Our App on Google Play Twitter Home أبحث

تفسير الاصحاح العاشر من سفر التكوين للقمص تادري يعقوب ملطى

تعمير الأرض الجديدة

بعد تجديد الأرض بمياه الطوفان عمرّها الله بذرية نوح، ولكن بالرغم من التجديد الذي تم عاد الإنسان وتمسك بالشر فانتشر في العالم.

في هذا الأصحاح يقدم لنا الوحي الإلهي سلسلة مواليد نوح، تكشف عن أصل الأمم القديمة، وكما يقول الأستاذ كاتوتش من مدينة هال Prof. Kautysch of Haile [إنه سجل لا نظير له على الإطلاق لبيان أصل الأمم ومنشأها، وقد أيدته كل الاكتشافات الأثرية السالفة[206]]. في القديم ظن البعض في هذه السلسلة لبثًا أو خطأ من جهة أصل الشعوب لكن الاكتشافات الحديثة جاءت متفقة مع ما ورد في هذا الأصحاح.

هذا السفر لا يهدف إلى عرض نشأة الأمم إنما أراد أن يقدم لنا تميدًا لنشأة الشعب القديم الذي منه يخرج السيد المسيح مخلصًا للشعوب.

١. بنو يافث ١-٥
٢. بنو حام ٦-٢٠
٣. بنو سام ٢١–٣١

١. بنو يافث:

"يافث" إسم سامي يعني "ليكن فسيحًا أو رحبًا[207]".

وُلِدَ بعدما بلغ نوح حوالي ٥٠٠ عامًا (٥: ٣٢؛ ٦: ١٠). عندما تعرى والده بسبب السكر تصرف مع أخيه سام بحكمة ووقار فنال بركة تبدو غامضة (٩: ٢٧)، تعلن تحرك الشعوب غير السامية (من نسل يافث) لتسكن في مساكن سام. ويرى البعض أنها تشير إلى التحركات التي حدثت أكثر من مرة لبعض الأمم والشعوب إلى حضن السيد المسيح أو إلى كنيسته، هذا الذي جاء متجسدًا من نسل سام، وقد فتح أبواب كنيسته لكل الشعوب والأمم. يافث يمثل الشعب (الهندو أوربي) بوجه عام[208].

ذكر هنا سبعة بنين ليافث دعيت بأسمائهم عدة شعوب، كما تفرعت من بينه السبعة شعوب أخرى، لا يسع المجال هنا للحديث عنها. أما أولاده السبع فهم:

أولاً- جومر: كلمة "جومر" بالعبرية تعني "نهاية الكمال" خاصة كمال الفشل[209]، وقد حملت امرأة هوشع النبي ذات الاسم: "جومر بنت دبلايم".

سكن نسل جومر في الشمال حتى لقبهم هوميروس اليوناني Homer "أهل الشمال الأقصى[210]" وذكر هيرودت أنهم جاءوا إلى آسيا من مناطق ما وراء القوقاز[211]، واستوطنوا كبادوكية، وهددوا الإمبراطورية الأشورية لكن اسرحدون هزمهم. وإذ اتجهوا نحو الغرب احتلوا آسيا الصغرى ودخلوا في أكثر من معركة مع جيجس Guges ملك ليديا، وانتهت بقتله، ولعله هو الذي دعي في الكتاب المقدس باسم جوج[212]. انسحبوا بعد ذلك من آسيا (ليديا) بواسطة الألياتيس Alyattes[213].

ثانيًا- ماجوج: كلمة "ماجوج" عبرية تعني "أرض جوج". إقترن اسم ماجوج باسم جوج، وصار الاسمان رمزًا لمقاومة الإيمان المسيحي (رؤ ٢٠: ٧– ٩).

في القرون الوسطى دعا السوريون بلاد التتر ماجوج، أما العرب فسموا الأرض الواقعة بين بحر قزوين والبحر الأسود ماجوج، لكن الغالبية حسبوا السكيثيين هم أهل ماجوج.

ثالثًا- ماداي: من نسله تكونت إمبراطورية مادي التي اتحدت مع فارس؛ وقد عرفت بلادهم باسم مادي أو ميديا، سكنوا جنوب وجنوب غربي بحر قزوين، تبلغ مساحتها حوالي 150.000 ميلاً مربعًا.

رابعًا- ياوان: هو أب اليونانيين، لذا فإن كلمة ياوان في الكتاب المقدس كما في (زك ٩: ١٣)، يقصد بها الشعب اليوناني أو المكدوني؛ كانت بلادهم تلقب أيضًا "أيوينا".

خامسًا- توبال: ذكر مع ياوان (إش ٦٦: ١٩) ومع ماشك في تجارة الرقيق (حز ٢٧: ١٣). كان جوج رئيسًا لماشك وتوبال، إذ أرتبط الشعبان معًا، وقد ظهرا في التواريخ الأشورية باسمي Mushbi, Tabali كمقاومين عنيدين ضد أشور في القرن الثاني عشر ق.م.

يرجح أن ذرية توبال كانت تسكن البلاد الواقعة شرق آسيا الصغرى.

سادسًا- ماشك: يظن أن ذريته قطنت الأراضي التي تقع بقرب ينابيع الفرات ودجلة (مز 120: ٥؛ حز ٣٢: ٢٦)، ثم انتقلت إلى جوار البحر الأسود وبحر قزوين. كان نسله يتاجر مع صور (حز ٢٧: ١٣).

سابعًا- يتراس: جاء من نسله الشعب الترسيني؛ قطنوا في جزر وسواحل بحر إيجية Aegean Sea ولعلهم هم قراصنة تروشا Turusha الذي غزوا مصر وسوريا في القرن ١٣ ق.م، وأُشير إليهم في سجلات رمسيس الثالث[214].

من هؤلاء الأبناء السبعة جاء نسل يقدم لنا أممًا وشعوبًا أخرى لا يسع المجال للحديث عنهم الآن.

٢. بنو حام:

كلمة "حام" تعني "حامٍ" أو "ساخن"، لذلك دعي إله الشمس "حامو" Hammu بسبب حرارة الشمس ودفئها.

وُلد حام بعدما بلغ نوح ٥٠٠ عامًا (تك ٥: ٣٢؛ ٦: ١٠؛ ٩: ٢٤). وقد تصرف هو وابنه الصغير كنعان مع نوح بغير حكمة فسقط كنعان تحت اللعنة (٩: ٢٢– ٢٧).

وقد قدم لنا حام خلال أولاده الشعوب التي قطنت جنوب العربية والنوبة وأثيوبيا ومصر وأرض كنعان. وإن كان أسم حام أحيانا يطلق على مصر في القطع الشعرية (مز ٧٨: ٥١؛ ١٠٥: ٢٣، 27؛ ١٠٦: ٢٢).

أولاً- كوش: كلمة "كوش" تعني بالعبرية "أسود".

كوش، بكر حام، أنجب خمسة أبناء قدموا خمسة شعوب: سبا "إنسان"، حويلة "دائرة أو مقاطعة"، سبتة "ضارب"، رعمة "ارتعاش"، سبتكا "ضارب"[215]. سكنت هذه الشعوب في وسط البلاد العربية وجنوبها، لكن سبا رحل إلى أفريقيا (أثيوبيا)، لذلك فإن كوش في العهد القديم غالبًا ما يقصد به أثيوبيا والنوبة (جنوب مصر)، وأحيانًا جنوب ووسط شبه الجزيرة العربية.. وفي كثير من قواميس الكتاب المقدس تعتبر كوش هي أثيوبيا فقط.

وقد قدم نسل حام بوجه عام شعوبًا وأممًا مقاومة لعمل الله ولشعبه في العهد القديم، لذا جاء العهد القديم يعلن العقوبة الإلهية على هذه الشعوب بكونها تحمل رموزًا للشر، فكوش كانت تشير إلى ظلمة الجهالة، ومصر إلى محبة العالم التي تستعبد النفس وكنعان إلى العمل الشيطاني الخ.. لكن النبوات في العهد القديم لم تترك هذه الشعوب بلا رجاء وإنما أعلنت رفض شعب الله للإيمان ودخول هذه الأمم إلى الميثاق الإلهي. هكذا الأمم التي كانت تحت اللعنة بسبب وثنيتها ورجاساتها صارت العروس المقدسة التي تتهيأ للحياة الأبدية في حضن الآب السماوي.

إن كان الكتاب المقدس قد قدم كشفًا عن عمله خلال نسل سام حيث يأتي كلمة الله متجسدًا من نسل إبراهيم.. فإنه يكشف أيضًا عن عمل عدو الخير خاصة خلال نسل كوش الذي قدم نمرودًا، ومن نسل كنعان الذي قدم الشعوب الكنعانية المقاومة لعمل الله، أما بالنسبة لنمرود بن كوش فقيل: "الذي ابتدأ أن يكون جبارًا في الأرض، الذي كان جبار صيد أمام الرب، لذلك يُقال: كنمرود جبار صيد أمام الرب" [٨، ٩]. كان صيادًا جبارًا، أسس الأسرة الحاكمة في بابل وشعنار وأكاد، وربما كان هو نفسه جلجاميش الأكادي أو البابلي. على أي الأحوال لقد صارت بابل فيما بعد رمزًا لمعاندة الله والكبرياء، كما للزنى الروحي (رؤ ١٤: ٨؛ ١٦: ١٩؛ ١٧: ١- ٥). صارت بابل تشير إلى جماعة الأشرار كما يقول القديس أغسطينوس[216]: [كما إلى مملكة الدجال[217]].

كلمة "نمرود" تعني "جبار" أو "متمرد". أما القول "جبار صيد أمام الرب"، فربما تعني انه كان عنيدًا ومتمردًا يعتز بذاته في قدرته على الصيد وفي مقاومته للرب. والعجيب أن كثيرين من مقاومي الرب كانوا صيادين للوحوش مثل عيسو. لهذا السبب يقول القديس چيروم: [عيسو أيضًا كان صيادًا، وكان خاطئًا. في كل الكتاب المقدس لا نجد صيادًا عبدًا مؤمنًا إنما نجد صيادي السمك مؤمنين[218]].

كانت مملكة نمرود في أرض شنعار التي تعني "نهرين"، ربما لوقوعها بين نهري دجلة والفرات، وهي المناطق السهلة في بلاد بابل. وقد حوت هذه المملكة أربع مدن رئيسية في ذلك الوقت: بابل التي تعني باب الله (باب إيلو)، أرك أي مستديم، أكد أو أكاد أي مستقيم، وكلنة أي حصن.

لم يكتف نمرود أو قبيلته فيما بعد بهذه المنطقة بل انطلق إلى آشور، ونينوى (مأوى الإله نين)، ورحوبرت عير (المدنية الرحبة)، وكالح (شيخوخة)، ورسن (رأس عين).

ثانيًا- مصرايم: كلمة "مصرايم" في العبري مثنى، لذا ظن البعض أنها دعيت هكذا بسبب وجود الوجه البحري والوجه القبلي، أو لأن نهر النيل يقسمها إلى ضفة شرقية وأخرى غربية، لكن الرأي الأرجح أنها دعيت "مصر" بالعربية عن العبرية نسبة إلى مصرايم حيث سكن هو وأولاده فيها، وإن كان قد امتد نسله إلى البلاد المجاورة. أما أولاده فهم:

لوديم: منه جاء شعب لود أو اللوديون، وهم غير شعب لود من نسل سام [٢٢]. هؤلاء من نسل مصرايم، كانوا يقطنون غربي النيل نحو ليبيا.
عناميم: يبدو أن القبيلة التي من نسله سكنت في ليبيا.
لهابيم: يبدو أن قبيلة لهابيم هي بعينها قبيلة لوبيم أو "اللوبيون"، وهم أفريقيون، نشأوا أصلاً في مصر.
نفتوجيم: نسله من سكان مصر الوسطى، قرب منف مركز الإله بتاح، وربما نزح بعضهم إلى أثيوبيا.
فتروسيم: سكنوا في فتروس بصعيد مصر. كلمة "فتروس" تعني "أرض الجنوب".
كسلوجيم: معناها "محصن"، نسله غالبًا سكنوا في "كسيونس" وهي منطقة جبلية شرق البلسم، في حدود مصر من جهة فلسطين. وقد خرج من كسولجيم فلشتيم الذي هاجر نسله إلى فلسطين، وهناك نشأ الشعب الفلسطيني القديم. ولعل كلمة فلسطين مشتقة من "فلشتيم"، وتعني "متغرب" أو "مهاجر". كما خرج من كسلوجيم كفتوريم، وتعني "أكاليل"، سكن نسله في كفتور ويظن البعض أنها كانت في كبدوكية بآسيا الصغرى، والآخر يرى أنها قبرص أو جزيرة كريت، وإن كان آخرون يرون أنها كانت في دلتا مصر بجوار منف، حيث وجدت مدينة تسمى "كابت هور" يغلب أنها "كفتور".

ثالثًا- كنعان: الابن الأصغر لحام، من نسله ظهرت القبائل الكنعانية، وقد تحدثنا في اختصار عن بعض هذه القبائل في مقدمة سفر يشوع[219].

٣. بنو سام:

"سام" اسم عبري يعني "سامٍ".

إذ تصرف سام مع يافث بحكمة عندما سكر أبوهما نوح وتعرى نال سام بركة من فم أبيه. وقد سكن أولاده الخمسة في الأرض الممتدة من عيلام غرب آسيا حتى شرق البحر المتوسط. ومن نسله جاء اليهود والآراميون والآشوريون والعرب، لذلك تُدعي اللغات التي ينطق بها نسل سام باللغات السامية مثل العربية والعبرية. أما أبناء سام الخمسة فهم:

عيلام: كلمة "عيلام" بالأكادية تعني "مرتفعات". إليه يُنسب العيلاميون والفرس. بلاد عيلام وهي تمتد وراء دجلة، شرق مملكة بابل وجنوب آشور وميديا وشمال الخليج الفارسي وجنوب غربي مملكة فارس. عاصمة المملكة شوشان أو شوشن لذلك سمي العيلاميون بالشوشانيين. كانت عيلام مركز إمبراطورية قديمة لها دورها الفعّال السياسي في تاريخ الإمبراطوريات الشرقية القديمة. مع أن عيلام ساهمت في إسقاط دولة بابل (إش ٢١: ٢) لكن الميديين ضموها إلى إمبراطوريتهم (فارس ومادي)، وجعلوا منها ولاية تابعة لهم، كما أقاموا شوشن عاصمة لهم (دا ٨: ٢). ونسمع عن بعض العيلاميين في يوم العنصرة (أع ٢: ٩)، والآن تمثل جزءًا من إيران، تسمى مقاطعة خوزستان.

أشور: هو أب الأشوريين. بلاد أشور تقع على الجزء الأعلى من نهر الدجلة.. عاصمة المملكة هي أشور، التي تسمى اليوم "قلعة شرقات" على الشاطئ الغربي من نهر الدجلة بعد ذلك اتخذوا نينوى عاصمة لهم.. وكانت أشور في صراع مستمر مع البابليين في الجنوب وضد الحيثيين في الشمال الغربي. وقد خضعت إسرائيل كما خضع يهوذا لأشور يدفع ملوكها الجزية. سقط إسرائيل تحت سبي أشور كما تنبأ عاموس (٥: ٢٧؛ ٦: ١٤)، وهوشع (١٠: ٦؛ ١١: ٥). وقد حارب الله عن حزقيا ملك يهوذا حينما هاجمه سنحاريب ملك أشور (إش ٣٦، ٣٧). أخيرًا حاربهم الماديون والبابليون وانتصروا عليهم بظهور مملكة بابل.

أرفكشاد: جد القبائل العربية اليقطانية. ويرى يوسيفوس أنه جد الكلدانيين أيضًا. موطن الكلدانيين هو المنطقة الجنوبية فيما بين النهرين (المصة).

لود: جد اللوديين، غير شعب لود أو اللوديين الذين من نسل مصرايم. فالآخرون سكنوا غرب النيل بشمال أفريقيا، أما الذين من نسل سام فغالبًا ما سكنوا في منطقة ليديا غرب آسيا الصغرى.

أرام: وتعني "الأرض المرتفعة"؛ اللغة الآرامية هي اللغة السورية القديمة. وقد كانت أرام مجموعة من الدويلات أو المقاطعات، منها أرام ما بين النهرين (٢٤: ١٠)، وأرام دمشق، وأرام صوبة (١ صم ١٤: ١٧)، وأرام معكة (يش ١٢: ٥)، وأرام بيت رحوب (يش ١٩: ٢٨) الخ..

اهتم موسى بذكر أولاد أرفكشاد إذ أنجب شالح، وشالح أنجب عابر، وعابر أنجب فالج، وفالج رعو، ورعو سروج، وسروج ناحور، وناحور تارح الذي أنجب أبرآم الذي تزوج ساراي. وهكذا بدأ بأول انطلاقة للشعب بظهور أبرآم (إبراهيم) أب الآباء. كما أوضح موسى النبي قرابة لوط لأبرآم بكونه ابن أخيه من هاران بن تارح.

ويفسر القديس أغسطينوس[220] العبارة: "أسم الواحد فالج لأن في أيامه قُسمت الأرض" [٢٥]. بأن هذا التقسيم إنما يشير إلى تعدد اللغات، ففي أيام فالج بدأ ظهور أكثر من لغة على الأرض، بعدما كان الكل يتحدث بما دعي فيما بعد بالعبرية.

المراجع :

[206] الأرشيدياكون نجيب جرجس: سفر التكوين، ١٩٧٣، ص ١٦١.
[207] New Westminster Dict. of the Bible, P 446; Mckenzie: Dict. of the Bible, P 413.
[208] New Westminster Dict. of the Bible, P 446.
[209] هوشع، صفحة ٢٠.
[210] Odyssey 11: 14.
[211] Herod. 4: 11-12.
[212] راجع حزقيال، ١٩٨١، ص ٢٦٠، ٢٦١.
[213] Herod. 1: 16.
[214] New Westminster Dict. of the Bible, P 951
[215] الأرشيدياكون نجيب جرجس: سفر التكوين، ١٩٧٣، ص ١٦٦، ١٦٧.
[216] On Ps. 26.
[217] راجع سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي ١٩٧٩، ص ١٦٣، ١٦٤.
[218] On Ps. hom 20.
[219] يشوع، ١٩٨٢، ص ٢٣– ٣٠.
[220] City of God 16: 10, 11.