وظهرت لهم ألسنة منقسمة كاْنها من نار واستقرّت على كل واحد منهم. وامتلاْ الجميع من الروح القدس وابتدأوا يتكلّمون بألسنة أخرى" (أع1:2).

- كان ذلك اليوم الخمسين بعد الفصح اليهودي

- كان أيضًا اليوم الخمسين بعد قيامة السيّد المسيح

- كان ذلك اليوم ذكرى استلام موسى الشريعة

- في هذا اليوم استلم تلاميذ يسوع شريعة الروح القدس.

- كان اليوم الذي أعلم موسى شعبه بوصايا الله

- في هذا اليوم يعلن بطرس مجد يسوع للشعب.

- كان اليوم الذي خاطب فيه موسى الشعب الذي يستعّد لدخول أورشليم الأرضية.

- في هذا اليوم خاطب بطرس الشعب ودعاهم لدخول أورشليم السماوية.

العنصرة وارتباطها بالعهد القديم

من الطبيعي أن يكون لهذا العيد ارتباطٌ زراعيٌّ يعكس حياة الشعب اليهودي آنذاك وعمله في الأرض. فالمواسم الزراعية كانت تشكّل المحاور الأساسية لذاك الشعب. في أول الأمر، عرف هذا العيد "بعيد الحصاد" وهذه الآية من سفر الخروج تعكس لنا ذلك:

" عيد حصاد بواكير غلاتك التي تزرعها في الحقل وعيد الجمع عند نهاية السنة عندما تجمع غلاتك من الحقل"( خروج23:16) وكان يدعى أيضًا عيد الأسابيع وتحدّد هذه التسمية ميعاده، بعد سبعة أسابيع من الفصح (خر22:34).

ولكن ابتداءً من القرن الثاني قبل الميلاد أخذ هذا العيد مفهومًا آخر. فأصبح مرتبطًا بإقامة العهد بين الله والشعب في سيناء ونزول الشريعة على الشعب اليهودي على يد موسى النبي كون هذه الشريعة نزلت عليهم بعد خمسين يومًا من عبورهم البحر الأحمر.

العنصرة مع عيدَي الفصح والمظال تعتبر من أهم الأعياد في إسرائيل، إنه اليوم الذي يختاره الرب لكي يسكن اسمه مع شعبه في المكان الذي يحدده هو أيضًا لهم (تثنية 6:16و11). كبار أعياد اليهود ثلاثة:

الفصح

الفصح كانوا يعملونه لتذكار عبورهم البحر الأحمر لأنّه يُترجم التحرر من عبوديّة المصرييّن والدخول إلى أرض الميعاد، وها هو يترجم عند المسيحيين العبور من الموت إلى الحياة، من الخطيئة المظلمة إلى النعمة المنيرة ومن أرض الخطيئة إلى فردوس السماء.

العنصرة

العنصرة كانوا يعيّدونها لتذكار استلام موسى النبي الشريعة من الله بعد خمسين يومًا من خروجهم من مصرر، وكيف أنهم بشقاء وضرر كثيرٍ دخلوا أرض الميعاد وتمتّعوا بثمر الحنطة والخمر، كذلك المسيحيين بعد شقاء الخطيئة والتحرر منها ندخل الكنيسة لتناول الجسد والدم الإلهيّن.

المظال

عيد المظال الذي كان يُعيد بعد قطف الأثمار أي بعد خمسة أشهر من عيد الفصح، فيكمل هذا لتذكار اليوم الذي فيه أولًا موسى نصب المظلة التي نظرها بواسطة الغمامة في جبل سينا، وأتقنت من بسلائيل رئيس النجارين فكانوا يكملون هذا العيد

صانعين مظالًا ومقيمين في الحقول، وكانوا يجمعون أثمار أتعابهم شاكرين لله، وهذا أيضًا للمسيحيين رسمًا لقيامتهم من بين الأموات فيتمتّعون بأثمار أتعابهم معيّدين في المظال الأبدية بعد انحلال مظالنا الجسدية وانتصابها أيضًا.

الرسل والروح القدس

أما الرسل فكانوا مجتمعين لذكرى يوم الخمسين بالذات، منتظرين موعد الروح بعد قليل ستعمدون بالروح القدس (أعمال 5:1). فمعنى العيد مسيحيًا هو عطاء الروح القدس الناموس بموسى أعطي أما النعمة والحق فبالمسيح صارا(يوحنا 17:1). إنه يوم انصبَّ فيه عطاء الروح السخي على الكنيسة الممثلة بمحفل الرسل.

حزقيال النبي كان قد تحدث قديمًا عن الروح الذي يخلق الكائنات ويحركها، فيتملك بالإنسان ليزوده بسلطة جديدة فائقة الطبيعة، وكان يتكلم عن الأيام الماسيانية فيصفها كفترة تتميز بذلك الفيض من الروح.

إذًا فكرة الروح القدس لم تكن غريبة عن الشعب العبري المثقف الذي كان يقرأ النبوءات، أما نزول الروح القدس مع ما اصطحبه من عاصفة ونار يندرج في سلسلة ظهورات الرب في العهد القديم ويتوجها العجيبة

مزدوجة، الحدث نفسه معجزة ونتيجته معجزة إذ ابتدأ الرسل يتكلمون بألسنة ليخبروا بعجائب الله. ويبدو أنه، بعد العنصرة، كثرت في الكنيسة الناشئة تلك الظاهرة الجديدة وهي التكلم بألسنة، وهي نوع من نبوءة.

العنصرة اعتماد للرسل بالروح قبل ابتداء مهمتهم التبشيرية كما أن المسيح اعتمد بالروح على يد يوحنا المعمدان قبل حياته الكرازية: إنها تنصيب رسولي في الكنيسة. هذا الفيض من الروح سيصل إلى الجميع ليعطيهم هبات

متنوعة وخاصة لكل واحد منهم. وعلاوة عن هذا، سيكون الروح القدس لكل إنسان سبب تغيير داخلي يحصل بصورة سرية، وتجديد عميق يجعله يستوعب الشريعة الجديدة التي حفرت في القلوب. إنها المعاهدة الجديدة التي نزلت كماء

مخصبة تثبت أثمار الحق والعدالة والقداسة وتضمن الرعاية الإلهية وحمايتها. أما هذا الفيض فلم يتحقق إلاّ بواسطة الجلجلة والقيامة التي كسرت السدود ففاضت النعم. لقد صاحب حلول الروح القدس على التلاميذ بعض المظاهر نذكر منها:

المظهر الأول: صوت كما من هبوب ريح عاصفة.

والريح ترمز للروح، وقديمًا أرسل الله ريحًا عاصفة على سفينة يونان نفذت كل مقاصده

ونلاحظ أن هذه الريح العاصفة في يوم الخمسين هبت على المنزل الذي كان فيه الرسل دون بقية منازل المدينة حتى تظهر أنها شيء فائق للطبيعة.إنها قوة الله القادرة على كل شيء والتي لا يعسر عليها شيء، وهذه الريح العاصفة رغم محدوديتها

كانت قوية ومدوية حتى أنها سمعت في كل أرجاء أورشليم فتجمع الناس بكثرة حول البيت ليروا هذا الحدث العجيب،وليسمعوا عظة بطرس الرسول المؤيدة بالروح القدس ويؤمن منهم بالمسيح ثلاثة آلاف فرد يكونون النواة الأولي للكنيسة الصاعدة الواعدة.

المظهر الثاني: ألسنة من نار

وفي العهد القديم ظهر الله لموسى في عليقة (شجرة صغيرة) مشتعلة بالنار (خروج 3) وحل الله على جبل سيناء بمنظر النار أيضًا (خروج19) والنار تشير إلى عمل التطهير وقد حل الروح القدس على التلاميذ مثل ألسنة نار لكي يطهرهم من خطاياهم ومن ضعفاتهم مثل الخوف والشك واليأس الذي كان يعتريهم أحيانًا.

المظهر الثالث: التكلم بألسنة

فقد اقتضت حكمة الله أن يعطي الروح القدس الذي حل على الرسل في يوم الخمسين موهبة التكلم بألسنة ولغات حية لأولئك الرسل فصاروا يتكلمون بلغات كثيرة، والمعروف أن الآباء الرسل

كانوا شبه أميين ومطلوب منهم أن يبشروا العالم أجمع كما طلب منهم الرب يسوع.وكان على الواحد منهم إذا أراد أن يتعلم لغة أجنبية واحدة ويتقنها أن يدرس عدة سنوات ويبذل جهدًا

كبيرًا، فأراحهم الله من هذا الجهد وأعطاهم موهبة التكلم باللغات حتى ينتشروا في الأرض سريعا وينشروا الإيمان في كل مكان مجتذبين الناس من ظلمة الوثنية وجهلها إلى نور المسيحية وسموها.

هدف المسيحي من العيد:

أمام هذا الفيض والسخاء أيبقى الإنسان مكتوف الأيدي، يتقبل العطاء فقط؟ طبعًا هناك عملية أخرى من قبل المؤمن. يقول القدّيس سرافيم سروفسكي: هدف المسيحي اكتساب الروح القدس لم يقل

نيل الروح القدس أو أخذه بل اكتسابه. والإكتساب يفرض تعبًا وشقاء واجتهادًا مستمرًا. الروح ينسكب والإنسان يحصّل ما يستطيع بتطهير النفس من الخطيئة والأنسلاخ المستمر عن الأهواء

الدنيوية، والمسيرة عبر البوادي وراء المصلوب مستنيرين بنور وجهه فقط. فموقف المسيحي، عندما تنكب عليه نعمة الحياة الإلهية، ينبغي أن يكون يقظًا ويغتنم الفرصة لاكتسابها بعمق وغزارة.

هو عيد تأسيس الكنيسة ومولدها، في هذا اليوم كثيرون قبلوا كلام الربّ بفرح، واعتمدوا، وانضم نحو ثلاثة الاف نفس. بعد الفصح، شهدنا الصعود، وها الآن العنصرة. وهي المرحلة الثالثة في الكنيسة، في العهد الجديد:

المرحلة الأولى: من البشارة إلى الصليب.

المرحلة الثانية: من الصليب إلى القيامة.

المرحلة الثالثة: من القيامة إلى العنصرة مرورًا بالصعود.

لقد حلّ الروح القدس على الكنيسة الأولى بكل أعضائها الذين كان عددهم مائة وعشرون شخصًا في علية صهيون بأورشليم، وكانت تلك العلية هي الدور العلوي من بيت عائلة القديس مرقس، وقد أصبح

هذا المكان أول كنيسة في العالم بعد أن حل فيه الروح القدس وباركه.إن تعبير " مجتمعين في العلية بنفس واحدة "له معنى عظيم، فالحياة بمحبة وشركة بنفس واحدة وقلب واحد وفكر واحد وهدف

واحد كانت هي السمة الغالبة على الكنيسة الأولى وكانت هي السبب الرئيسي في حلول الروح القدس عليها واستقراره فيها كما كانت هي السبب الرئيسي في قوة الكنيسة وصمودها ونجاحها وانتشارها.

عيد الخمسين في المسيحية:

في العهد الجديد أخذت كلمة روح معناها الواسع، فالّذي تلفّظ به إشعياء النبي تحقق بملئه في الرّبّ يسوع: " ويخرج قضيب من جذع يسّى وينبت غصن من أصوله ويحلّ عليه روح الرّبّ روح الحكمة والفهم والمشورة والقوة روح المعرفة ومخافة الرّبّ(1:11).

فإذا كان سكب الروح في العهد القديم يتم على رأس الملوك بسكب الدهن على الرأس على يد نبيّ، ففي العهد الجديد يتم مباشرة من الله نفسه لنكون كلنا ملوكًا لله الملك، الذي جعلنا أبناءً وورثة بإبنه يسوع المسيح.

فالعنصرة هي تتويج للفصح. فكلّ الأحداث التي حصلت مع الرّبّ يسوع، وكلّ كلمة قالها وتفوه بها، سيفهمها الرسل اليوم. وهذا ما قاله لهم في الخطبة الوداعية:

" وأما المعزّي الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي فهو يعلّمكم كلّ شيء ويذكّركم بكل ما قلته لكم"(يو26:14) من الآن وصاعدًا، سيبشّرون المسكونة جمعاء. فالعنصرة إذًا تتويج للفصح، لأن المسيح بعد أن أنهى عمله على الأرض، وانتقل إلى يمين الآب، أرسل الروح القدس على المجموعة الرسولية وبواسطتهم لكل المسكونة، لكي ينير أذهانهم فيفهموا الكتب ويدركوا في العمق أقواله التي ألقاها عندما كان معهم.

ماذا فعل الرّسل خلال الفترة ما بين الصّعود والعنصرة

عشرة أيام كاملة هي مابين الصعود والعنصرة لم يبرح التلاميذ أورشليم تنفيذًا لوصية المسيح حينما قال لهم: وها أنا أرسل لكم موعد أبي فاقيموا في مدينة أورشليم إلى أن تلبسوا قوة من الأعالي(لو 24: 49)، فبعد صعود المسيح إلى السماء بقى التلاميذ على الجبل وأعينهم مُثبتة على السماء إلى أن وقف بهم ملاكان وقالا:

أيها الرجال الجليليون، ما بالكم واقفين تنظرون إلى السماء؟ ( أع 1: 11 ).

لا شك أنهم لم يكونوا مُخطئين في ذلك، ومع ذلك فقد كان لديهم شيء ليفعلوه في انتظار ذاك الذي تركهم.

يقول القدّيس لوقا أنّهم كانوا يُواظِبونَ جميعًا على الصَّلاةِ بِقَلْبٍ واحِد (أعمال 1: 14)، استعدادًا لحضور الله معهم وحلول الرّوح القدس عليهم.

حينئذٍ رجعوا إلى أورشليم من الجبل ولما دخلوا صعدوا إلى العليَّة التي كانوا يُقيمون فيها كانوا يواظبون بنفسٍ واحدة على الصلاة والطِلبة ( أع 1: 12 - 14).

لماذا تُزيَّن الكنائس الأرثوذكسية بالأشجار والأعشاب والزهور في العنصرة

من مميزات عيد العنصرة وعاداته، أن تُزيَّن الكنائس وبيوت المؤمنين بالأشجار والعشب والزهور، هكذا احتفلت كنيسة العهد القديم بعيد العنصرة، وقدمت في هذا اليوم بداية موسم الحصاد (لاويين 10:23-22؛ عدد 26:28)، فبحسب عادات العهد القديم هذه، قد تكون زُيِّنَت الغرفة في صهيون التي فيها الرسل تلقّوا الروح القدس في هذا العيد. من هنا انتشرت هذه العادة في كافة أنحاء الكنيسة.

إن فكرة ظهور الله كثلاثة غرباء في العقيدة المسيحية لإبراهيم عند بلوطة ممرا، حيث كانت قد أٌقيمَت خيمة البطريرك، قد أثّّرت أيضًا على هذه العادة. احتفالًا بالثالوث الأقدس، الذي له سجد إبراهيم ذات مرة في بلوطة ممرا،

نشر المسيحيون القدامى في يوم الثالوث المقدس أغصان الأشجار والزهور في الكنائس ليروا أنه بهذه الطريقة يمثّل هيكل الله المزيّن، بشكل أكثر وضوحًا، بلوطة ممرا وخيمة إبراهيم حيث كان لله النية الحسنة للظهور في يوم من الأيام.

الآن تُقدّم الأغصان والأزهار إلى الله كبداية الربيع المتجدد. لكنها في نفس الوقت تخدم أيضًا كرمز لكنيسة المسيح التي أزهَرَت كزنبقة بيضاء بظهور نعمة الروح القدس فيها، بحسب ما تعبّر

ترانيم الكنيسة. كما تشير الأغصان والأزهار إلى تجديد الناس بقوة نزول الروح القدس، بمثابة رمزٍ لنعمته ذاتها التي نطلبها في هذا اليوم والتي، عندما تتعرف عليها النفوس المؤمنة

الحقيقية، تفوح منها رائحة طيبة، عبر مجموعة كبيرة ومتنوعة من المواهب الروحية والأعمال الصالحة، ومن أجل القيامة المستقبلية لإخوتنا الموتى الذين نصلّي من أجلهم بشكل خاص في يوم (سبت الأموات).

يذكر أنه يقول ولأول مرة بعد القيامة، أيها الملك السماوي، وأول أحد بعد العنصرة يكون أحد جميع القديسين، لأن الروح القدس هو مقدّس المؤمنين، وهذه خصوصية في الكنيسة الأرثوذكسية، مثلًا نعيد للقديس يوحنا المعمدان في اليوم التالي لعيد الظهور الإلهي.

البوابة
23 يونيو 2021 |