Our App on Google Play Twitter Home أبحث

تفسير الاصحاح الحادى والثلاثون من سفر التثنية للقمص تادري يعقوب ملطى

نصيحة أخيرة مع تحذير

أكد موسى النبي أن الله هو القائد الحقيقي لشعبه، كما قادهم في أيام موسى سيقودهم خلال يشوع. أوصى أيضًا الكهنة وجميع شيوخ إسرائيل أن يقرأوا التوراة في سنة الإبراء في عيد المظال. لم يذكر شيئًا عن طقس تجديد العهد هنا سوى تسجيل كلمة الله وقراءتها [9-13]. كما ظهر الرب له وأنذر الشعب ألا ينحرف عن الإيمان بعد موته.

1. تشجيع الشعب ويشوع [1-8].
2. قراءة التوراة في سنة الإبراء [9-13].
3. ظهور الرب في الخيمة [14-23].
4. تسليم كتاب التوراة [24-30].

line

1. تشجيع الشعب ويشوع:


جاءت اللحظات الحاسمة التي أعلن فيها موسى النبي أنه قد بلغ المائة وعشرين عامًا من عمره، ولم يعد له استطاعة للعمل، فسلم القيادة ليشوع قبل نياحته وشجعه هو وكل الشعب.

"فذهب موسى وكلم بهذه الكلمات جميع إسرائيل،
وقال لهم: أنا اليوم ابن مائة وعشرين سنة.
لا أستطيع الخروج والدخول بعد.
والرب قد قال لي لا تعبر هذا الأردن.
الرب إلهك هو عابر قدامك.
هو يبيد هؤلاء الأمم من قدامك فترثهم.
يشوع عابر قدامك كما قال الرب" [1-3].

أولاً: عاش موسى 120 عامًا مثل نوح الذي كرز بالبرّ في عالم شرير. عاش 40 عامًا في قصر فرعون يتعلم حكمة المصريين (أع 7: 20، 23)، 40 عامًا يجول في أرض مديان يتهيأ للرعاية والخدمة (أع 7: 29-30)، 40 سنة قائدًا للشعب بتوجيه الله نفسه.

كشف لنا موسى النبي عن نظرته لهذه السنوات في صلاته الواردة في المزمور 90. فإنه لا يقدر عمره بالسنوات وامتدادها بل ببركة الرب. "لأن ألف سنة في عينيك مثل يوم أمس بعدما عبر وكهزيع من الليل" (مز 90: 4). تطلع موسى إلى سنوات عمره الثمانين الأولى بكونها تحمل قوة جسدية مع تعب وبلية. أما الأربعون سنة الأخيرة فمع شيخوخة الجسد تحمل قوة الروح، هي عطية الله له للعمل. يقول: "أيام سنيننا هي سبعون سنة، وإن كانت مع القوة فثمانون سنة، وأفخرها تعب وبلية. لأنها تُقرض سريعًا فتطير" (مز 90: 10).

ثانيًا: يعتبر موسى عمل الله مع خليفته يشوع هو عمل معه هو شخصيًا، فما يتمتع به يشوع كأنما تمتع هو به. فقد اعترف أنه قد شاخ جسديًا وصار غير قادرٍ على الخروج والدخول بعد. وإن الله عابر قدامه. كيف؟ لأن الله يعمل في يشوع! هذه هي روح القيادة الحقة التي لا تحمل شيئًا من الأنانية، فيهيئ القيادة المقبلة ويحسب نجاحها نجاحًا له.

لم يطلب موسى النبي يومًا إضافيًا على عمره ليتمم العمل ويدخل بالشعب إلى أرض الموعد، لكنه يطلب ويعمل قدر المستطاع لكي يحقق خليفته ما قد بدأ هو به. هكذا يليق بنا ألا نقلق من أجل قصر أيام عمرنا، لكننا نسأل ونعمل لكي نهيئ للقيادات القادمة أن تتمم ما قد بدأنا فيه أو ما قد تسلمناه من الأجيال السابقة.

ثالثًا: كثيرًا ما يردد موسى النبي الحكم الإلهي: "لا تعبر هذا الأردن". بلا شك كان مشتاقًا أن يعبر، لكن عبور الشعب بعده هو عبور له.

رابعًا: لن نجد قائدًا يشجع جنوده بقوة عند تركه لهم مثلما فعل موسى النبي، إذ يؤكد لهم أن النصرات التي تحققت في أيامه تكثر بعد رحيله، لأن سرّ النصرة لا يكمن فيه بل في الحضرة الإلهية.

"ويفعل الرب بهم كما فعل بسيحون وعوج ملكي الأموريين اللذين أهلكهما وبأرضهما.
فمتى دفعهم الرب أمامكم تفعلون بهم حسب كل الوصايا التي أوصيتكم بها.
تشددوا وتشجعوا.
لا تخافوا ولا ترهبوا وجوههم،
لأن الرب إلهك سائر معك،
لا يهملك ولا يتركك" [4-6].

الله الحال في وسط شعبه عمل في أيام موسى، ويبقى يعمل عبر الأجيال. وكقول الرسول بولس: "حتى أننا نقول واثقين: الرب معين لي فلا أخاف، ماذا يصنع بي إنسان؟!" (عب 13: 6).

خامسًا: دعوة يشوع وإقامته خلفًا له وتوصيته أمام كل الشعب، مؤكدًا لهم نجاحهم المستمر.

"فدعا موسى يشوع وقال له أمام أعين جميع إسرائيل:
تشدد وتشجع لأنك أنت تدخل مع هذا الشعب الأرض التي أقسم الرب لآبائهم أن يعطيهم إياها،
وأنت تقسمها لهم.
والرب سائر أمامك. هو يكون معك.
لا يهملك ولا يتركك.
لا تخف ولا ترتعب" [7-8].

إذ الرب سائر أمامهم ويكون معهم لا يوجد مجال قط للخوف من إمكانيات العدو وخبراته الطويلة.

أثبت يشوع نجاحه في مواقف كثيرة، لكنه محتاج إلى تذكير مستمر لعمل الله معه، خاصة وأنه داخل في مرحلة جديدة من العمل.

طالبه موسى النبي أن يكون مثالاً حيًا للشعب فلا يخاف ولا يرتعب، لأنه إن ارتبك القائد انهار الكل وراءه. من أخطر الضربات لخدام الكلمة والقادة أن يفقدوا ثقتهم في الله، فلا يظهروا بالحق أقوياء في الرب، عاملين بروح القوة لا الضعف. فإن خوف القائد أو شكواه للشعب يُحطم نفسيتهم ويهز إيمانهم.

ليدرك القائد أن الله سائر أمامه يهيئ له الطريق ويقوده في الطريق الملوكي، وأنه معه، أي يصحبه في رحلاته ويسنده في كل عمل صالح. إنه لن يسمح له بالانهيار ولا يتخلى عنه.

"لا تخف ولا ترتعب" [8] يأتي الخوف طبيعيًا للإنسان الساقط فيحتاج إلى كلمة تشجيع باستمرار وهذا ما نجده من التكوين إلى الرؤيا (تك 15: 1، رؤ 1: 17).

line


2. قراءة التوراة في سنة الإبراء:

"وكتب موسى هذه التوراة وسلمها للكهنة بني لاوي حاملي تابوت عهد الرب ولجميع شيوخ إسرائيل" [9].

تقول "المشنا" اليهودية أن قراءة الخمسة الأصحاحات الأولى من السفر مع أجزاء أخرى منه كانت تجري في الأعياد.

كتب موسى النبي في اللحظات الأخيرة عظاته والوصايا الواردة في الأصحاحات السابقة. يرى بعض الحاخامات أن موسى النبي كتب 13 نسخة من الأسفار الخمسة، وأعطى كل سبط نسخة، ووضع الثالثة عشرة في تابوت العهد. آخرون يرون أنه كتب نسختين، قدَّم واحدة للكهنة واللاويين للاستعمال العام كما جاء هنا [9]، والأخرى وضعت في تابوت العهد يُرجع إليها، خاصة حين يكسر الشعب الناموس، وينحرفوا إلى العبادة الوثنية، تسمى "نسخة الرب". يقول الأسقف باتريق[289] إن موسى كتب الأسفار الخمسة، أو أكملها.

أما عن قراءتها مرة كل سبع سنوات فيقول:

"وأمرهم موسى قائلاً:
في نهاية السبع السنين في ميعاد سنة الإبراء في عيد المظال.
حينما يجيء جميع إسرائيل لكي يظهروا أمام الرب إلهك في المكان الذي يختاره،
تُقرأ هذه التوراة أمام كل إسرائيل في مسامعهم" [10-11].

حدد سنة الإبراء، السنة السابعة موعدًا للقراءة العامة لكل الشعب للتوراة. هذا بجانب قراءة الأسرة اليومية لبعض الفقرات من الشريعة، وأيضًا كان مُوسى يقرأ في كل سبت في المجامع (أع 15). هذه القراءات سواء الخاصة في البيت أو الخاصة بالجماعات المحلية كل أسبوع لا تكفي بل تلزم القراءة العامة لكل الشعب.

سنة الإبراء مناسبة لقراءة كل الشريعة، حيث يتحرر العبيد، ويبرأ المديونين من ديونهم، وترجع الأراضي المباعة أو المرهونة، فيشعر الكل الأغنياء خلال عطائهم وسخائهم والفقراء خلال مساندتهم قد تهيأت نفوسهم للطاعة للوصية الإلهية. إن كانت الوصية تدفع الإنسان لعمل الخير، فإن عمل الخير يسند النفس لقبول الوصية والتجارب معها. غالبًا ما كان يُقرأ سفر التثنية كله مع مختصر من بقية أسفار موسى الخمسة.

في عيد المظال على وجه الخصوص يفرح الكل أمام الرب (لا 23: 40)، ويسكن الشعب أسبوعًا في خيام مصنوعة من أغصان الشجر، فيشعر الكل أنهم غرباء على الأرض، لهذا يسمعون الوصية الإلهية. وكأنهم يقولون مع المرتل: "غريب أنا على الأرض فلا تخفي عنك وصاياك" (مز 119). تُقرأ التوراة حيث وصية الرب هي مصدر الفرح الحقيقي. ينصت الكل إليها بكل بهجة قلب وفرح.

تُقرأ التوراة كل سبع سنوات، حيث سبت السنوات، إذ في وصية الله راحتنا وسبتنا الحقيقي. السنة السابعة تشير إلى العمل الإنجيلي حيث الحرية في المسيح يسوع وغفران الخطايا، السنة المقبولة لدى الرب (لو 1: 74-75).

لم تكن النساء وأطفالهن ملزمون أن يصعدوا في الأعياد الأخرى، أما في عيد المظال يلتزم الكل الرجال مع النساء والأطفال أن يصعدوا للعيد، فيسمع الكل الشريعة.

"اجمع الشعب: الرجال والنساء والأطفال والغريب الذي في أبوابك،
لكي يسمعوا ويتعلموا أن يتقوا الرب إلهكم،
ويحرصوا أن يعملوا بجميع كلمات هذه التوراة" [12].

طلب أن يجتمع الأطفال مع والديهم ومع الدخلاء في الإيمان لكي ينصتوا لكلمة الله ويحرصوا على التمتع بمخافة الرب. هكذا تقدم لهم الخميرة، فيختمر عجين الجيل الجديد. ينشأ الأطفال في جو كتابي، لا يشغلهم شيء سوى محبة الله والتمتع بوعوده الصادقة في مخافةٍ ووقارٍ.

من الذي يقرأ التوراة في عيد المظال في سنة الإبراء؟

للأسف لم يمارس الشعب ذلك، ولم يسمعوا لهذه الوصية سوى مرات محدودة للغاية منذ أيام يشوع حتى مجيء السيد المسيح. مرت قرون طويلة دون ممارسة هذا الطقس المهوب. قام يشوع بقراءة جميع كلام التوراة أمام بني إسرائيل من الشعب والشيوخ والعرفاء وقضاة مع الكهنة اللاويين حاملي تابوت عهد الرب، وأمام الغرباء الداخلين في الإيمان (يش 8: 33-35).

وعندما بنى سليمان الهيكل جمع الكل وقرأ أيضًا من التوراة، لذلك دعي نفسه "المبشر Preacher" (جا 1: 1-2، 12؛ 7: 27؛ 12: 8؛ 10: 9).

وأرسل الملك يهوشفاط رؤساء يهوذا ليعلموا ومعهم سفر شريعة الرب (2 أي 17: 9).

"صعد الملك (يوشيا) إلى بيت الرب مع كل رجال يهوذا وسكان أورشليم والكهنة واللاويين وكل الشعب من الكبير إلى الصغير، وقرأ في آذانهم كل سفر العهد الذي وُجد في بيت الرب. ووقف الملك على منبره وقطع عهدًا أمام الرب" (2 أي 34: 30-31).

وعند عودة الشعب من بابل اجتمع كل الشعب كرجلٍ واحدٍ إلى الساحة وقرأ عزرا الكاتب سفر شريعة موسى (نح 8: 1-3).

"وأولادهم الذين لم يعرفوا يسمعون ويتعلمون أن يتقوا الرب إلهكم كل الأيام،
التي تحيون فيها على الأرض التي أنتم عابرون الأردن إليها لكي تمتلكوها" [13].

line

3. ظهور الرب لموسى في الخيمة:

"وقال الرب لموسى هوذا أيامك قد قربت لكي تموت.
ادع يشوع وقفا في خيمة الاجتماع لكي أوصيه.
فانطلق موسى ويشوع ووقفا في خيمة الاجتماع" [14].

إذ جاءت اللحظات الحاسمة التي فيها ينهي موسى النبي أحاديثه مع شعبه، قال له الرب: "هوذا أيامك قد قربت لكي تموت". كلما قربت أيام رحيل موسى تراءى الرب بالأكثر له ليُدرك أن رحيله ليس إلا عبورًا إلى الرب ليراه وجهًا لوجه. إنه عطية إلهية مفرحة. كلما تجلى الرب في أعماق النفس تهيأ قلب الإنسان للموت بفرح وبهجة قلب.

دُعي موسى ويشوع للقاء مع الرب، واحد لكي يستعد للرحيل ويسلم عجلة القيادة في يد تلميذه، والآخر لكي يستعد لحمل آلام الرعاية ويستلم روح الأبوة الصادقة والقيادة الناجحة من معلمه.

ظهر مجد الرب لموسى النبي، وهذه هي المرة الوحيدة التي نقرأ فيها عن ظهور مجد الرب في هذا السفر، بينما نقرأ عنه ثلاث مرات في الأسفار السابقة. ويرى البعض أن ظهور مجد الرب هنا قبيل موت موسى إشارة إلى ظهور الشريعة الجديدة، العهد الجديد عند شيخوخة حرفية العهد القديم.

"فتراءى الرب في الخيمة في عمود سحاب،
ووقف عمود السحاب على باب الخيمة" [15].

هكذا كلما تمتعنا بالحياة الإنجيلية وأدركنا عبورنا نحو السماء يتراءى الرب في خيمتنا نحن المتغربين، ويعلن مجده فينا.

ماذا قال الرب لموسى؟

أولاً: أن شعبه سيكسر العهد مع الله، هذا الذي من أجله جاهد موسى النبي أربعين عامًا، لكي يتمتع الشعب بالحب الإلهي، ويكون له نصيب في أرض الموعد رمز السماء. أما علة كسر العهد فهو ارتباطهم بالعبادة الوثنية ونسيانهم الله مخلصهم.

"وقال الرب لموسى: ها أنت ترقد مع آبائك،
فيقوم هذا الشعب ويفجر وراء آلهة الأجنبيين في الأرض التي هو داخل إليها فيما بينهم،
ويتركني وينكث عهدي الذي قطعته معه.
فيشتعل غضبي عليه في ذلك اليوم، واتركه واحجب وجهي عنه، فيكون مأكله،
وتصيبه شرور كثيرة وشدائد.
حتى يقول: في ذلك اليوم أما لأن إلهي ليس في وسطي أصابتني هذه الشرور؟!
وأنا أحجب وجهي في ذلك اليوم لأجل جميع الشر الذي عمله إذ التفت إلى آلهة أخرى" [16-18].

يؤكد الله أن كسر العهد هو من جانب الإنسان، إذ يقول: "يتركني وينكث عهدي الذي قطعته معه". فاللوم يقع على جانب الإنسان وحده.

في مرارة سقط شعب الله في عبادة آلهة الكنعانيين الذين كانوا أصحاب البلد، والآن يدعوهم الرب أجنبيين، لأنه سلم ملكية أرضهم لشعبه. لكن شعبه بعد أن تسلم الأرض رفض الله واهب الأرض وارتبط بالآلهة الغريبة التي عجزت عن حماية شعبها. هكذا إذ يقدم الله لنا كل إمكانية يسقط البعض في عبادة المال خلال الطمع أو عبادة بطونهم خلال النهم أو عبادة الملذات خلال الشهوات الشريرة.

ثانيًا: يقول الرب لموسى: "أنت ترقد مع آبائك" [16]، مع أن موسى رقد في جبل موآب، بعيدًا عن المناطق التي رقد فيها آباؤه. لهذا فإنه لا يمكن تفسير هذا القول الإلهي عن رقاد الجسد المجرد، وإنما عن راحة نفسه التي ترقد على رجاء مع نفوس آبائه السابقين له.

جاء في الترجوم ليوناثان بن عُزيل عن هذه العبارة: [أنت ترقد في التراب مع آبائك، وسترقد نفسك في كنز الحياة العتيدة مع آبائك[290]].

ثالثًا: الله في حكمته العجيبة يُعطي كل إنسان حسب قلبه. فإذ يطلب شعبه أن يترك الله [16]، يقدم لهم الله سؤل قلوبهم بأن يحجب وجهه عنهم [17]. هم أعطوا الله القفا لا الوجه، لهذا نزع وجهه عنهم فحُرموا من إشراقات حبه ولم يعودوا يتمتعون ببهاء مجده. بقوله: "احجب وجهي عنه"، يعني نزع نعمته عنهم وحمايته لهم.

رابعًا: تعليم إسرائيل خلال الترانيم والأغاني أو التسابيح. في مقدمة سفر الأمثال تحدثت عن اللغات التي يتحدث بها الله مع الإنسان، من بينها لغة التسبيح أو الترنيم. وها هو الله نفسه يطلب من موسى في اللحظات الأخيرة من حياته على أرض موآب أن يعلم شعبه بهذه اللغة.

"فالآن اكتبوا لأنفسكم هذا النشيد،
وعلم بني إسرائيل إياه.
ضعه في أفواههم،
لكي يكون لي هذا النشيد شاهدًا على بني إسرائيل" [19].

لقد وضع موسى النشيد بإعلان الروح له، مقدمًا فيه تحذيرًا لشعبه الذي يحنث بالوعد ويكسر العهد.

إن كان النشيد لم يمنع الشعب من الارتداد عن عبادة الله الحيّ إلا أنه قدَّم بابًا للتوبة والرجوع إلى الله. فإنهم إذ يتركون الرب ويسقطون في المرارة يتذكرون خلال النشيد المحفوظ عن ظهر قلب أن الله سبق فأنذرهم، وأنه لا يزال ينتظرهم، فإنه لا يُسر بسقوطهم. وكأن الله قد أعد لهم الدواء مقدمًا إياه لهم حتى متى أصيبوا يجدوا علاجًا إلهيًا قائمًا بين أيديهم.

خامسًا: قدَّم الله لهم إمكانيات للشبع والراحة، فعوض تقديم ذبيحة شكر، سقطوا في الارتداد.

"لأني أدخلهم الأرض التي أقسمت لآبائهم الفائضة لبنًا وعسلاً،
فيأكلون ويشبعون ويسمنون ثم يلتصقون بآلهة أخرى ويعبدونها،
ويزدرون بي وينكثون عهدي.
فمتى أصابته شرور كثيرة وشدائد يجاوب هذا النشيد أمامه شاهدًا،
لأنه لا ينسى من أفواه نسله.
إني عرفت فكره الذي يفكر به اليوم قبل أن ادخله إلى الأرض كما أقسمت.
فكتب موسى هذا النشيد في ذلك اليوم وعلم بني إسرائيل إياه.
وأوصى يشوع بن نون وقال: تشدد وتشجع، لأنك أنت تدخل ببني إسرائيل الأرض التي أقسمت لهم عنها وأنا أكون معك" [20-23].

line

4. تسليم كتاب التوراة:

"فعندما كمل موسى كتابة كلمات هذه التوراة في كتاب إلى تمامها،
أمر موسى اللاويين حاملي تابوت عهد الرب قائلاً" [24-25].

إذ أكمل موسى النبي كتابة كلمات التوراة سلمها للاويين حاملي تابوت العهد، لا في طقس شكلي ومجاملات قاتلة، وإنما في صراحة ووضوح وتحذير، إذ قال لهم:

"خذوا كتاب التوراة هذا وضعوه بجانب تابوت عهد الرب إلهكم ليكون هناك شاهدًا عليكم.
لأني أنا عارف تمردكم ورقابكم الصلبة.
هوذا وأنا بعد حيّ معكم اليوم قد صرتم تقاومون الرب،
فكم بالأحرى بعد موتي؟!" [26-27].

ملخص خبراته الطويلة لأربعين عامًا ليس أن الشعب بكل قيادته قد قاومه مرارًا كثيرة، وإنما قاوموا الرب نفسه بالرغم من معاملات الله الفائقة معهم على يدي موسى، فماذا يكون حالهم بالأكثر بعد رحيله.

لقد أعلن لهم ما سيحدث معهم بعد موته:

"خذوا كتاب التوراة هذا وضعوه بجانب تابوت عهد الرب إلهكم ليكون هناك شاهدا عليكم.
لأني عارف أنكم بعد موتي تفسدون وتزيغون عن الطريق الذي أوصيتكم به،
ويصيبكم الشر في آخر الأيام،
لأنكم تعملون الشر أمام الرب حتى تغيظوه بأعمال أيديكم" [28-29].

عندما جاء السيد المسيح إلى العالم وقدم الخلاص المجاني أعلن أيضًا قبل موته أنه سيظهر مسحاء كذبة وأنبياء كذبة يضللون الناس (مت 24: 24). هذا أيضًا ما قاله الرسول بولس بخصوص ظهور معلمين كذبة بعد موته.

"فنطق موسى في مسامع كل جماعة إسرائيل بكلمات هذا النشيد إلى تمامه" [30].

line

من وحي تثنية 31

هب لي روح القيادة الحقة

+ هب لي أن اقتدي بموسى أول قائد لشعبه.
أرى في نجاح القيادات الجديدة نجاحًا لي.
لا أنسب شيئًا من النجاح لنفسي.
بل كما وهبني الرب نجاحًا يهب الأجيال الجديدة ما هو أعظم وأقوى.
الله هو العامل عبر كل الأجيال.

+ علمني أن أحمل روح الرجاء في الجيل الجديد.
فأراك عاملاً فيهم بقوة.
أبث فيهم روح الشجاعة حتى يعملوا بك بروح القوة.

+ لنقتدي بموسى مستلم الشريعة.
نقدم للأجيال القادمة شريعة الرب منقوشة في قلوبنا،
معلنة في سلوكنا وحياتنا.
نحفظ وديعة التقليد الثمينة،
ألا وهي الحياة الإنجيلية العملية الصادقة.

+ كانت الشريعة كلها تُقرأ علانية في سنة الإبراء.
يسمعها حتى الأطفال في مخافة الرب.
يسمعونها في عيد المظال وهم في خيام!
لنقرأها دومًا للأجيال الجديدة.
لتكن كلمة الله مغروسة في كل قلب.
يجدون لذتهم فيها أثناء غربتهمّ
نقدمها لهم بروح الفرح الحقيقي.
يرونها سرّ بهجتنا الداخلية!

+ في أيام موسى الأخيرة كنت تتراءى له كثيرًا.
التهب قلبه بالحنين للانطلاق نحوك.
وسلم ذات الروح للقائد الجديد!
ليس لي ما أقدمه لهم سوى رؤياك!

+ ختم موسى حياته بالتغني بنشيد روحي.
هب لي أن أحمل روح التسبيح،
فتتقبل الأجيال القادمة لغة التسبيح.

line
المراجع:
[289] Matthew Henry Commentary.
[290] Adam Clarke Commentary.