القائمة الأقباط اليوم أبحث
أهم الأخبار

أبونا ميخائيل إبراهيم “أيقونة حية للحياة السماوية”

نحتفل اليوم بعيد نياحة أبونا ميخائيل إبراهيم الذي قدمم لنا أيقونة حية للحياة السماوية الجادة المتهللة ترك أثاره العذبة علي حياة الكثيرين، وكان سند كهنة كثيرين جدًا وسط آلامهم وقادهم في طريق الإنجيل الحق بروح الحب والتواضع.

أبونا ميخائيل إبراهيم “أيقونة حية للحياة السماوية”

وكل من تتلمذوا علي يديه رأوا سلسلة لا تنقطع من قصص معاملات الله الفائقة معه، ونعمة الله السخية في حياته.

ولد في الطفل ميخائيل في 20ابريل 1899م ببلدة كفر عبده، مركز قويسنا منوفية، إيبارشية القليوبية ومركز قويسنا، ومن والدين مسيحيين.

وقد طلب شعب بلدته رسامة والده السيد / إبراهيم يوسف، كاهنًا على كنيسة العذراء مريم بكفر عبده.

وحدد يوم الرسامة، وحضر نيافة الأسقف لرسامته، إلا أنه امتنع، وهرب في يوم الرسامة من البلدة. وقال إني لا استحق هذه الخدمة المقدسة، وإني لا أحتمل المسئولية.أما عن ابنه ميخائيل، فكان من طفولته محبًا للكنيسة.

نشأ المتنيح القمص ميخائيل إبراهيم في ظلال وتحت رعاية كنيسة السيدة العذراء بكفر عبده، في جو روحي. وهى كنيسة قديمة، وكانت الوحيدة في المنطقة، وكانت مركز إشعاع روحي. يرعاها كاهن أمين محبوب، هو المتنيح القمص جرجس حنا.

وكان المرتل رجلًا فاضلًا، يقضى يومه في نسخ الكتب، وتعليم الأطفال القراءة والكتابة من البشائر الأربعة، ويوزع على الشباب قراءات يوم الأحد ويراجعها معهم مرارًا، ويعلمهم المردات والألحان. ويقضى شطرًا كبيرًا من الليل في الصلوات والتسابيح. وهكذا وضعت بذور الإيمان في قلب ميخائيل.

تربى الطفل ميخائيل في حضن الكنيسة. التحق بمدرسة الكنيسة، وتلقى على مرتلها ومدرسها المتواضع مبادئ الكتابة والحساب والقراءة في سفر المزامير والبشائر..

فى عام 1908 نشطت الإرساليات الأجنبية في بلدته، وأقامت في القاهرة جمعية متواضعة تهدف إلى تأسيس مدارس ريفية، حفاظًا على الكنيسة القبطية وأولادها، وهى جمعية الترغيب في التهذيب، وكان من بين أعضائها

المرحومين الغيورين: مرقس بك فهمي تاوضروس، وسليمان داود، وطاهر يوسف، كان أولهم موظفًا بالمالية، وثانيهم من كبار الموظفين. وهو جد الأب الورع القمص شنوده جرجس كاهن كنيسة الملاك بشبرا. وثالثهم كان محاميًا ناشئًا.

أسست هذه الجمعية ثلاث مدارس: بميت يعيش، وميت دمسيس، وكفر عبده. وفى المدرسة الثانية بدأت حياتي الدراسية. وفي مدرسة كفر عبده التحق الطفل ميخائيل لإتمام دراسته.

أتم جزءًا من دراسته بمدرسة الأقباط بقوسنا، ثم بمدرسة الأقباط الكبرى بالقاهرة، في وقت كانت فيه المدارس القبطية في الريف والمدن تحرص على توجيه تلاميذها نحو بتدقيق كبير

التحق ميخائيل أفندي إبراهيم بوظيفة حكومية بمراكز المحافظات، حاملًا بين جنبيه حبه لكنيسته. وكان يرسل له في كل مركز عونًا وتمثل هذا العون في زميل تقي ورع، هو المرحوم فرج الله أفندي، الموظف بمدينة فوة التي لم يكن بها كنيسة فاتخذ الموظفان من منزل فرج الله أفندي كنيسة مصغرة، جذبت الكثيرين من زملائهما إلى حياة روحية في وسط ذلك القفر.

بعد أن أكمل دراسته الابتدائية، تلقى علومه الثانوية بمدرسة الأقباط الكبرى بالقاهرة. ثم عين موظفًا بوزارة الداخلية في وظيفة كتابية بمركز فوة، ثم بمركز شربين، ثم بمركز كفر الشيخ.

وهنا رتبت له العناية الإلهية الالتقاء برجل تقي مملوء من روح الله، أسمه فرج الله. فكانا يقضيان أوقات فراغهما في الصلاة ودارسة الكتاب المقدس. ولم تكن في كفر الشيخ كنيسة في ذلك

الوقت. وكانت أقرب كنيسة لهما في مدينة سخا، على بعد ثلاث كيلومترات من مقر عملهما. وكانا يذهبان للصلاة كل أحد سيرًا على الأقدام، حيث لم تكن هناك وسائل للمواصلات. ثم يعودان إلى عملهما.

ذكر القمص ميخائيل أنه قبل أن يلتحق بالخدمة، كان شابًا يتصرف كباقي الشبان.

إلا أنه في بدء توظيفه، عين في مركز كفر الشيخ. ولم يكن بهذه البلدة كنيسة، ولكن كان فيها رجل قديس هو المرحوم فرج الله مسيحة، الذي يعتبره القمص ميخائيل أباه الروحي.

فرعاه المرحوم فرج الله في حياة التدين والصلاة: يصحبه إلى جمعية الوعظ بمنزله مساءًا، ثم يوصله إلى منزله، ويعود به في اليوم التالي كما بدأ معه في اليوم السابق، وقال القمص ميخائيل، إنه كان يريد الفكاك منه ولكن عبثًا. فظل على هذا الحال خلال فترة وجوده بكفر الشيخ، حتى أصبح التدين عادة له، فلما نقل إلى بلبيس كان إناءًا مختارًا.

قابلته تجربة هو وصديقه فرج الله: فقد صدرت حركة تنقلات، ونقل مأمور المركز الذي كان لا يعترض على ذهابهما للصلاة، كما نقل زميله فرج الله ولكن ميخائيل لم يضعف وظل ثابتًا على إيمانه.

فذهب إلى الكنيسة يوم الأحد للصلاة كعادته. ولما علم المأمور الجديد أنه ذهب إلى سخا للصلاة، ثار. وعند عودته استدعاه، وأمره بعدم الذهاب، وتوعده إذا عاد إلى ذلك مرة أخرى. ولكنه طلب معونة وإرشادًا من الله، وصلى صلوات حارة. وعندما حل

يوم الأحد التالي، ذهب للصلاة كعادته. وعند عودته وجد أن الأوامر قد صدرت بنقل المأمور إلى جهة نائية، ولم يمض على وجوده بكفر الشيخ سوى أيام معدودة وواظب ميخائيل على الصلاة، وكان ينمو في الإيمان.ثم صدر أمر بنقله إلى بلبيس بالشرقية.

أنتقل ميخائيل أفندي إلى وظيفته في كفر الشيخ، ومعه حنينه المتزايد إلى نعمة الله العاملة، فأسس من زملائه ومعارفه جمعية روحية على نطاق أوسع، وسرعان ما نقله من كفر الشيخ بقليل، سمحت إرادة العلى، أن تتحول جمعية هذه البلدة إلى كنيسة كفر الشيخ الحالية. أقامتها العناصر التي عاصرت هذا الغيور.

جمعية يؤسسها ثلاثة:

استقبلت مدينة بلبيس (شرقية) موظفها الجديد ميخائيل أفندي بشغف كبير. وكان يؤدى عمله بأمانة واستقامة، وعرف بالنزاهة الكاملة، فاحتل مكانة طيبة في قلوب مواطنيه.

وفى المجال الروحي، التقى بالمرحوم جرجس عبد الملك زميله في العمل، وبزميله الآخر الشماس عوض الله حنا حفظه الله بالزقازيق وكان اللقاء المثلث نواة لجمعية روحية، آلت إلى كنيسة بلبيس الحالية..

وكان نموذجًا للموظف الكفء الأمين. ومع شدة تمسكه بالدين وتعاليم الكنيسة المقدسة وطقوسها، كان يقوم بعمله بكل إتقان ورعاية. إذ يندر أن عثر له مفتش أو رئيس على الخطأ.

ومعلوم أن مدينة بلبيس الحالية مدينة قديمة في التاريخ، وكان بها كرسي أسقفية كما يخبر بهذا سنكسار الكنيسة. والزائر لها في ذلك الوقت، كان يرى في شوارعها وأزقتها بقايا الأديرة، وأعمدة الكنيسة القديمة ملقاة في الطرقات. وكانت بها قلة من المسيحيين رقيقي الحال.

فلما وفد إليها ميخائيل أفندي، نقلًا من كفر الشيخ، اختمرت لديه فكرة إقامة كنيسة بها، ولكن لم يكن فيها سوى الإرسالية الإنجليزية، وكان كلامه بلغة الإيمان الذي انتصر أخيرًا. وأقيمت الكنيسة، وهى تؤدى رسالتها الآن وعند حفر

أساس هذه الكنيسة، عثر على تمثال نحاسي بطول 25سم آية في الروعة والجمال، يمثل السيد المسيح مصلوبًا على الصليب خشبي، وبمرور الزمن تآكل الخشب، وبقى التمثال النحاسي. وقد يكون مودعًا حاليًا في كنيسة بلبيس التي عثر عليه في أساسها.

صلته بجمعية أبناء الكنيسة، ولقاءه بالأستاذ نظير جيد:

كانت الجمعيات الوعظية التي تتمثل في جمعيتي الإيمان وأصدقاء الكتاب، والجمعيات الشماسية التي تتمثل في جمعيتي نهضة الكنائس وأبناء الكنيسة، ذات أثر فعال في النهوض بالمنبر وخدمة المذبح بالقاهرة والأقاليم، عن طريق الخدمات المنتقلة والفروع الناشئة. وتم تاسيس فرع لهذه الجمعية بالزقازيق سنة 1927 امتدادًا لحياة أفضل.

قام هذا الفرع بنهضات روحية كانت واسطة لقاء مع العامل الغيور في كرم الرب بالشرقية، ميخائيل أفندي. كما كانت واسطة لقاء مع العامل الغيور في كرم الرب بالشرقية، ميخائيل أفندي. كما كانت واسطة لقاء بينه وبين الأستاذ نظير جيد، المدرس حيث كان يلبى دعوه الجمعية بالزقازيق، لإلقاء عظات في نهضاتها. وهو الآن الجالس على العرش المرقسي قداسة البابا شنوده الثالث.

وكان ميخائيل أفندي يحضر عظات هذه النهضات الروحية. ويشير إلى بما معناه (إن لهذا الشماس نظير جيد عملًا يعده له الرب في مستقبل الكنيسة). ولم يتقابلا شخصيًا في ذلك الوقت، ولكنهما ارتبطا قلبيًا، إلى أن سمحت إرادة الرب بلقائهما في مجال الخدمة الفسيح.. وقد اختار قداسة البابا شنوده القمص ميخائيل إبراهيم لعضوية المجلس الإكليريكي للكنيسة القبطية عامة.

فكرة بناء كنيسة بلبيس:

دعا ميخائيل أفندي جمعية أبناء الكنيسة بالزقازيق للوعظ في جمعية بلبيس سنة 1932.

وفى يوم الجمعة الخامسة من الصوم المقدس عام 1933 قامت جمعية أبناء الكنيسة بالزقازيق، بصلاة القداس الإلهي في كنيسة بلبيس.

كانت مدينة بلبيس من أمهات المدن المصرية، وقد ذكرها المؤرخ بطلر Buter في كتابه عن الفتح العربي. وكانت عامرة بكنائسها ومؤمنيها، غير أن الغزوات التي توالت على مصر قضت على مقدساتها، فاندثرت كنائسها، حتى قيض الرب لها ميخائيل أفندي إبراهيم، فصار لها بعث جديد، حيث أنشأ كنيستها. ولبناء هذه الكنيسة قصة جميلة:

الأرض الأولى التي شرع ميخائيل أفندي وزملاؤه في بناء الكنيسة عليها، تغيرت لأن بعض العناصر هدموا ليلًا ما بنى نهارًا. وكذلك كان نصيب الأرض الثانية. إلى أن التقى صديق مخلص من المواطنين بميخائيل أفندي، ونصحه أن يتخير أرضًا بعيدًا عن العمران.

ولما تم ذلك الاختيار، عثر أثناء حفر الأساس على تمثال برونزي للمسيح مصلوبًا، فكان هذا علامة على أن الله يختار الزمان والمكان.

ولست أعلم مصير هذا الصليب: هل موجود في الكنيسة كأثر مبارك، أم أنه محفوظ لدى أسرة مجاورة للكنيسة؟

أما ميخائيل أفندي فكان وزملاؤه يحملون مواد البناء على أكتافهم مع العمال، حتى تم بناء الكنيسة.

إن من ضواحي بلبيس قرية ميت حمل، بلغنا بالتواتر أن عدد مذابح كنائسها كان مائة مذبح تقدم عليها القرابين، وليس بها الآن مذبح واحد. ولكن بعث الكنيسة التي تقيم الباقية من أسرات المسيحية المتناثرة في ضواحي بلبيس، إلى الكنيسة التي تقيم لها مراسيمها الدينية. وهكذا يعمل الله بالقليل وبالكثير.

عناية المتنيح بهذه الكنيسة:

صارت الكنيسة في بلبيس بركة لا تقدر. وأرسل لها الرب كاهنًا من بلدة الغنايم (مديرية أسيوط)، وهو المتنيح القمص دوماديوس، الذي قبل العمل بشروط وروح ميخائيل أفندي، وهى مجانية الخدمة، والصلاة في الصوم المقدس حتى الخامسة من مساء كل يوم. وكان ذلك الكاهن مثاليًا، صابرًا أمينًا، ظل يرعى شعب بلبيس على الرغم مما عاناه من آلام نفسية كثيرة.

وكان الموظفون بديوان مديرية الشرقية، يحبون ميخائيل أفندي حبًا جمًا، ويرسلون له التبرعات والاشتراكات للكنيسة الناشئة.

وأذكر منهم المرحومين متري عبد الملك ببندر الزقازيق، وجرجس ميخائيل بالقلم الإداري بالمديرية، ويوسف عبد الملاك بالقلم المالي. وظل ميخائيل أفندي يمد الكنيسة باحتياجاتها حتى تنيح في أحضان القديسين. كما كان يرعى كاهنها، إلى أن حضر إلى القاهرة يومًا ما، فصدمته سيارة بشارع رمسيس، حيث قضى نحبه بالمستشفى القبطي. وظل أبونا ميخائيل يرعى أسرته حتى النفس الأخير.

+ واحتاج الشعب إلى كاهن ليرعى الكنيسة، فطلب إليهم ميخائيل أفندي أن يصلوا ويصوموا إلى الله أن يرسل لهم كاهنًا يرعاهم، لأن الآباء الكهنة ما كانوا يحبون الذهاب إلى بلبيس ونواحيها، حيث كان الأطفال يزفونهم بعبارات غير لائقة..

وفى أحد أيام انقلب قطار بضاعة على الشريط. ونتيجة لذلك تعطل قطار الركاب الذي أتى بعده، ووقف عند محطة بلبيس. ونزل الركاب لكي يتفرجوا على البلد، خصوصًا عندما علموا أن هناك عطلًا لست ساعات على الأقل.

وكان من ضمن الركاب أحد الآباء الكهنة، أخذه ميخائيل أفندي معه وأكرمه، وسأله عن كنيسته. فلما علم منه أنه بدون كنيسة، عرض عليه الخدمة في بلبيس..!

وكان اسم هذا الكاهن أبونا دوماديوس. ولم يعد بالقطار، وتذكرته في جيبه. واستقر في البلد. وفى اليوم التالي مباشرة، أقام القداس بالكنيسة.

+ ثم صلى الشعب لكي يرسل الله مرتلًا للكنيسة (المعلم):

وحدث أن أرسل أحد المرتلين، واسمه المعلم إبراهيم، خطابًا للكنيسة، يعرض حضوره بعد أن سمع ببناء كنيسة في بلبيس، فوافقوا على حضوره..

+ ومما يذكر أنه توجد بجوار بلبيس بلدة اسمها ميت حمل، ويُقال أن سبب تسميتها بهذا الاسم أنه كان يقدم فيها كل أسبوع مائة حَمَل أي يصلى مائة قداس.. وبالقرب منها اسمها الزربية، حيث كان المسيحيون الذين يحضرون إلى ميت حمل، يتركون فيها دوابهم إلى أن يحضروا القداس. وقد تغير اسمها إلى العدلية، حينما عين منها وزير للعدل. وكان في ذلك الوقت (محمود باشا صالح).

+ وفى يوم من الأيام، وكان ميخائيل أفندي يخدم شماسًا في الهيكل، صدمت عربة حانطور ابنه الصغير بطرس (م. بطرس حاليًا)، ومرت بعجلاتها فوقه..

وصرخ المارة، وظنوا أنه مات وذهب الناس إلى ميخائيل أفندي أثناء خدمته كشماس، وقالوا له: [ابنك بطرس داسته عربة حانطور ومات.]. وإذا بميخائيل أفندي يرد بهدوء عجيب: [أعمل إيه، لتكن مشيئة الرب]. ولم يترك الهيكل، واستمرار في صلوات القدس.. ولم يمت بطرس، وكان العربة لم تمر عليه إطلاقًا.

المأمور يساعده في بناء الكنيسة

كانت نعمة الله تعمل، فبدأت مباني الكنيسة تعلو. فذهب وفد إلى مأمور المركز، وقالوا له بأنه لا يصح أن تبنى كنيسة في عهده. ولكنه كان رجلًا حكيمًا، يحب ميخائيل حبًا جمًا، حيث كان ميخائيل يتحلى بجميع الصفات المسيحية الحقة، وكان بحق رائحة المسيح الذكية وسفيرًا حقيقيًا للمسيح.

فهدأ المأمور من ثائرتهم، وأفهمهم أنه لا يصح أن يقف أحد في سبيل أقامة أو تعمير بيوت الله. ثم استدعى ميخائيل وطمأنه، وطلب منه الإسراع في إتمام المباني وبمعونة الله تشييد الكنيسة، (ولها قبة بالخرسانة المسلحة) باسم الشهيد العظيم مارجرجس، وبجوارها مسكن للكاهن.

الإرسالية الإنجليزية لا تعارض:

لم تكن في بلبيس كنيسة، كما لم تكن هناك أية رابطة، أو أي اجتماع روحي للأقباط. سوى الاجتماع الذي كانت تقيمه الإرسالية الإنجليزية كل يوم أحد.

وعندما استقر المقام بميخائيل إبراهيم في بلبيس، وطد علاقته بجميع الناس، بما حباه الله من قلب كبير وعقل راجح. وقد أحبه الجميع، ومنهم المرسلون الإنجليز الذين كانوا يحترمونه ويجلونه إلى أبعد مدى. حتى أنه عندما شرع في تأسيس جمعية قبطية تشرف على اجتماع للأقباط، لم يروا في ذلك غضاضة أو منافسة لهم، بل قابلوا عمله بفرح.

جمع التبرعات

لما شرع في تأسيس كنيسة قبطية ببلبيس -وكان ذلك في الثلاثينيات- أخذ موافقة مطران الشرقية، الذي باركه وأعطاه طرس البركة لجمع التبرعات.. وقام يعاونه المرحوم الشماس رمزى بولس، الذي أحبه بكل جوارحه. بزيارة كثير من البلاد. وبنعمة الله تمكن من جمع مبلغ كبير يكفى للبدء في إقامة الكنيسة. فاشترى الأرض اللازمة.

وعندما شرع العمل في حفر الأساسات، عثروا على تمثال للسيد المسيح على الصليب، حيث كانت بلبيس مدينة عامرة بالكنائس في العهود القديمة. وكان هذا الأثر فألًا حسنًا، واختيار الأرض بإرشاد من الله.

..

في مصر القديمة:

وفى عمله بالجيزة، كان يجد تعزية في تردده على كنيسة مارمينا بمصر القديمة حيث التقى بالقمص مينا المتوحد (المثلث الرحمات البابا كيرلس).

ولفت نظر الشعب والشباب الذي كان يتردد على الكنيسة بالصورة التقوية العجيبة، التي تمثلت فيه وهو يقبل أعتاب الكنيسة وجدرانها وأيقوناتها، حتى يصل إلى هيكلها ساجدًا عابدًا، بدموع وورع.

وممن تأثر بصورته الروحية المثالية، الأستاذ نظير جيد، وكان يقيم بتلك الكنيسة وقتذاك ( قداسة البابا شنوده الثالث المتنيح). وكان يكن لميخائيل أفندي كل تقدير دون اتصال شخصي.

دعوته للكهنوت:

وهو موظف بالجيزة، دعى للكهنوت في كنيسة السيدة العذراء بكفر عبده، مسقط رأسه، وكان خادماها القمص جرجس والقمص حنا قد تنيحا بسلام.

فلبى الدعوة السماوية، ونال نعمة الكهنوت في عام 1951، ثم رسم قمصًا في عام 1952، وكانت رسامته فتحًا روحيًا مباركًا لهذه الكنيسة التي تربى في أحضانها، ثم تركها عاملًا في أماكن عدة إلى أن عاد إليها كاهنًا.

ثم نقل الجيزة. واجتذبته كنيسة مارمينا بمصر القديمة حيث كان يصلى أبونا مينا بمصر القديمة (قداسة البابا كيرلس السادس).

وأخذ يؤدى صلواته. وكانت تبلغ ذروتها في أيام الصوم المقدس وظل على ذلك إلى أن انتقل الطيب الذكر القمص جرجس حنا كاهن كنيسة السيدة العذراء بكفر عبده، وكان كاهنًا أمينا محبوبًا ذا شخصية مؤثرة وصوت حنون يشد انتباه وقلوب المصلين. فجزعت القلوب لفقده.

ولكن جميع الأنظار اتجهت إلى ميخائيل، ورشحته ليكون كاهنًا للكنيسة. وبعد أن أقيمت الصلوات، وافق على أن تكون التزكية بإجماع الآراء.

كما أن المتنيح الأنبا يؤنس مطران الجيزة، الذي كانت تتبعه الكنيسة، استدعاه لمقابلته. وقد رافقته في هذه الزيارة، وقضي مع نيافته فترة طويلة.

وقد انتدب نيافته بعض الآباء الرهبان للصلاة بكنيسة السيدة العذراء بكفر عبده لمدة سنة تقريبًا، إلى أن تمت سيامة أبينا المتنيح القمص ميخائيل إبراهيم في احتفال كبير بالكنيسة.

خدمته المباركة في كفر عبده:

بعد رسامته، كان كل الذي يسلم عليه ويريد تقبيل يده لا يمكنه من تقبيل يده بل يصر هو على تقبيل يد يسلم عليه.

بعد رسامته، منع الأطباق. وعلم الشعب أن ما يريدون أن يدفعوه، يمكنهم وضعه في صناديق الكنيسة، وتكون الخدمات مجانية من أكاليل وقداسات وعماد وجنازات.. الخ.

كان يقيم في حجرة في الدور الثاني بالكنيسة. وإن تركها، كان كسيده يجول يصنع خيرًا.

جذب الجميع إلى الكنيسة، ومن الأطفال إلى الشيوخ. وكانت الكنيسة ممتلئة دائمًا بالمصلين.

وكان الشعب يحضر إلى الكنيسة بشغف، وتعود على أن يظل في الكنيسة في عمق الروحيات. وكانت الكنيسة تنهى الصلاة في الأيام العادية ما بين الثانية عشرة والواحدة ظهرًا، وفى الأصوام بعد الخامسة مساءًا، وفى ليالي الأعياد حوالي الثانية من صباح يوم العيد. وقد علم الجميع أهمية وقدسية الاعتراف والتناول.

كان أول من أقام قداسات في البلدة، خاصة بالطلبة في أيام امتحاناتهم. فكنا نذهب إلى الكنيسة مبكرين قبل الامتحانات. وكان كل منا حريصًا على أن يسلم عليه وينال بركته قبل الذهاب إلى المدرسة.

كان أول من أقام قداسات يوم الجمعة في البلدة. وأول من أنشأ الاجتماعات الروحية بشتى أنواعها.

اهتم بالشباب وافتقادهم، وأحضر لهم خدامًا من بنها والقاهرة، واهتم باعترافاتهم وضرورة تناولهم، واستفاد بهم في كافة النواحي، وأنشأ لهم ناديًا صيفيًا.

عود أهل البلدة أن يدفعوا العشور، وأيضًا البكور. وكان الجميع يعطون بسرور.

وكان يصلى صلاة القنديل لجميع مَنْ بالقرية في أيام الصوم الكبير، على التوالي، وبالتجاور في المنازل، ولم يترك منزلًا واحدًا.

اهتم بأبنية الكنيسة عامة. والشيء الذي شعرت به أكثر، هو بناء السور الدائري حول الكنيسة والمدرسة الملاصقة والحديقة ومساحات أخرى تابعة للكنيسة وقد قام الشباب بنقل لوازم عمل الطوب اللبن. وبعد أن يتم عمله، كان يقوم معنا بتقليبه لكي يجف، ويشترك معنا في نقله، وذلك ليلًا أثناء النادي.

اهتم بالمدرسة التابعة للكنيسة والملاصقة لها. وكان المعلم يعطى على الأقل حصة دين كل يوم لكل فصل من ألحان وغيره. وكون فرقة شمامسة من أطفال المدرسة، وكذلك فرقة شمامسة لكبار السن. فكان الآباء والأولاد في كل بيت كأنهم فرقة شمامسة للكنيسة. وأولياء الأمور الأميون كانوا يسمعون من أطفالهم وأبنائهم ما حفظوه في المدرسة وفى الكنيسة.

كان يحث الصغار على الإعتراف وكان يتابع كل سن وكل مرحلة، من رجال وسيدات وشيوخ، وشباب وشابات وأطفال. وكان يخصص أوقاتًا للاعتراف.

كان يضع خطية كل واحد منا على كتفيه هو وينفذ مع المعترف القانون والمطانيات.

كانت ليالي سبعة وأربعة في شهر كيهك، تقام كل ليلة في عهده حتى الصباح، وهو يشترك في الصلوات طوال الليل.

اهتم بالمدافن، ومهد لها طريقًا خاصًا. لأنه لم يكن لها طريق، وكانت مياه الرشح تقطع الطريق عن المدافن، على مسافة لا تقل عن 200 مترًا. فأقام لها طريقًا عرضه حوالي 8 أمتار.

هذا قليل من كثير، مما أذكره عن أبى المتنيح القمص ميخائيل إبراهيم في كفرعبده، وبالإضافة إلى ما اذكره له في كنيسة مارمرقس بشبرا.

خدمته في كفر عبده

كان يقيم صلاة العشية كل يوم، ويقيم اجتماعات روحية للشعب وإرشادات دينية للشباب وكان يفتقد العائلات. ويزور القرى المجاورة لكفر عبده لافتقاد شعبها وقد قام بعمل مذبح متنقل، وكان يذهب إلى قرى التي ليست فيها كنائس، مثل طه سبرا، ومنشاة دملو، سيرًا على الأقدام، مسافات طويلة ليعلم ويبشر. وقد أمام مذبحًا السيداتثانيًا بالهيكل البحري في كنيسة العذراء بكفر عبده.

وكان يقوم بنظافة الكنيسة بنفسه، ومضحيًا بصحته. وفى إحدى المرات قام بتنظيف أرضية الكنيسة من كنس ومسح بالماء. وقد سورًا للكنيسة. وكان يجمع التبرعات له من كل مكان.

وطلب من نيافة الأنبا يؤنس (مطران الإيبارشية وقتذاك) بأن يسمح له بوضع صندوق في الكنيسة، ليضع فيه الشعب عطاياه،مع عدم جمع أطباق، ومنع فرض رسوم نظير الخدمات، فوافقه على ذلك. وكان يفتح هذا الصندوق كل شهر بحضور كل الخدام، ويخصم منه العشور لله، ويقسم الباقي عليهم جميعًا.

كانت توجد بجوار كفر عبده بضعة قرى لا توجد بها كنائس، مثل طه شبرا، ومنشأة دملو وعزبة مسيحية، وغيرها.. فكان يذهب إلى هذه القرى. وكان يقيم هناك القداسات ويرفع الذبيحة، مستخدمًا اللوح المقدس.

لماذا ترك كنيسة كفر عبده؟

أراد تحقيق أمنيته بتطبيق مجانية الخدمات، الأُمنية التي أعجبته في مبادئ جمعية أصدقاء الكتاب المقدس، والتي طبقها في بلبيس. فلم تلائمه الظروف.

فآثر صونًا لسلام الكنيسة والبلدة، أن يبتعد إلى حين عن الكنيسة، معتكفًا لدى أسرته بالقاهرة، مترددًا على كنيسة مارمينا بمصر القديمة للتعزية الروحية، آملًا أن يحين الوقت لعودته إلى كنيسته.

كان من طراز غير معروف في قويسنا وتخومها. لم تكن تعجبه تصرفات شريكه في الخدمة في نفس الكنيسة. حاول جاهدًا أن يقوده إلى روحانية الخدمة، فلم يفلح.

وكان لابد من حدوث مشادات، تألم منها أبونا المتنيح القمص ميخائيل ففرض على نفسه وعلى زميله خمسين مطانية يؤديانها عن إساءتهما لبعضهما البعض. ولما امتنع زميله عن التنفيذ، عمل هو المائة مطانية. ثم اشتد النزاع بعد ذلك. ولم يستطع أن يفهمه الذين حوله. وانضم نيافة المطران إلى القائمين على شئون الكنيسة.

وآثر المتنيح القمص ميخائيل أن يترك كفر عبده ويسكن في القاهرة.. وتَحَمَّل كل ذلك، دون أن يشكو أو يتذمر..

أثناء خدمته بكفر عبده، أدخل نظام وضع التبرعات في صناديق بالكنيسة، مع تأدية جميع الخدمات الروحية دون مقابل مادي سوى ما يلقى في صناديق التبرعات، كما كان يقوم يوميًا بتأدية صلاة الغروب والنوم بالكنيسة وتلاوة إنجيل اليوم. وعندما حل الصوم المقدس كان يقيم القداسات يوميًا، بحيث تنتهي الصلاة في الخامس مساءًا.

وقد اعتبرت هذه كلها مغالاة. وعندما رأى أن ذلك سيكون مثار خلاف، آثر الانسحاب، والتجأ مرة أخرى إلى كنيسة مارمينا بمصر القديمة، إلى أن دعى للخدمة بكنيسة مارمرقس بشبرا.

استمراره في خدمة الكنيسة:

كان يحب كنيسة العذراء بكفر عبده، ويعتبرها كنيسته الأصلية، ويخدم خدمتها وهو في القاهرة، وبخاصة في السنوات الأخيرة من حياته على الأرض وكان يسافر إلى بلدته بين الحين والآخر. وكم كان فرح قلبه ببناء منارة الكنيسة. وكان يحدثني عن عمل الله في بناء المنارة في بهجة قلب حقيقية.

دعي للخدمة بكنيسة مارمرقس بشبرا. ومع ذلك ظل الراعي الأمين لكنيسة العذراء بكفر عبده: يرعى خدامها وشعبها، ويقدم للطلبة واليتيمات ولجميع إخوة المسيح المساعدات السخية في جميع المناسبات.

وكان لصلواته وللتقدِمات التي تقدم للكنيسة باسمه، الأثر الكبير في تجديد الكنيسة. وكانت جميع المشاكل والعقبات التي تعترض تجديد الكنيسة، تحل وتنتهي بسلام، بشفاعة العذراء القديسة الطاهرة مريم، وبقوة وحرارة صلوات القمص ميخائيل إبراهيم الذي أحب هذه الكنيسة بكل جوارحه.

وكان لا يبارحها قبل أن يقبل كل شيء فيها. وكان الشعب يعتبر أيام وجوده بكفر عبده كأيام الأعياد.

مواقف فى حياة القمص ميخائيل إبراهيم:

كان أبونا ميخائيل إبراهيم في زيارة أحد العائلات وفجأة قام ليصلي لكي ينصرف. تعجب أهل البيت من تصرفه هذا، فقالوا له:

لماذا أنت مستعجل يا أبانا؟

ابني إبراهيم (روَّح)!

بالفعل عرفوا بعد ذلك أنه في هذه اللحظات أسلم ابنه الدكتور إبراهيم الروح وانتقل من هذا العالم.

ذكر الدكتور إبراهيم في منزل المتنيح القمص مرقس باسيليوس هذه القصة على لسان ابونا ميخائيل إبراهيم قائلاً: كنت جالسًا في حجرة الاستقبال بالمنزل وأنا مستيقظ كنت أفكر في مشكلة معينة لا يعرف حقيقتها إلا ابني إبراهيم. رفعت عينيّ وأنا جالس على الكرسي وقلت: أليس ممكنًا أن ترسل لي يا رب ابني إبراهيم لكي يخبرني بالأمر؟ فجأة وجدت إبراهيم واقفًا أمامي بثوبٍ أبيض جميل. قال لي: ماذا تريد يا أبي؟

تطلعت إليه وفرحت جدًا، وقلت له: أنت لبست الثوب الأبيض يا ابني! لا أريد أن أوسخه لك بالاهتمامات الزمنية ما أريده هو أن تصلي من أجلي وتباركني.

ختم أبونا حديثه بقوله: فباركني ابني إبراهيم وانصرف. ربما أختصر بعض أحاديث الحب الروحي والمباركة المتبادلة بينهما!

روى أبونا ميخائيل إبراهيم، نيَّح الله نفسه، هذه القصة التي حدثت معه. جاءه الزوج الشاب يشتكي زوجته، قائلًا: إنها تسبُني بألفاظ صعبة وقاسية بلا سبب، ثم بدأ الزوج ينطق ببعض كلمات السبّ، وأبونا يسمع إليه حتى انتهى الزوج من حديثه دون تعليق من جهة أبينا. سأله الأب الكاهن: هل متأكد أن هذه الكلمات صدرت عن زوجتك؟

نعم، فأنا لا أكذب.

هل هو صوتها؟

إنه صوتها!

هل أنت متأكد؟

إنها زوجتي، عشت معها كل هذه السنوات، وهي التي تسبّني.

ابتسم أبونا ميخائيل وهو يقول: إنها ليست زوجتك؛ عدو الخير يتكلم على فمها لكي يحطم بيتكما. هي صالحة، لكن الشيطان يريد أن يهلكها ويهلكك. ارجع إلى زوجتك ولاطفها.

عاد الزوج إلى بيته وصار يُصلي لأجل زوجته ولأجل نفسه، وصار يلاطفها بحبٍ صادقٍ فتحوَّل البيت إلى كنيسة مقدسة مملوءة سلامًا!

درسٌ من شيخٍ ساقطٍ:

ويقول القمص تادرس يعقوب: في بدء خدمتي في الكهنوت جاءني رجل شيخ لا أعرفه وطلب مني أن يعترف. وفي خجلٍ شديدٍ همس قائلًا: إني لأول مرة أسقط في خطية الزنا. في بساطة ظننته أنه يشكو من نظرةٍ خاطئةٍ هذه التي نحسبها أيضًا زنا فقال لي إني لست اقصد النظرة. تحدثت معه على أنها لمسة خاطئة، لكنه عاد ليؤكد أنه ارتكب الخطية فعلًا. لم أكن في ذلك الوقت أتصوّر إنسانًا ما يرتكب هذه الخطية.

في مرارة ذهبت إلى أبينا المتنيح القمص إبراهيم ميخائيل وأنا منكسر النفس جدًا. رويت له ما حدث دون ذكر للاسم، خاصة وأن أبانا من القاهرة لا من الإسكندرية. وإذ رآني مرتبكًا للغاية هدأ من روعي قائلًا:

أتعرف لماذا أرسل لك الله هذا الشيخ الساقط؟

لست أعلم!

يريد أن يعطيك في بدء خدمتك الكهنوتية عدة دروس، منها:

الدرس الأول: لا تأتمن جسدك حتى إن بلغت الشيخوخة أو كنت كاهنًا! كن حريصًا وحذرًا!

الدرس الثاني: لا تقسو على شابٍ ساقطٍ، فإن الخطية خاطئة جدًا، وقتلاها أقوياء حتى من الشيوخ ترفّق بهم لكي تسندهم ضد الخطية.

لست أقول تتهاون مع خطاياهم، لكن لا تُحطم حتى الساقطين، أقمهم بالرجاء الحيّ.

تركني الملاك!

فوجئ المتنيح أبونا يوحنا بكنيسة القديس مارمرقس بشبرا مصر بأبينا القمص ميخائيل إبراهيم بعد أن صرف ملاك الذبيحة ورش الماء، أنه عاد إلى الهيكل بخطواته الهادئة، ثم سجد أمام طفلٍ. قام ليكرر السجود أمامه للمرة الثانية والثالثة.

دُهش أبونا يوحنا للمنظر، خاصة وهو يسمع الكاهن الشيخ يقول للطفل بنغمة مملوءة تواضعًا: سامحني يا ابني أنا عليت صوتي عليك، سامحني.

قال أبونا يوحنا: كيف وأنت شيخ يا أبونا تسجد لطفلٍ يُعتبر كأحد أحفادك؟!

في هدوئه المعهود قال له أبونا ميخائيل:

لا تعرف يا أبانا ماذا حدث. سأخبرك، لكن أرجوك ألا يعرف أحد شيئًا إلا بعد سفري (انتقالي من العالم).

بينما كنت أذكر أسماء الذين طلبوا مني ذكرهم على القرابين، كنت أرى ملاكًا يقف بجوار المذبح ثم يختفي، وإذ أذكر الاسم التالي يظهر ثم يختفي. وتكرر هذا الأمر حتى رأيت هذا الشماس الصغير يتحرك فشتت أفكاري (مخيلتي)، وإذ صرخت أمامه لكي يهدأ تركني الملاك ولم يعد.

عليك بركة البسها!

إذ ازدحمت الكنيسة بالمصلين في ليلة العيد لاحظ أبونا القمص ميخائيل إبراهيم شابًا يخرج من حجرة الشمامسة وقد تسللت الدموع من عينيه. ذهب إليه في هدوء وابتسامة وربت على كتفيه وهو يسأله عن سبب حزنه. لم

يرد الشاب أن يتكلم، لكن أبانا صمم أن يعرف السبب، فقال له الشاب: لقد أتيت يا أبي متأخرًا وكنت أود أن أخدم شماسًا في ليلة العيد، لكنني لم أجد التونية. لعل أحد الشمامسة الغرباء أخذها ليشترك في الصلاة.

أمسك أبونا بيد الشاب ودخل به إلى حجرة الكهنة وقدم له تونيته، فرفض الشاب تمامًا، لكن أبانا أصر أن يلبسها الشاب، قائلًا له: عليك بركة البسها وأخدم، ولا تحزن افرح، لأنه لا يصح أن تحزن في هذا اليوم!

خدمته في كنيسة مارمرقس بشبرا

ظل يقترب ويقترب من الكنيسة التي تبلورت فيها المواهب المعطاة له من الله، وهى كنيسة مارمرقس بشبرا. ويجار العقل الإنساني في التدبير الإلهي الذي أتى به إلى هذه الكنيسة، كما أتى بي أنا أيضًا إليها..

هيأت له الحكمة الإلهية مسكنًا في شارع الترعة البولاقية بشبرا. وسمع قدس الأب الموقر (القس) مرقس داود كاهن كنيسة مارمرقس بشبرا، بتقواه وفضائله، فسعى للتعرف به، فزاره في مسكنه.

وفى ذلك الحين، كان قد اتسع نطاق الخدمة في كنيسة مارمرقس، وذاعت مبادئها في التجرد عن المادة، والتفرغ للروحيات والخدمة الاجتماعية وتطلبت الخدمة الواسعة إقامة قداسين يوم الأحد. وكانت البطريركية توفد راهبًا ليصلى في الكنيسة أحد القداسين.

وفى يوم أحد، لم يحضر الراهب المكلف بالخدمة، ولكن عمل الله لم يتعطل. إذ لمح أبونا القس مرقس داود المتنيح القمص ميخائيل إبراهيم منزويًا في ركن مستعدًا كل حين. وبعد انتهاء الخدمة القداس الثاني، فقبل الدعوة إذ

كان مستعدًا كل حين.. وبعد انتهاء الخدمة، عرضت عليه الكنيسة أمر الخدمة المؤقتة بها، فقال: إن مذبحًا رسمت عليه في كفر عبده، ولن أرتبط رسميًا بمذبح سواه، وإنما إذا شعرتم في أي وقت بحاجة إلى معاونتي فأنا طوع طلبكم.

ولقد دعته الكنيسة بضع مرات، وكان يلبى الدعوة، إلى أن وجدت فيه الكنيسة ضالتها المنشودة، فبقى خادمًا فيها إلى يوم نياحته (26 مارس 1975).

جذبت قداسته وحكمته أفواج الشباب والكهنة، يجلسون عند قدميه يستلهمون النصح والإرشاد، مقدمين اعترافاتهم. أصبحت الكنيسة تموج بأفواج الوافدين.

وذاعت بركة خدمة التعاون والمحبة التي تمثلت في كاهنيها المثاليين، أبينا مرقس وأبينا ميخائيل، حتى أصبحت الكنيسة كخلية النحل. وكما وصفها الأب الموقر القمص بطرس سيفين في مجلة صوت الشهداء بأنها [الكنيسة التي لا تنام]، إذ كانت تذخر بالقداسات والاعترافات ونواحي النشاط المختلفة من الصباح الباكر حتى منتصف الليل..

ووجد القمص ميخائيل إبراهيم في هذه الخدمة تحقيقًا لأسمى أماني روحه الطاهرة الساهرة.

النياحة:

تنيح أبونا ميخائيل في فجر الأربعاء من يوم 26 مارس سنة 1975 م. وقام بتحنيطه الدكتور يوسف يواقيم، ووضع جثمانه الطاهر في كنيسة مارمرقس بشبرا حتى ظُهر الخميس ليتبارَك منه

شعبه وأولاده. وفي الساعة الواحدة بعد الظهر نُقِلَ إلى الكاتدرائية. وبدأ الجناز الساعة الثالثة. وقد صلَّى عليه قداسة البابا شنوده الثالث ومعه أصحاب النيافة: الأنبا

صموئيل، الأنبا دوماديوس، الأنبا يوأنس، الأنبا باخوميوس، الأنبا تيموثاوس. كما حضر الصلاة وكيل البطريركية وحوالي مائة من كهنة القاهرة والإسكندرية، وآلاف من الشعب(1).

وفي المقر البابوي يوجد كنيستان: كنيسة العذراء والأنبا رويس، وكنيسة العذراء والأنبا بيشوي، ويتوسطهما مدفنة بها مثوى جسد الأنبا صموئيل الأسقف الشهيد أسقف العلاقات العامة والخدمات الاجتماعية، إلى جانب جسد القديس أبينا ميخائيل إبراهيم، والأنبا غريغوريوس أسقف الدراسات العليا والثقافة القبطية والبحث العلمي.

وطنى
27 مارس 2021 |