القائمة الأقباط اليوم أبحث
أهم الأخبار

بالصور | تعرف علي "ميغيل أوغسطين" شهيد المكسيك الذى فتح ذراعيه لحظة إعدامه وصرخ "فليحيا المسيح الملك"

لم تقلّ حدّة الاضطهادات الدينيّة في الربع الأوّل من القرن العشرين في المكسيك عن تلك التي طالت المسيحيّين في روما ببداية العصر المسيحيّ. ولم يكن كاثوليك المكسيك أقلّ بسالةً من الذين في الدياميس والكولوسيوم.

بالصور | تعرف علي "ميغيل أوغسطين" شهيد المكسيك الذى فتح ذراعيه لحظة إعدامه وصرخ "فليحيا المسيح الملك"

فقد حوى دستور العام 1857، الذي أعدّه بينيتو خواريز، بنودًا ضدّ الإكليرس. وحلّ الأسوأ عندما تسلّم فينوستيانو كارّانتزا السلطة، ودخل جيشه مدينة مكسيكو في 20 آب (أغسطس) رافعين يافطات كُتِبَ عليها: الإكليرس يعني الظلمة؛ والحرّيّة نور.

في 31 تموز 1926. فأصدر قبل ستّة أيّام رؤساء الأساقفة الثمانية والمطارنة التسعة والعشرين في البلاد بيانًا أعلنوا فيه استحالة القيام بالخدمة الكهنوتيّة في هذه الشروط التي وضعتها الحكومة...، وحيث

إنّه ابتداءً من 31 تمّوز (يوليو) كلّ خدمةٍ دينيّةٍ علنيّة تتطلّب وجود كاهنٍ مشكوك في أمرها، فإنّ الكنائس لن تقفل أبوابها، بحيث يستطيع المؤمنون أن يأتوها ليصلّوا، ولكنّ الكهنة المسؤولين سوف ينسحبون.

في تلك اللحظة بالتحديد ظهر رجلنا. بدا ميغيل أوغسطين برو رجلاً ذو شخصيّتين: رجل المرح والفرح ورجل الصلاة والتضحية، وكلتاهما واضحتان. وعندما بلغ الخامسة عشرة، أمضى خمس سنوات مع والده يساعده في أعمال المكتب. ومتى وجد أوقات فراغ، يتوجّه إلى الدهاليز ليحادث العمال. بهذه الطريقة اكتسب مفرداته التي ساعدته في خدمته لاحقًا.

في 10 آب (أغسطس) 1911، عندما كان في العشرين من العمر، التحق بدير الابتداء التابع للرهبنة اليسوعيّة في إل لانو. فقد تأثّر كثيرًا بكلمات واعظٍ عندما دخل الكنيسة: تألمّ يسوع المسيح هذه الآلام كلّها من أجلنا جميعًا؛ فماذا نفعل من أجله؟

في الشهر الذي كان عليه أن يبرز فيه نذوره الرهبانيّة، في ليل الرابع من آب (أغسطس) 1913، خيّم اثنان وعشرين جنديًّا من جيش كارّانتزا أمام دير الابتداء. وأبرز ميغيل نذوره في 15 آب (أغسطس)، وصار تشتّت الجماعة لا مفرّ منه. فبدأوا يغادرون الدير في الخامس عشر من الشهر كلّ ثلاثة أو أربعة معًا سيرًا على الأقدام سالكين طريق الريف.

وبسبب استحالة متابعة دروسه في بلده الأم، نال الأخ برو كلّ تكوينه في الخارج: علم البلاغة والفلسفة في غرناطة بإسبانيا؛ التدريب الرسوليّ في نيكاراغوا واللاهوت في سارّيا ببرشلونة وإينهاين ببلجيكا.

تفاجأ برو من السهولة التي دخل بها المكسيك ثانيةً في بداية تمّوز (يوليو) 1926، على الرغم من تشدّد الحكومة التي تطرد الكهنة والإخوة عن أراضيها؛ ولا حتّى السلطات الصحيّة مانعت؛ لم ينظر أحد إلى جواز سفري أو تحقّق من أمتعتي في الجمارك.

كانت تلك هي الأيّام الأخيرة التي يسمحون فيها لعامّة الشعب بالصلاة في الكنائس. وحوصر كرسيّ الاعتراف كما لو كانت فترة يوبيل. وفي الوقت نفسه بدأت تنتشر خطابات أبينا القدّيس إغناطيوس وعظاته ومديحه.

كان يوم عيد القدّيس إغناطيوس في 31 تمّوز (يوليو) 1926، هو يوم آخر قدّاس علنيّ له. وظلّت بيوت القربان في الكنائس فارغة وأطفئت مصابيحها وسكتت أجراسها. فجعله هذا الواقع يبكي من خلال قصيدة ألّفها يا إلهي!

عد إلى الكنائس!. في ذلك اليوم بدأ إضراب عام آذى الحكومة في أهمّ مراكزها الحسّاسة: إقتصادها. فردّ كالّيس على الإضراب بإقفال 129 مدرسة كاثوليكيّة و50 كنيسة وعدد من المراكز الخيريّة. ولم يخنع الكاثوليك،

بل عزّزوا إضرابهم؛ وأغرقوا البلاد بالمناشير: إلى الأمام مع الإضراب! وملأ برو جيبه منها، فألقوا القبض عليه، ولكنّه ثابر على محادثة السائق الذي يقلّه إلى مركز الشرطة، وعلى رمي المناشير طوال الطريق.

كانت خدماته الكهنوتيّة الصرفة كثيرة. كان يسمع الاعترافات، ويقيم القداديس تحت الأرض، ويناول من 200 إلى 300 شخص يوميًّا، ويستقبل نيقوديمُس ليلًا من الذين يريدون استشارته أو تصفية حساباتهم مع الله، ووعظ الرياضات الروحيّة للمعلّمين والعمّال (وحينها استخدم عفويًّا اللغة التي تعلّمها في مراهقته بالمنجم.

إنّ الذي اختلط بالسكّيرين كما لو كان واحدًا منهم، ويتغامز مع الباعة، واعتبره الفقراء والمتشرّدون صديقهم الحميم، جعل نفسه الشخص المطلوب من مخابرات الرئيس كالّيس. وصدرت مذكّرة التوقيف بحقّه في تشرين الأوّل (أكتوبر) 1926 وفرّ عدّة مرّاتٍ منهم في آخر لحظة.

في وقت لاحق، في نهاية العام 1926، كان يتبعه ضابطان من الشرطة في طريق مسدود وكانوا على وشك الإمساك به. وفيما كان ينعطف عند الزاوية، رأى امرأة يعرفها. كانت غمزة منه كافية لتفهم الورطة التي هو فيها. فتمشّيا في الطريق جنبًا إلى جنب كحبيبين. وانعطف الضابطان بعد عشر ثوانٍ ولكنّهما لم يجدا أثرًا للأب برو في أيّ مكان، فقد التقيا فقط بثنائيّ سعيد يمضيان الوقت معًا.

كان برو يرغب الاستشهاد رغبةً شديدة. وفي يوم السبت 21 أيلول (سبتمبر) 1927، احتفل بالذبيحة الإلهيّة في ديرٍ وطلب إلى الراهبات أن يصلّوا إلى الله كي يقبله ذبيحةً عن كالّيس والكهنة وخير مكسيكو؛ وقدّم القدّاس على هذه النيّة، وبكى في أثنائه وقال في الختام:

لا أعلم هل هذا تخيّل بحت، لكنّي أشعر بأنّ الله استجاب طلبي.

ووفّرت له حادثة خطرة المناسبة. فقد تآمر أربعة كاثوليك على الجنرال أوبريغون يوم الأحد 13 تشرين الثاني (نوفمبر) في الثانية بعد الظهر، فاغتاظت السلطات، وألقي القبض على ثلاثة من المتآمرين، وجرى البحث عن الرابع، فوجدوا الأمر ملائمًا لإلقاء اللوم على إخوة برو.

كان ميغيل أوغسطين يقيم مع شقيقيه روبيرتو وأمبيرتو في منزل السيّدة فالديس، مختبئين جيّدًا في آخر الباحة. وتقاسم الثلاثة الغرفة نفسها. بعد ذلك استسلم المتآمرون الأربعة، وأقرّوا أنّه لا علاقة للإخوة برو بالأمر. واقتنع أوبريغون

نفسه ببراءتهم، ولكن في مساء 22 من الشهر، ذهب لمقابلة الرئيس كالّيس، وطلب إعدام المعتقَلين فورًا. ووافق كالّيس وأصدر الأمر بالتنفيذ. وفي الطريق اقترب منه أحد المسؤولين عن اعتقاله ورجاه أن يسامحه له. لا أسامحك وحسب. بل أشكرك أيضًا.

واحتلّت فرق الجند حديقة مركز الشرطة بكاملها، مع المسافة نفسها في الوسط للفرق الأربع الموكلة بتنفيذ الإعدام.

تقدّم الأب برو خافض العينين وقد شبك يديه، ومشى بهدوء. ووقف حيث أمِرَ بأن يقف، مواجهًا جلّاده؛ وطلب أن يسمحوا له بالصلاة، وجثا ورسم إشارة الصليب ببطء، وقبّل المصلوب الذي يمسكه بيديه، ثمّ صلّى بضع اللحظات، ووقف

ثانيةً، ورفض أن تعصب عيناه، والتفت إلى ممثّلي الحكومة ومعدميه وقال: فليرحمكم الله وليبارككم. وحمل المصلوب بيدٍ وسبحته باليدِ الأخرى؛ وفتح ذراعيه بشكل صليب، وكرّر كلمات يسوع التي قالها على الصليب: أسامح أعدائي من كلّ قلبي.

ثم تلا الكلمات التي اعتاد الشهداء المكسيكيّون تردادها في أثناء موتهم: فليحيا يسوع الملك!

jespro
18 يوليو 2017 |