القائمة الأقباط اليوم أبحث
أهم الأخبار

العقلُ والمادة.. وعقابُ المرايا ..بقلم فاطمة ناعوت

بقلم فاطمة ناعوت

ثمّة مذهبٌ سيكولوجى، أو مزعم، اسمه Mind over Matter. بما يعنى قدرة العقل البشرى على التحكّم فى المادة. الموجوداتُ من جماد وعناصر، وحتى القيم المجرّدة، تغدو تحت سيطرة العقل، بعد إخضاعها لعمليات معقدة من التركيز الشديد. أجرى

العقلُ والمادة.. وعقابُ المرايا ..بقلم فاطمة ناعوت

قسمُ علم النفس بجامعة أوتاوا تجاربَ لدراسة تلك الظاهرة وخرجوا بنتائج طريفة مثل النجاح فى إخضاع حجر النرد وإجباره على السقوط على وجه معين حدّدوه سلفًا. يُطلب من المشاركين التركيز بشدة على رقم ما، وكتابته على ورقة قبل

رمى النرد، وبتكرار المحاولة استطاع بعضهم بالفعل تجاوز نسبة المصادفة وقانون الاحتمالات، واستطاعوا رميه على الوجه المطلوب. وقال بروفيسور فرانسيس باو المشرف على التجارب: كلما زادت ثقةُ المرء بالفوز حقق نسبةَ نجاح أعلى.

وكثيرة هى الحكايا التى قرأناها حول أناس يحركون الأكواب والصحون بعيونهم بمجرد التحديق فيها والتركيز فى خلاياها، ثم أمرها أن تتحرك. فتتحرك. ولم يقل العلمُ كلمته النهائية حول الأمر. وأظنه لن يفعل، لكى

يظل الغامضُ غامضًا ومثيرًا. لكن العلم يقول إن تفاعلا كهربائيا يتمُّ فى خلايا الدماغ، فى حالات الانشغال الذهنى العميق والتركيز الحادّ، فيخلق مجالا مغناطيسيًّا بوسعه أن يؤثر على الإلكترونات فى

المادة موضوع التركيز. ومن ثم يبدّل فيها وفى تركيبها وطاقتها. بل إن ثمة نظرية تذهب إلى أن ظاهرة الحسد تتم على هذا النحو. حيث شعاعٌ كهرو- مغناطيسىّ يخرج من عين الحاسد إلى المحسود فيجعله يزلُّ أو يقع. أو يموت!!

وفى الحقل الفلسفىّ، وربما الإبداعى، يتقاطع هذا الأمرُ مع رواية الخيميائي للبرازيلىّ باولو كويللو حين حدّثنا على لسان سانتياجو قائلا: إذا آمن الإنسانُ بحُلم ما إيمانًا عميقًا، تآمر الكونُ كلُّه من أجل تحقيقه.

وقبله قال الشاعر الأمريكى رالف أميرسون: إنَّ العالمَ يُفسح الطريقَ لمن يعرفُ إلى أين هو ذاهب. والأمر ذاته شهدناه فى فيلم مصرى عنوانه أنت عمرى. حيث حبيبان مصابان بسرطان الدم. راقصةُ باليه شابة تحلم بالرقص مع فرقة

البولشوى الروسية، ولم تتمن فى أيامها الأخيرة سوى أن تموت فوق خشبة المسرح. حلمها كان قويًّا وإيمانها بتحقيقه حاسمًا. بينما حلمُ الشاب بالشفاء ضعيفٌ، فكان كمن يستدعى الموتَ لكى يُسرع خطاه. فوق جسر النيل قالت البنتُ:

أتمنى أن تمطرَ السماءُ الآن لنركضَ تحت زخّات المطر!، وأمطرتِ السماء بالفعل رغم الصيف. ورقصت مع البولشوى. لكنها لم تمت فوق خشبة المسرح. لأنها هزمت السرطان وأكملت حياتها. ومات حبيبُها الذى لم يعرف كيف يحلم، وكيف يثق فى حلمه.

اِشْتُقّ من مذهب العقل فوق المادة مذهبٌ آخر هو Mind over Mind، العقلُ فوق العقل. وهو طريقة للتغلّب على صعابنا بنفيها من دائرة الدماغ. فماذا لو أنك مُعسرٌ وتثقلك الديون؟ اقنعْ نفسَك أنك أثرى أثرياء العالم ولا تعرف فيم تنفق

أموالك. الأمرُ أبعدُ خطوةً من أحلام اليقظة، وأقل خطوةً من الفُصام. شىءٌ يشبه اليوجا الذهنية التى تجعلنا نصدق أحلامَنا. فتتحقّق. شىء كهذا قاله فرانسيس بيكون قبل أربعمائة عام: إن المرءَ سوف يصدّق ما يودُّ له أن يتحقق. وهذا

ما يجعل كلَّ إنسان متحمّسًا جدًّا لأفكاره ومعتقداته وربما أوهامه ولو لم تكن صحيحة. مثلما صدّق سجناءُ كهف أفلاطون أن ما يرونه على الحائط هو العالمُ الحقيقى ذاتُه ببشره وحيواناته وأشجاره، فى حين لم تكن سوى خيالات وظلال وأوهام.

كلَّ ليلة قبل أن أخلد للنوم أنظر فى مرآتى. ليس بهدف تجميلىّ، بل هى ساحة المحكمة خاصتى. لو ارتكبتُ خلال يومى خطأ ما، أرى فى المرآة وجها تعسًا. والعكس لو أتيت فعلا طيبًا أثناء النهار. عندى قصيدة قديمة

عنوانها ثقوبٌ تشكيليةٌ لا تغضبُ المرآة تطرح الأمر بالتفصيل دون مجاز. بل هو واقعٌ عملى وعلمىّ بحت. لأن جمالَ السلوك ينعكس بالفعل على الملامح فنرى أنفسنا جميلين بقدر ما أوتينا من جمال وبقدر ما أحببنا

الناس. والعكس. ولأننى أرتعبُ من عقاب المرايا أفكرُ كثيرًا قبل الإقدام على حماقة قد تفسد ليلتى بعدما أطالع قبل نومى وجها لا أحبُّ مرآه. رغم هذا، الحماقاتُ لا تنتهى! الدينُ لله والوطنُ لمن يحبُّ الوطن.

فاطمة ناعوت - المصرى اليوم
21 يونيو 2021 |