Our App on Google Play Twitter Home أبحث

تفسير الاصحاح التاسع من سفر اللاويين للقمص تادري يعقوب ملطى

ممارسة العمل الكهنوتي

بقى هرون وبنوه سبعة أيام ملازمين خيمة الإجتماع، وفي اليوم الثامن من المسحة بدأوا كأمر الرب بتقديم ذبائح محرقة وسلامة وتقدمة قربان.. إلخ. فتراءى الرب لهم وأعلن مجده لكل الشعب ونزلت نار من عند الرب أحرقت ما على المذبح، الأمر الذي أثار مشاعر الشعب، فهتفوا وسقطوا على وجهوههم.

1. بدء العمل في الثامن [1].
2. الأمر بتقديم الذبائح [2-7].
3. تقديم الذبائح والقرابين [8-21].
4. مباركة الشعب [22-23].
5. ظهور المجد الإلهي [23].
6. النار الإلهية [24].
7. هتاف الشعب [24].

line

1. بدء العمل في الثامن:

إذ تم طقس سيامة هرون وبنيه الكهنة لم يمارسوا العمل الذبيحي في الحال بل بقوا ملازمين خيمة الإجتماع سبعة أيام كاملة نهارًا وليلاً، وفي اليوم الثامن بدأوا ممارسة هذا العمل عن أنفسهم وعن الشعب. لقد انتظروا ليبدأوا في اليوم الثامن الذي يرمز للحياة الجديدة الأبدية، أو الحياة المقامة في المسيح يسوع، إذ اليوم الثامن هو اليوم الأول من الأسبوع الجديد، وقد قام السيد في فجر الأحد أي في فجر اليوم الثامن.

وكأنه لا يستطيع الكاهن أن يمارس عمله الكهنوتي إلاَّ بالسيد المسيح القائم من الأموات، فينطلق للعمل بقوة القيامة. يعلق القديس أغسطينوس على اليوم الثامن بقوله: [يوم الرب هو اليوم الثامن الأبدي الذي تقدس بقيامة المسيح، يُشير إلى الراحة الأبدية للجسد والنفس[123]]. بذات الفكر نجد محفل عيد المظال يتم في اليوم الثامن (23: 36) حيث نخلع خيمة (مظال) جسدنا الترابي لننعم بالبناء الأبدي غير المصنوع بيد (2 كو 5: 1) وذلك بقوة قيامة ربنا يسوع. وفي اليوم الثامن أيضًا كانت ذبائح التطهير تُقدم عن صاحب السيل (لا 15: 24، 29) وعن الأبرص (14: 10).. حيث ينال الإنسان بقيامة الرب الخليقة الجديدة في المسيح يسوع (2 كو 5: 17) فلا يكون فينا ما هو دنس من سيل الشر أو برص الخطية.

line

2. الأمر بتقديم الذبائح:

في السبعة الأيام الأولى كان موسى يقرب الذبائح عن هرون وبنيه، لكن في اليوم الثامن إذ تمت طقوس سيامتهم ودخلوا إلى اليوم الثامن كما إلى قيامة الرب صاروا ملزمين أن يقدموا ذبائح وتقدمات عن أنفسهم وعن الشعب.

يرى بعض علماء اليهود أن العجل الذي قدموه كذبيحة خطية [2] كان تكفيرًا عن العجل الذهبي الذي صنعه هرون للشعب (خر 32: 2)[124].. على أي الأحوال إِلتزم هرون وبنوه بتقديم عجل كذبيحة خطية وكبش كذبيحة محرقة [2]، وذلك من أموال هرون وبنيه وليس من أموال الخيمة أو الشعب، حتى يشعروا بحاجتهم إلى التكفير عن خطاياهم المعروفة لهم وغير المعروفة، مع إلتزامهم بتقديم حياتهم محرقة حب كاملة لله. وقد سبق لنا الحديث عن هاتين الذبيحتين قبلاً (الأصحاحان 1، 4).

هذان الفكران يؤكدهما الله لكهنته على الدوام: الشعور بالضعف مع سائر إخوتهم، والإلتزام بتقديم حياتهم كلها محرقة حب لله في خدمة إِخواتهم!

إذ قدموا هاتين الذبيحتين، عادوا يقدمون عن الشعب ذبيحة خطية، وذبيحة محرقة، وذبيحة سلامة ثم تقدمة قربان من الدقيق الملتوت بالزيت [3-4]. وقد جاء الترتيب مناسبًا لاحتياجات الشعب، فيبدأ الكاهن بطلب الغفران عن الخطية خلال ذبيحة الخطية، ثم يعلن شوقه أن يتقبل حياة الشعب كله كذبيحة محرقة سرور للرب. بهذا يعلن الكاهن شكره لله خلال ذبيحة السلامة وقبوله للشركة مع السيد المسيح المبذول خلال تقدمة القربان من الدقيق الملتموت بالزيت. يبدأ بالتوسل لطلب الرحمة في إستحقاقات الدم وينتهي بقبول حياة المسيح المبذولة كعطية إلهية تعيشها الكنيسة بإتحادها مع رأسها المصلوب!

line

3. تقديم الذبائح والقرابين:

تمم هرون وبنوه ما أمر به الرب من تقديم ذبائح وتقدمات عن أنفسهم والشعب بطقس دقيق..وقد سبق لنا دراسة المفاهيم الروحية لهذه الذبائح بطقوسها في الأصحاحات السبعة الأولى.

line

4. مباركة الشعب:

بارك هرون الشعب مرتين، المرة الأولى حيث قيل: "ثم رفع هرون يده نحو الشعب وباركهم وإنحدر من عمل ذبيحة الخطية والمحرقة وذبيحة السلامة" [22].

يلاحظ في هذه البركة أن هرون رفع يده نحو الشعب.. ولعله بذلك يعلن السلطان الكهنوتي الذي وهبه الله إياه، ولعل رفع اليد يُشير إلى ظهور السيد المسيح الذي يرمز له باليد[125]، فالبركة التي يقدمها الكاهن إنما هي البركة التي صارت لنا في المسيح يسوع الذي بارك طبيعتنا فيه. وقد تحققت البركة بعد تقديم الذبائح.. إذ لم يكن ممكننًا للبشرية أن تتقبل بركة الرب فيها إلاَّ في إستحقاقات الدم الثمين. خلال المذبح يجتمع الكاهن بالشعب ليقدم البركة التي ليست من عندياته إنما هي بركة الرب المبذول عنا.

أما نص البركة فغالبًا ذاك الذي قدمه الرب نفسه لموسى "يباركك الرب ويحرسك، ويضئ الرب عليك ويحرمك، يرفع الرب وجهه عليك ويمنحك سلامًا" (عد 6: 22-26).

أما المرة الثانية لما دخل موسى وهرون إلى خيمة الإجتماع ثم خرجا وباركا الشعب [23]. في المرة الأولى أكد أن البركة تحل خلال الذبيحة المقدسة، أما هنا فيؤكد أن البركة تتحقق خلال أمرين: الأول إجتماع هرون بموسى، إشارة إلى اجتماع الكهنوت بالعمل النبوي، أو العبادة بالفهم الإنجيلي الروحي.. فلا إنفصال بين هروننا وموسانا، ولا اعتزال للعمل الكهنوتي عن العمل الإنجيلي، الثاني دخولهما الخيمة معًا إشارة إلى نوالنا البركة خلال الكنيسة المقدسة، فالكاهن عضو في الكنيسة المقدسة التي قبلت الروح القدس عطية عريسها السماوي لها. في هذا يقول القديس كبريانوس أنه لا خلاص خارج الكنيسة[1].

من خلال هاتين البركتين يمكننا في إختصار أن نقول:

أ. البركة هي عطية المسيح الذبيح خلال كهنته.
ب. البركة هي عطية المسيح خلال الكنيسة بالروح القدس الموهوب لها.
ج. لا انفصال بين البركة التي ننالها خلال العمل الكهنوتي (هرون) والتمتع بكلمة الله (موسى النبي).

line

5. ظهور المجد الإلهي:

إذ قال الشعب البركة على يدي هرون (وموسى) خلال الذبيحة المقدسة داخل الكنيسة، يقول الكتاب "فتراءى مجد الرب لكل الشعب" [23]..

لم نعرف كيف تراءى مجد الرب، هل على شكل سحاب كثيف أحاط بشعب الله؟ أم على شكل عمود نار؟ أم خلال ظهور معين تجاه المقدسات الإلهية؟!.. إنما ما نعرفه حينما ننعم بالبركة الإلهية هو تجلي الرب بمجده في أعماقنا بطريقة تلمسها النفس ويشعر بها القلب!

يقول الرسول: "الله ظهر في الجسد.. تراءى لملائكة" (1 تى 3: 16). فإننا إذ نقبل بركة الرب نصير كملائكة يتراءى الله بمجده فينا.

line

6. النار الإلهية:

"وخرجت نار من عند الرب وأحرقت على المذبح المحرقة والشحم" [24].

إن كانت الخطايا تشبه نارًا تحرق النفس كما يقول القديس أغسطينوس[126]، فإن هذه النار لا يغلبها إلاَّ نار الروح القدس الذي يحرق الشر ويلهب النفس بالحياة المقدسة. وهكذا نستبدل النار بالنار!

إذ تبارك الشعب وظهر لهم مجد الرب خرجت نار من عند الرب أعلنت قبول الله لذبيحتهم ورضاءه عليهم.. وفي نفس الوقت أعلنت مجد الله ومهابته!

line

7. هتاف الشعب:

إذ رأى الشعب مجد الله وعاينوا النار الخارجة من لدن الله تلتهم المحرقة لم يتمالكوا أنفسهم بل "هتفوا وسقطوا على وجوههم" [24]، جاء هذا الهتاف ثمرة طبيعية للفرح الداخلي الذي ملأ كيانهم الداخلي. جاء هتافهم ثمرة نوالهم بركة الرب وتمتعهم بالمجد الإلهي ورؤيتهم للنار المقدسة. ليت تسبيحنا نحن أيضًا وهتافنا لا يكون مجرد ترديد كلمات شكر وحمد لله بأفواهنا إنما يكون ثمرة تهليل النفس ونقاوة القلب وبهجته بنوالنا البركة الحقيقية وتجلي مجد الرب فينا والتهاب الروح الناري في أعماقنا، فينطق اللسان بما يحمله إنساننا الداخلي من فرح حقيقي.

هتف الشعب وسقطوا على وجوههم يعلنون سجودهم وخضوعهم تمامًا للرب إلههم، وكأن فرحنا بالرب وتهليلنا هو الدافع الحقيقي لعبادتنا له وخضوعنا تمامًا لإرادته.

line
المراجع:
[123] City of God 22:30.
[124] الأرشيدياكون راجع تفسير لا9.نجيب جرجس، ص104.
[125] راجع مقدمات في علم الباترولوجي، 1974.
[126] On Ps 58.