القائمة الأقباط اليوم أبحث
أهم الأخبار

المسيحية والغيبيات (2) .. بقلم الأنبا موسى

بقلم الأنبا موسى

تحدثنا الأسبوع الماضى عن رأى المسيحية فى الغيبيات، وذكرنا كيف نتعامل مع الغيبيات، وذكرنا أن

المسيحية والغيبيات (2) .. بقلم الأنبا موسى

1- لا نلجأ إلى الغيبيات بل إلى الله.. ونستكمل موضوعنا:

الغيبيات معناها الاستسلام للواقع دون محاولة لتغييره إلى الأفضل. وهذا إلغاء للاجتهاد الإنسانى، والرغبة فى النمو والتقدم فى الحياة، واكتساب خبرات إضافية، تسند الإنسان فى جهاده على الأرض مثل بذل المجهود الممكن لتغيير الحياة إلى الأفضل، أو طلب مساعدة أو مشورة آخرين، لحل مشاكل الحياة اليومية، أو الاستفادة بإنسان لديه اختبارات فى الحياة، كرجل الدين مثلًا أو خبراء العلوم المتنوعة..

2- الإيمان لا يلغى العقل:

يتصور البعض أن العقل يلغى الإيمان، أو أن الإيمان يلغى العقل. والحقيقة أن العقل وزنة من الله،

فهو الذى وضع فينا هذه الروح العاقلة، والإيمان أيضًا عَطِيَّةُ اللَّهِ (جامعة 13:3)، فهو الذى يشرق فى قلوبنا لمعرفة الله.

أ- ودور الإنسان هو أن يتعقل ليؤمن، وأن يؤمن ليتعقل. بمعنى أنه حينما يفكر بعقله فى هذا الكون الفسيح، ويرى يد المهندس الأعظم تنظمه بعد أن تخلقه، وتحفظه بيد قديرة عالية، يؤمن

بالخالق الذى خلقه. ومن يدرس قليلًا فى علوم الفلك يعرف أننا نعيش فى مجرة من بلايين المجرات فى الكون تحوى ملايين الشموس والأقمار، فلهذا قال داود النبى: السَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ

بِمَجْدِ اللهِ، وَالْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ ) مزمور 19: 1)، ولم يقل السماء بل السماوات فنحن نؤمن بثلاث سموات: 1- سماء الجلد 2- سماء النجوم الأفلاك 3- والسماء الثالثة (أى

الفردوس) مكان انتظار النفوس بعد الموت الجسد، انتظارًا لقيامته من الأموات، ليمضى إلى مصيره النهائى: السماء أو جهنم، أى إلى مكان المجد والسعادة مع الله، أو جهنم، أى مكان الندم وعذاب الضمير.

ب- الإيمان فوق العقل، وليس ضد العقل. والإيمان بالنسبة إلى العقل، كالتلسكوب بالنسبة إلى العين المجردة، فالعين المجردة تبدأ، ولكنها محدودة، فيأتى الإيمان ويكمل لها الطريق فترى ما لا يرى، وتثق فى وجود الله الذى هو فوق العقل وفوق الحواس. وكما أن العين والتلسكوب لا يغنى أحدهما عن الآخر، كذلك العقل والإيمان يتكاملان.

ج- لذلك لا يليق بالمؤمن أن يلغى عقله، أو أن يسمح لآخرين بأن يتحكموا فى عقله بعملية غسيل مخ

(Brain wash) أو ما يسمى علميًّا التحكم العقلى (Mind Control)، وهذا ما نراه فى الجماعات المتطرفة، حينما تسلم الجماعة عقلها للقائد، فيدمرهم ويدمر بهم كثيرين.

3- النعمة لا تلغى الجهاد:

فنحن نؤمن فى حياتنا الأرثوذكسية بدور فاعل لكل من الاجتهاد والنعمة. والإنسان لا يخلص بالنعمة فقط، لكن بالاجتهاد أيضًا. ولا يخلص بالإيمان فقط، لكن بالأعمال أيضًا. لأن الإِيمَانَ بِدُونِ أَعْمَالٍ مَيِّتٌ

(يعقوب 20:2). وهذا ما يسميه بعض الكتاب السينرجية Synergism أى العمل المشترك: الله والإنسان.

أ- وكلنا نذكر سؤال السيد المسيح للمفلوج: أَتُرِيدُ أَنْ تَبْرَأَ؟! (يوحنا 6:5)... وتوبيخ الرب لأورشليم:

كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا (متى 37:23)...

وقول القديسين: الله الذى خلقك بدونك، لا يخلصك بدونك.

ب- لهذا فالمؤمن الأمين لا يلجأ إلى الغيبيات، ويمكث سلبيًا فى انتظارها. بل عليه أن يجتهد ويكون أمينًا فيما يقدر على فعله، تاركًا للرب بقية الأمر. أما أن يهمل طالب فى المذاكرة، ويتكل أن شخصًا ما سيصلى من أجله، أو يفتح له الكتب على صفحات معينة.. فهذا غير مقبول. والرب الذى قال لنا:

بِدُونِى لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَفْعَلُوا شَيْئًا (يوحنا 5:15)، هو الذى أوحى للرسول بولس أن يقول:

أَسْتَطِيعُ كُلَّ شَىْءٍ فِى الْمَسِيحِ الَّذِى يُقَوِّينِى (فيلبى 13:4).

4- المعجزات لا تلغى الأمور الطبيعية:

أ- فالله يستخدم المعجزة، ولكنه لا يجعلها منهجًا للحياة الروحية واليومية.

ب- ومع أنه قادر على الشفاء، إلا أنه أوجد لنا الطب والأطباء. لهذا لا يليق بالمسيحى أن يطلب معجزة فى كل شىء من أموره اليومية: كالنجاح بدون مذاكرة، أو الشفاء بدون عملية ودواء، أو البناء والزرع والإثمار بدون مجهود بشرى.

ج- بل إن الرب كثيرًا ما يحجب عنا المعجزة، فلا يسمح بشفاء مريض، بل ربما يسمح بانتقاله.

فهل نفقد إيماننا بأن المعجزة لم تحدث؟! المعجزة لها أهدافها، فى دفع غير المؤمنين إلى الإيمان، أو فى تشجيع روحى فى ظرف ما، أو فى إظهار مجد الله أمام غير المؤمنين به (مثل معجزة نقل جبل المقطم).. ولكن هذا لا يعنى أن نحيا بالمعجزات ونتوقعها فى كل شىء أو موقف أو احتياج.

فالله له مشيئة مقدسة، يعرف متى يجرى المعجزة، ومتى يترك الحياة تسير على طبيعتها. وعلى الإنسان أن يدرك أن الرب صانع الخيرات، سواء إذا صنع معجزة معنا، أو إذا سمح بتجربة،

أو مرض، أو وفاة.. إلخ.

(يتبع)

* أسقف الشباب العام

بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية

الأنبا موسى - المصرى اليوم
30 مايو 2021 |