Our App on Google Play Twitter Home أبحث

تفسير الاصحاح الثالث من سفر راعوث للقمص تادري يعقوب ملطى

راعوث في بيت بوعز


وجهت نعمى راعوث للذهاب إِلى البيدر لتلتقي ببوعز في المخدع تسأله أن يسترها بدمه ويقبلها متحدة معه بعد أن ترملت زمانًا وعاشت بلا رجل.

1. إِرشادات نعمى لراعوث [1-5].
2. راعوث تلتقي ببوعز [6-13].
3. عودة راعوث إِلى حماتها [14-18].

line

1.إِِرشادات نعمى لراعوث :


تقدمت راعوث بنحو إِيفة شعير لحماتها في أول يوم عملها وتزايد النتاج يومًا بعد يوم، أما نعمى فكانت تطلب ما لكنتها لا ما لنفسها، تُريد أن تراها قد اتحدت بالزواج الناموسي لتقيم نسلاً للميت، فهذا أفضل لها من نتاج مادي، لذا في نهاية حصاد الشعير وحصاد الحنطة قالت لها: "يا بنتي ألاَّ ألتمس لكِ راحة، ليكون لكِ راحة، ليكون لكِ الخير؟!" [1]. كأنها بالناموس الذي غايته المسيح (رو 10: 4)، تشتهي أن تنطلق كل نفس إِلى بوعز لتتحد معه.

لقد سبق فالتقت راعوث ببوعز في الحقل أثناء جهادها النابع عن إِيمانها الحيّ والآن تلتقي به ليلاً في البيدر في المخدع أي خلال الحياة التأملية السرية. لقد سمعت صوته ونالت وعوده في الحقل والآن تود أن تتمتع بشخصه وتكون في حضنه في المخدع.. إِنها صورة الحياة الإيمانية الواحدة التي فيها نتعرف على السيد ونقبله عريسًا لنا خلال العمل والتأمل معًا بكونها حياة إِيمانية واحدة ومتكاملة.

كانت نصيحة نعمى لراعوث: "إِغتسلي وتدهني والبسي ثيابكِ وانزلي إِلى البيدر، ولكن لا تعرفي عند الرجل حتى يفرغ من الأكل والشرب، متى اضطجع فاعلمي المكان الذي يضطجع فيه وادخلي وإكشفي ناحية رجليه واضطجعي وهو يخبرك بما تعملين" [3-4]. لقد كشفت لها الطريق الملوكي الذي به تنطلق النفس إِلى العريس لتتحد معه، أما ملامحه فهي:

أولاً: "اغتسلي"؛ فلا دخول ِإلى العريس إِلاَّ خلال مياه المعمودية حيث ننعم بالاغتسال الداخلي لضمائرنا والتمتع بقوة قيامة عريسنا. يقول حنانيا لشاول الطرسوسي: "والآن لماذا تتوانى؟! قم إِعتمد واغسل خطاياك داعيًا باسم الرب" (أع 22: 16). وكما يقول العلامة ترتليان: [مغبوط هو سرّ الماء الذي لنا، فبغسل خطايا العمى الذي أصابنا مبكرًا نتحرر وندخل إِلى الحياة الأبدية[1]]. ويقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [خلال المعمودية تقبلنا غفران الخطايا والتقديس وشركة الروح والحياة الأبدية، فماذا تطلبون بعد؟![2]].

ثانيًا: "تدهني"؛ إِذ تغتسل بمياه المعمودية تتقبل العضوية في جسد المسيح كعروس للرأس، والآن تتقبل دهن الميرون ليكون لها روحه القدوس ساكنًا فيها، الذي وحده يقدسها مهيئًا إِياها للعرس الأبدي. إِنه يرفعها من مجد إِلى مجد حتى تحمل سمة عريسها وتتأهل لشركة أمجاده الأبدية. يقول القديس بولس الرسول: "والذي يثبتنا معكم في المسيح وقد مسحنا، هو الله الذي ختمنا أيضًا ومنحنا عربون الروح في قلوبنا" (2 كو 1: 21-22). يقول القديس مار أفرام السرياني: [لقد ختمت جميع قوى النفوس بختم الروح القدس.. ووضع الملك رسالته عليكم خاتمًا إِياها بختم النار (لو 3: 16)، لا يقرأها الغرباء ويحرفونها[3]].

ثالثًا: "البسي ثيابك"؛ إِذ تغتسل من خطاياها وتتقبل روحه فيها إِنما ليهيئها لقبول السيد المسيح كثوب بّر يستر كل ضعفاتها، أو ليخفيها فيه فتظهر لدى الآب حاملة سماته فتكون موضع سروره. وكما يقول الرسول بولس: "قد لبستم المسيح" (غل 3: 27). وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [الذي يعتمد للمسيح لا يولد من الله فقط بل يلبس المسيح أيضًا. لا تأخذ هذا المعنى الأدبي كأنه عمل من أعمال المحبة بل هو حقيقة. فالتجسد جعل إِتحادنا بالمسيح وشركتنا في الألوهة أمرًا واقعًا[4]].

رابعًا: "إِنزلي إلى البيدر"؛ في البيدر يُذرى المحصول لفرز الحبوب من التبن، وكأنه يُشير إِلى الدينونة حيث يفرز الأبرار عن الأشرار، لهذا يليق بنا أن ننزل بروح الإتضاع حتى نلتقي بالرب الديان. لننشغل به كديان حتى في اللحظات التي نرى فيه يديه مبسوطتين لنا كعريس محب.

خامسًا: "لا تعرفي عند الرجل حتى يفرغ من الأكل والشرب"؛ كأنه يليق بنا أن ننتظر حتى يخرج الخدم والحشم لنلتقي به وحده وندخل معه في مناجاة محبة‍!

سادسًا: "ادخلي واكشفي ناحية رجليه واضطجعي"؛ تسألها أن تدخل.. والدخول إِلى الرب يحمل في طياته خروج من محبة هذا العالم. بمعنى آخر لنخرج من اهتمامات العالم وإِغراءاته وندخل إِلى دائرة محبة الله، هناك نكشف رجليه أي نتعرف على أسراره الإلهية قدر ما نحتمل كبشريين. ما دمنا في العالم لا نقدر أن نكشف إِلاََّ رجليه أما في الدهر الآتي فنراه وجهًا لوجه نعرف أسرارًا أعمق وندرك أمورًا لم نكن نحتمل إدراكها في هذا العالم.

أما اضطجاعها فيعني قبولها آلامه حتى الموت والدفن معه.. فلا قبول للعريس المصلوب إِلاَّ خلال دائرة الصليب، ولا قيامة لنا معه إِلاَّ بالدفن أيضًا معه.

line

2. راعوث تلتقي ببوعز :


دخلت راعوث سرًا إلى بوعز في طرف العرمة أي عند أطراف أكوام السنابل التي ديست بالنورج في إِنتظار التذرية.

كشفت رجلي بوعز لتعلن له أنها قريبته تمثل قدميه وقد تعرت، في حاجة إِلى رجل يسترها. هذا ما أعلنته راعوث نفسها بقولها: "أنا راعوث أمتك، فابسط ذيل ثوبك على أمتك لأنك وليّ" [9].

لقد إِستجاب الرب لصوت راعوث إِذ تقول: " قد كنت عريانة وعارية، فمررت بكِ ورأيتكِ وإذا زمنكِ زمن الحب، فبسطت ذيلي عليكِ وسترت عورتك وحلفت لكِ ودخلت معكِ في عهد يقول السيد الرب فصرتِ لي" (خر 16: 7-8).

بارك بوعز حكمتها ومحبتها، قائلاً: "إِنكِ مباركة من الرب يا بنتي لانكِ قد أحسنت معروفك في الأخير أكثر من الأول إِذ لم تسعي وراء شبان فقراء كانوا أو أغنياء، والآن يا بنتي لا تخافي، كل ما تقولين أفعل لكِ، أن جميع أبواب شعبي تعلم أنكِ امرأة فاضلة" [10-11]. مدحها لأنها أحسنت في الأول حين كانت أمينة لرجلها محبة لحماتها، وإِذ مات رجلها كملت حبها بحب أعظم إِذ لم تجر وراء الشبان فقراء كانوا أو أغنياء، لم تطلب شهوات الجسد، لكنها جاءت إِلى وليها الثاني بالرغم من شيخوخته. أمام هذه الأمانة التي شهد بها الجميع عنها وعدها أن يقضي لها حق الوليّ ويكون زوجًا ينجب ليقيم إِسم الميت إِن رفض الوليّ الأول أن يقضي حق الولاية.

لقد تمتعت راعوث ببوعز عندما إِلتقت به في منتصف الليل كمن يختلي بالله في مخدعه، لكنها ما كانت تتمتع به في المخدع وتنعم ببركته لو لم تلتق به قبلاً في الحقل وهى تعمل وراء حصاديه طول اليوم. هكذا لكي ننعم برؤية الله والتمتع بأسراره يليق بنا أن نجاهد كل يومنا لحساب ملكوته كما نلتقي به في المخدع خلال الصلاة والدراسة في كلمة الله..

يعلق القديس مار أفرام السرياني على إضطجاع راعوث بجوار بوعز في تسبحته لطفل بيت لحم قائلاً: [اضطجعت راعوث بجوار إِنسان في البيدر من أجلك! حبها جعلها جريئة يا من أنت تُعلم كل التائبين الجرأة! رفضت أُذناها أن تصغيا إِلى أي صوت من أجل تمتعها بصوتك! الفحم الحيّ المتوهج قد صعد إِلى مضجع بوعز وهناك إِضطجعت، ورأت رئيس الكهنة في صلبه مختفيًا كنار لبخورها! [5]].

line

3. عودة راعوث إلى حماتها :


في الصباح الباكر جدًا صرف بوعز راعوث إِلى حماتها غير فارغة، بل اكتال لها ستة من الشعير. في النهار بعد تعب شاق نالت إِيفة من الشعير أي أثلاث أكيال، أما في لقائها المملوء محبة فنالت الضعف لأنها طلبته هو لا خيراته، لكن ما كان يمكنها أن تلتقي به في البيدر لو لم تتعرف عليه أيضًا في الحقل، ولما تمتعت بالحياة التأملية ما لم يكن لها حياة العمل الروحي.

إِذ رجعت راعوث سألتها حماتها: "من أنت يا بنتي؟" [16]. لعلها لم تستطع أن تتعرف عليها فقد تغيرت ملامحها بسبب الفرح، أو لعلها أرادت أن تسألها: هل أنتِ راعوث الأرملة الغريبة الجنس المسكينة؟! أم راعوث عروس بوعز؟!

ليتنا نلتقي بربنا يسوع المسيح فتتغير ملامحنا خلال فرحنا به، وإِنتسابنا له.

line
المراجع:
[1] De Baptismo 1.
[2] In Acts hom 40: 2.
[3] تعليم الإيمان : 5.
[4] للمؤلف : الله مقدسي، ص 52.
[5] On Nativity hymn 7.