Our App on Google Play Twitter Home أبحث

تفسير الاصحاح العاشر من سفر القضاة للقمص تادري يعقوب ملطى

إنحراف إسرائيل


في هذا الأصحاح نجد قصة السقوط المتكررة بالرغم من اهتمام الله بشعبه:

١. إقامة تولع بن فواة [1-2].
٢. إقامة يائير الجلعادي [3-5].
٣. إذلالهم ببني عمون [6-18].

line

١. إقامة تولع بن فواة:


"وقام بعد أبيمالك لتخليص إسرائيل تولع بن فواة بن دودو رجل من يساكر، كان ساكنًا في شامير في جبل أفرايم" [1].

"شامير" أو "شامور" اسم عبري معناه (شوكْ) أو (صوان)، ربما هي ساتور الواقعة بين السامرة وجنين، قام فيها تولع القاضي مع أنه من سبط يساكر والمدينة في جبل أفرايم، قام ليخلص إسرائيل ربما من تحرشات خفيفة لم تستحق الذكر. وقد مضى لإسرائيل 23 عامًا، غالبًا ما اتسمت بالسلام.

"تولع" تعني (دودة) أو (قماش قرمزي)، و"فواة" تعني (عروق الصباغين).. وكأنه إذ انتهى حكم أبيمالك الرجل المحب للسلطة، العوسج الذي أخرج نارًا دمرته ودمرت من أقامه ملكًا عليهم، هذا الذي لم يهلكه أعداء من الخارج وإنما قتله أهل بيته وهو قتلهم؛ بموته قام قاضٍ وهو تولع بن فواة، وكأنه بالقماش القرمزي الذي من صنعة الصباغين، اصطبغ بالدم المقدس (القرمز)، فأعطى للشعب سلامًا 23 عامًا، مع أنه كان ساكنًا في شامير ودفن فيها، أي عاش وسط الأشواك.

اختار أبيمالك الطريق السهل فأمّن حياته ومملكته بقتل إخوته، فلم يتسلط إلاَّ ثلاث سنوات لم يذق فيها طعم الراحة، انتهت بمأساة حطمته تمامًا، أما تولع وإن كان كدودة حقيرة لكنه قبل طريق الأشواك والآلام فقدم لشعب الله سنوات طويلة مملوءة راحة.

 وكأنه يمثل الراعي الذي يحمل الأشواك لكي يستريح الآخرون، يموت كل يوم لينعم إخوته بالحياة في الرب. ما أجمل كلمات القديس يوحنا الذهبي الفم الراعي الباذل: [ليتكم تستطيعون معاينة النيران الملتهبة في قلبي لتعرفوا إني أحترق أكثر من سيدة شابة تئن بسبب ترملها المبكر، فإني لست أظنها تحزن على زوجها، ولا يحزن أب على ابنه كحزني أنا على هذا الجمهور الحاضر هنا![98]]، [إني أود أن أقدم بكل سرور عيني ربوات المرات وأكثر – إن أمكن – من أجل توبة نفوسكم[99]].

line

٢. إقامة يائير الجلعادي:


إذ دفن تولع الذي يحمل اسمه معنى (دودة)، بعد أن قدم للشعب راحة لسنوات طويلة، قام يائير الجلعادي ليقضي لإسرائيل 22 سنة غالبًا ما كانت سنوات سلام، ولا نعرف عن أيامه سوى أنه كان له ثلاثون ولدًا يركبون ثلاثين جحشًا علامة الكرامة والغنى، ولهم ثلاثون مدينة هي في حقيقتها مزرعة امتلأت بالمباني والمنشآت فدعيت مدنًا. وقد سميت "حووت يائير" أي (مزارع يائير).

إن كان اسم "تولع" بالعبرية يعني (دودة) علامة اتضاعه، أو (قماش قرمزي) علامة اصطباغه بدم المخلص والتطهر به، فإن "يائير" تعني (ينير).

 فالأول "تولع" حمل دم السيد المسيح ليقضي بروح الوداعة، والثاني "يائير" يحما استنارة الروح القدس، روح السيد المسيح نفسه. ليصير نورًا للعالم كمرسله القائل: "أنتم نور العالم" (مت 5: 14). يرى البعض أن يائير هذا ربما يكون من نسل يائير المذكور في سفر العدد (32: 41).

إن كان يائير يشير إلى النفس المستنيرة بالروح القدس خلال مياه المعمودية فإن أولاده الثلاثين يشيرون إلى مواهب الإنسان وأحاسيسه وطاقاته التي تتقدس كأولاد له في الرب، يركب كل منهم جحشًا أي يصير مكرمًا وغنيًا في الرب ويملك على مدينة أو مزرعة إذ يصير كل ما بداخلنا مقدسًا للرب، لا يليق به أن يسلك في الرجاسات أو يستخدم للشر إنما يكون مكرمًا بالحياة المقدسة!

أما رقم 30 هنا فيشير إلى "معمودية السيد المسيح"، إذ اعتمد في مياه الأردن في سن الثلاثين، خلال معموديته صار لنا حق التمتع بالمعمودية. نُحسب فيه ملوكًا وكهنة مقدسين فيه، نملك كأحرار ولا نُستعبد لإبليس وأعماله الشريرة. هذا ما دفع القديس جيروم للقول: [لم يكرز المخلص نفسه بملكوت السموات إلاَّ بعد تقديسه الأردن بتغطيسه في العماد[100]].

line

٣. إذلالهم ببني عمون:


إذ استراح الشعب عاد يشترك مع الوثنيين أو الأمم في عبادتهم للأوثان، فصاروا يعبدون البعليم أي آلهة الشمس، والعشتاروت آلهة القمر؛ كما عبدوا آلهة آرام وعاصمتها دمشق، منها الإله رمون (2 مل 5: 18) إله الرعد والأمطار.

وعبدوا آلهة صيدون أي صيدا ومنها البعليم والعشتاروت وإن كان لكل أمة بعلها الخاص وعشتاروتها الخاصة بها؛ وآلهة موآب مثل كموش وبعل فغور؛ وآلهة بني عمون مثل ملكوم أو مولك (لا 18: 21)، وآلهة الفلسطينيين مثل داجون وهو إله السمك وكان تمثاله مركب من وجه إنسان ويدي وجسم سمكة.

بدأوا أولاً بعبادة هذه الآلهة جنبًا إلى جنب مع عبادتهم لله، وكأنها سمة عدم التعصب، لكن سرعان ما تركوا عبادة الله الحيّ حيث الطريق الضيق واكتفوا بالعبادة الوثنية حيث الباب المتسع والطريق السهل.

وكان ثمر شرهم أن الله الذي اقتناهم بحبه باعهم للفلسطينيين ولبني عمون [7] حتى يتذوقوا مرارة ما اختاروه، فصاروا في مذلة 18 سنة، وتضايقوا جدًا [9]، وإذ صرخوا إلى الرب عاتبهم على تصرفاتهم الجاحدة ومقابلتهم رعايته وخلاصه لهم من الضيق بالشر.. وفي أبوة حازمة قال "لا أعود أخلصكم" [13]، لا ليغلق الباب، وإنما ليؤكد لهم حزمه ويطالبهم بالدخول إلى العمق في حل مشكلتهم. والدليل على ذلك أنهم إذ أزالوا الآلهة الغريبة من وسطهم وعبدوا الرب "ضاقت نفسه بسبب مشقة إسرائيل" [16].

وكأنه لم يحتمل مشقتهم ولا آلامهم. إنه أب مملوء حبًا، لا يستطيع أن يرى دموع أبنائه، فيقول في سفر النشيد: "حوّلي عني عينيك فأنهما قد غلبتاني" (نش 6: 5). فإنه إذ يؤدب بحزم يعود بحبه ليقول: "قد انقلب عليَّ قلبي، اضطرمت مراحمي جميعًا.

 لا أجري حمو غضبي، لا أعود أخرب أفرايم، لأني الله لا إنسان، القدوس في وسطك فلا آتي بسخط" (هو 11: 8-9).

عجيب هو الرب في محبته، فهو لا يحتمل توبة إنسان، ولعل أعظم مثل لذلك ما فعله مع آخاب الشرير الذي قتل وورث (1 مل 21: 19)، وقد شهد عنه الكتاب: "لم يكن كآخاب الذي باع نفسه لعمل الشر في عيني الرب" (1 مل 21: 25) لكنه إذ سمع كلام الرب ضده على لسان إيليا النبي وشق ثيابه وجعل مسحًا على جسده، ولم يحتمل الرب هذا المنظر، بل قال لإيليا النبي: "هل رأيت كيف أتضع آخاب أمامي؟ فمن أجل أنه قد أتضع أمامي لا أجلب الشر في أيامه" (1 مل 21: 29).

هكذا إذ رجع الشعب إلى الله لم يتركهم وعندما نزل بنو عمون إلى جلعاد واجتمع بنو إسرائيل في المصفاة [17] كان الله يهيئ لهم مخلصًا هو يفتاح الجلعادي.

"المصفاة" اسم عبري معناه (برج النواطير) دعي مصفاة جلعاد (11: 29)، ورامة المصفاة (يش 13: 26)، وراموث جلعاد (1 مل 4: 13). وهي موضع الرجمة التي أقامها يعقوب وقم لابان شهادة على العهد الذي أقيم بينهم (تك 31: 49). ربما موضعها تل رميث، أو السلط، وكانت من نصيب جاد.

line
المراجع:
[98] In Hebr. hom 23:9.
[99] In Acts hom 3.
[100] للمؤلف: الإنجيل بحسب متى ص ٧٥.