القائمة الأقباط اليوم أبحث
أهم الأخبار

فى وداع المحترم دكتور طراف .. بقلم حمدي رزق

بقلم حمدي رزق

لولا صحبة الرجال، ما عُرف النقص من الكمال..

انتويت أن أتصل بالصديق الدكتور يحيى نورالدين طراف تواصلًا حواريًا لم ينقطع منذ أن تعارفنا قبل سنوات وصرنا صديقين، لكنه سبقنى إلى السماء، يرحمه الله.

فى وداع المحترم دكتور طراف .. بقلم حمدي رزق

لفتنى باكرًا الدكتور المحترم يحيى طراف، رغم انشغالاته الطبية، بغزارة التعليقات والتعقيبات على ما يُنشر فى الصحف السيّارة أو يُذاع على الفضائيات، لمّاحًا، ذكيًا، حاد العبارة، مسيطرًا على الحروف، عاشقًا للغة العربية، مُطَّلعًا على عيونها، أحببته لله فى لله.

وعندما كُلفت برئاسة تحرير المصرى اليوم لفترة مؤقتة، هاتفته راجيًا منه أن يتفضل بكتابة تعليق يومى كيفما يرتئى، حتى ولو كان ناقدًا لما يُنشر فى جريدتنا الغراء، فرحب مغتبطًا، وصار يكتب يوميًا ما يعِنّ له من تعقيبات ذكية ولافتة وبلغة محببة.

كان راقيًا، حروفه مثل الحرير ناعمة وقاطعة، يجرح دون أن يسيل دماء، ومهضوم بخفة ظل، لاذع العبارة، عين لاقطة يلقط الفكرة من بين السطور بذكاء، صاحب موقف، منطلقًا من مبدئية وطنية ورثها عن طيب الذكر والده (الدكتور نور الدين على طراف) حالمًا بمصر الكبيرة، غاضبًا للحق، رافضًا للظلم.

آخر كتابات الدكتور طراف (قبيل الرحيل) كانت لافتة، أحببتها منه، وحفّزتنى على الاتصال الذى لم يتم، أنشرها وفاء لدَيْن ووعد بنشر ما أراه متفقًا مع قناعاتى، وها أنا أفعل يا دكتور طراف، وإلى لقاء، أنتم السابقون ونحن اللاحقون.

فلان ده محترم. كثيرًا ما نسمع هذه العبارة إذا ما أتى ذكر شخص ما فى جلسة، فتجد مَن يصفه بأنه محترم. أو يسبغ صحفى ما فى مقالته أو إعلامى فى برنامجه صفة الاحترام على شخص أو مسؤول أو فنان، فيشفع اسمه عند الإشارة إليه بكلمة المحترم!.

والاحترام من الصفات التقديرية التى يختلف حولها الناس، فمَن يراه البعض محترمًا قد لا يراه البعض الآخر كذلك، فموجبات الاحترام لا شك مطلقة لا اختلاف حولها من طهارة اليد واللسان وحسن الخلق وإتقان العمل والسيرة الطيبة والتواضع وغيرها. لكن هناك عوامل أخرى قد تخلط الأمور على العامة والخاصة على السواء فى تعريفهم للمحترم، كالغنى والسلطة والشهرة والمركز.

لذا يجب أن يراجع كل امرئ نفسه قبل أن يصف فلانًا بأنه محترم؛ أولًا لأنه إنما يحكم عليه من خلفية نشأته هو وبيئته التى درج وتربى فيها، فهو يطبق عليه مفهوم الاحترام كما يظنه أو كما رضعه هو وطعمه فى بيئته الأولى، ولربما لم يرضع ولم يطعم احترامًا فى المقام الأول، وإنما شُبّه له.

كذلك كما ذكرت آنفًا لاختلاط موجبات الاحترام على الناس، من موجبات حقيقية صادقة للاحترام، وأخرى خادعة زائفة تغرّ العوام، ومعهم للأسف الكثير من خاصة القوم ونخبتهم.

خلاصة القول أن الاحترام بات هو الفضيلة الغائبة فى مجتمعنا، إلا قليلًا، ولرب أناس ملأت الآفاق شهرتهم وسلطتهم وسطوتهم وأموالهم وأفعالهم وسيرتهم، ليسوا بمحترمين وليس لهم من الاحترام شرو نقيرولا مثقال حبة من خردل، والأدهى والأمَرّ أن مجتمع اليوم عامته وخاصته حين افتتن بهم لم يدرك ذلك.

حمدي رزق - المصرى اليوم
13 يونيو 2021 |