القائمة الأقباط اليوم أبحث
أهم الأخبار

لا يدافع عن المتحرش إلا متحرش

بقلم سحر الجعارة

عادة ما كنت أرى هذا المشهد فى شوارع مصر: الشباب يقذفون كلاب الشوارع بالحجارة إذا كانت فى حالة تزاوج، وكأن على الحيوان الذى خلقه الله بلا عقل أن يدرك أن هذا الفعل لا يتم فى العلن وأنه يتطلب الستر.

لا يدافع عن المتحرش إلا متحرش

وكأننا تصدينا لحيوان برىء نطارده بالحجارة، ونسينا وحوشاً تتربى فى البيوت، وتصل لكليات القمة الطب، وتُدرّس للطلبة فى جامعاتنا، ثم تُشبع غرائزها -دون خجل- ودون أى رادع دينى أو أخلاقى على الملأ فى المواصلات العامة بالاستمناء(!!).

كانت طالبة الطب تجلس فى مقعدها داخل الميكروباص فى طريقها للجامعة، لا تدرك أن إلى جوارها زجاجة مولوتوف على وشك الانفجار بملامسة آثمة من شاب (اتضح أنه معيد فى نفس كليتها)، نظر إليها وبدأ يمارس العادة السرية.. تجمّد الدم فى عروقها،

تسارعت نبضات قلبها، كان الأدرينالين يتزايد فى دماء شاب على وشك القذف تماماً كما يرتفع فى دماء شابة وجدت إلى جوارها مصاص دماء.. لم تكن هذه واقعة تحرش يمكن للفتاة أن تبتلع مرارة مهانتها وتترك كرامتها المراقة على كرسى الميكروباص وتنزل.

لقد وجدت الشابة أمامها عضواً ذكرياً منتصباً فى هيئة شاب يحاول إشباع غريزته بنظرات متبجحة خادشة للحياء إلى تفاصيل جسدها.. ربما لمسها أو هتك مناطق حساسة فى جسدها.. لا أحد يعلم. كل ما نعرفه أن الضحية -من هول الصدمة- لم تصمت، بل

انتابتها نوبة هستيرية من الصراخ، توقف السائق على صرخات الفتاة، وأمسك ركاب السيارة بالمتهم، وألهمها ذكاؤها أن تصور المشهد بكاميرا الموبايل وهى تصرخ فى المواطنين الذين أوسعوه ضرباً: (صوّروا بطاقته، سوف أذهب معكم إلى قسم الشرطة)!

كان الفيديو كافياً للحكم على الشاب بالإدانة، كما كان مبرراً لهواة التواطؤ مع جرائم التحرش لإدانة الضحية وسلخ لحمها: فكيف عرفت أن ما بلل ملابسه هو السائل المنوى وليس بيبسى مثلاً لم ينتبه أحد إلى أنها تدرس الطب.. المجتمع كله جاهز لتعليق المشنقة للبنت والضغط عليها لأنها تحت أيديهم إنها طالبة فى نفس الكلية ونفس الجامعة!

فى البداية أمرت النيابة بتحريز ملابس المتحرش وحبسه أربعة أيام على ذمة التحقيق، ثم فجأة دخلت نقابة الأطباء بمحافظة الشرقية طرفاً، وأصدرت بياناً تعلن فيه تكليف محامى النقابة للدفاع عن الطبيب، ليس هذا وحسب، بل تسعى النقابة -حسب البيان- لإيجاد حلول أخرى عبر تدخل حكماء ورواد الأطباء فى ما سمته جهود الوساطة!

كان يجب على النقابة أن تقف على الحياد لحين انتهاء التحقيقات مع طبيبهم هاتك الأعراض، لكن يبدو أن إحساسهم بأن الضحية فى قبضتهم أنساهم قسم أبقراط، وأسقط من حساباتهم أنه فى حال إدانة طبيبهم المغوار لا بد أن يُمنَع من مزاولة مهنة الطب!

وهو ما جعل مؤسسة المرأة الجديدة تتساءل فى بيان دشنته لدعم الضحية: (ما هى جهود الوساطة التى تقوم بها النقابة عبر حكمائها وروادها؟ وهل يحق للنقابة التدخل المباشر أو غير المباشر فى سير القضية

عبر التواصل مع الناجية أو ذويها لإيجاد حلول؟ هل من حق النقابات التدخل لحماية أعضائها فى قضايا غير مهنية وغير أخلاقية متعلقة بممارسة العنف ضد النساء؟)، الواضح أن الضحية اختبأت فى منزلها خوفاً

من بطش الكبار وفضول الصحافة وشماتة هواة الفضيحة.. لكن النيابة العامة حسمت الموقف ببيانها وجاء فيه أن (المجنى عليها شهدت فى تحقيقات النيابة العامة بنظر المتهم إليها وإيتائه أفعالاً خدشت

حياءها، منها استمناؤه قاصداً من ذلك التحرش بها، فاستغاثت بمن فى وسيلة النقل فألقوا القبض عليه وسلموه للشرطة، بينما استجوبت النيابة العامة المتهم فيما نُسب إليه من إيتائه فعلاً فاضحاً مخلاً

بالحياء علناً، وتعرضه للغير فى مكان عام بإيتاء أمورٍ إباحية، فقرر أنه أمنى بغير إرادته نتيجة احتكاك بالمقعد الذى كان جالساً عليه أثار شهوته، نافياً تعرضه للمجنى عليها. وقد أكدت تحريات

الشرطة إيتاء المتهم فعلاً فاضحاً علناً، وهو استمناؤه بوسيلة النقل، وقد شاهدته المجنى عليها خلال ذلك. هذا، وقد قررت المحكمة المختصة مدَّ حبس المتهم خمسة عشر يوماً إضافياً على ذمة التحقيقات، وجارٍ استكمالها).

المهم أن المجتمع الذى ينتفض مع كل واقعة تحرش يعود للصمت البليد سريعاً، دون أن يحاول تفسير سيكولوجية المتحرش، فقد يكون من النوع السادى الذى يُسعده أن يأخذ ما يريده من الطرف

الآخر بقدر من العنف والإجبار والقهر، أو يكون من النوع الاستعراضى الذى يجد متعته فى استعراض أعضائه التناسلية.. وحتى نفهم ظاهرة التحرش بكل أطرافها بشكل أعمق، نقرأ رأى صديقى

كابتن طيار حورس الشمسى الذى فسرها قائلاً: (هناك حزب سرى من قطعان حيوان الجربوع.. لا يعرف بعضهم البعض.. لكن تجمعهم وحدة الهدف.. يتناقلون المعلومات فيما بينهم بإفراز العرق

والفيرومونز.. يختارون الضحية دون تبادل عبارات.. يشمون رائحة الضعف والخوف والخجل.. يحيطون بها، يحتكون بها.. يخلعون ملابسها، يستمنون عليها.. يدّعى كل منهم أنه يحميها وهو ينتهكها فى نفس الوقت!

هذا الحزب عدد أعضائه لا يمكن تصديقه وتتعرف عليهم بمجرد نشر خبر التحرش بفتاة.. فهذا يقول دى تصفية حسابات وذاك يقول ربنا أمر بالستر، والآخر يقول ماعندناش تحرش، وغيره يتساءل هى كانت لابسه إيه؟، وشيخهم يقارنها بالسيارة المفتوحة، وكلهم فى الأصل يحمون متعتهم المحرمة.. متعة الجرابيع.

واجهوا الجرابيع بإعلان واضح صريح لا يقبل النقاش:

كل من يدافع/ يبرر/ يلوم ضحية التحرش هو متحرش جربوع يدافع عن متعته، وكل من تلوم الضحية هى مازوكية جربوعة تتلذذ بالتحرش).

سحر الجعارة - الوطن
11 نوفمبر 2020 |