Our App on Google Play Twitter Home أبحث

تفسير الاصحاح الحادى والعشرون من سفر صموئيل الثانى للقمص تادري يعقوب ملطى

مجاعة بسبب الجبعونيين

أخطأ شاول بمقاتلته الجبعونيين الذين سبق فحلف لهم يشوع بن نون ألا يقتلهم، وقد جنى الشعب الثمرة في أيام داود الملك إذ حدث جوع لمدة ثلاث سنوات، فلما سأل داود الرب كشف له عن السبب، ولم يكن هناك حل لذلك سوى تسليم سبعة رجال من بني شاول للجبعونيين، قاموا بصلبهم.

١. تأديب بسبب الجبعونيين [١-٢].
٢. داود يسترضى الجبعونيين [٣-٨].
٣. صلب أبناء شاول [٩-١٤].
٤. حرب مع الفلسطينيين [١٥-٢٢].

line

١. تأديب بسبب الجبعونيين :

حدثت مجاعة بسبب انقطاع المطر لمدة ثلاث سنوات، فطلب داود وجه الرب. كانت الإجابة: "هو لأجل شاول ولأجل بيت الدماء لأنه قتل الجبعونيين" [١]. قتلهم عن غيرة وبجهالة لكي يستولى سبطه على مالهم دون مراعاة لقسم يشوع لهم (يش ٩).

هذه المجاعة غالبًا ما حدثت بعد أحداث الأصحاح التاسع، قبل فتنة أبشالوم (٢ صم ١٥). ربما لهذا السبب عيّر شمعي داود قائلاً له: "يا رجل الدماء" (16: 7)، مشيرًا إلى الرجال السبعة من بني شاول الذين سلمهم داود للجبعونيين ليصلبوهم.

لم يذكر الكتاب المقدس من قبل عن قتل الجبعونيين في أيام شاول، لأن الكتاب لم يهدف إلى تسجيل تاريخ مفصل للملوك وإنما تقديم ما يمس تعليمنا وخلاصنا.

حقًا لقد أدرك داود النبي والملك أن وراء المجاعة سرًّا ، لهذا سأل الرب عن سببها، لكنه تأخر في السؤال. لو أنه سأل في بداية المجاعة، في السنة الأولى أو الثانية لعرف السبب وانتهت المجاعة سريعًا. للأسف لا نلجأ سريعًا للرب بل ننتظر حتى تفرغ كل حيلنا وحكمتنا وتبيد كل قواتنا ولا نجد حلاً. حينئذ فقط نلجأ إلى الله أبينا المهتم بنا. ما أقسى قلوبنا، فإننا ننسى الله في أفراحنا بل وحتى في ضيقاتنا حتى تخور قوتنا.

إن كان الله قد أعد شعبًا له في العهد القديم ليكون خميرة للإيمان وليهيئ العالم لقبول المسيّا المخلص، فإنه بين الحين والآخر يؤكد بطرق متنوعة انفتاح باب الإيمان أمام الأمم، وأنه ليست عند الله محاباة. لقد أخطأ شاول ملك إسرائيل في حق الجبعونيين الأمميين ومات شاول، ونسى الناس تصرفه هذا، لكن الله لم ينس.

 أدّب الشعب كله بالجوع مع أنه شعب الله، يعيش في أرض الموعد التي تفيض عسلاً ولبنًا وتحت حكم ملك تقي "داود النبي" وفي قمة مجده يسمح الله بالتأديب حتى يدرك الكل أن ما حدث لم يكن صدفة أو لعوامل طبيعية مجردة إنما وراءه يد الله الخفية لبنيان شعبه.

يرمز شاول إلى اليهود المتكبرين جاحدي الإيمان، ويرمز الجبعونيين – الذين من الأمم – إلى جماعة الأمم التي دخلت في ميثاق مع يشوع الحقيقي، ربنا يسوع. لقد عانت كنيسة الأمم الكثير من اليهود رافضي الإيمان، وقد سمح الله بهذا لكنه في الوقت المناسب يحرك حتى الطبيعة (الأمطار) لمساندة قطيعه الصغير بينما يخسر الجاحدون حياتهم.

line

٢. داود يسترضي الجبعونيين :

شعر داود بالحاجة إلى استرضاء الجبعونيين الأمميين حتى يستجيب الرب له فقال: "ماذا أفعل لكم؟ وبماذا أكفر فتباركوا نصيب الرب؟" [٣].. يطلب داود النبي منهم أن يباركوا شعب الرب!!!

لقد عانى الجبعونيون من شاول ورجاله الكثير، إذ قتلوا منهم وطردوا البقية من موضعهم حانثين العهد المقام بين الشعبين في أيام يشوع. وقد جاءت طلبة الجبعونيين تكشف عن جوانب طيبة في حياتهم، ربما بسببها تدخل الله للدفاع عنهم، منها:

أ. لم يستغلوا الموقف لمصلحة مادية، إذ كان الملك مستعدًا أن يقدم لهم كل طلبتهم، أما هم فقالوا: "ليست لنا فضة ولا ذهب عند شاول ولا عند بيته" [٤]. لقد استعبدهم هذا الشعب واستعبد آباءهم ومع ذلك لم يطلبوا تعويضًا ماديًا.

ب. أنهم محبون للسلام، لا يطلبون سفك دم برئ، إذ قالوا: "وليس لنا أن نميت أحدًا في إسرائيل" [٤].

ج. يطلبون تأديب بيت شاول فقط: "الرجل الذي أفنانا والذي تآمر علينا ليبيدنا لكي لا نقيم في كل تخوم إسرائيل، فلنُعطَ سبعة رجال من بنيه فنصلبهم للرب في جبعة شاول مختار الرب" [٥-٦].

لقد طلب داود منهم أن "يكفر" [٣]، جاءت الكلمة لتعني تعويضًا عما أصابهم من ضرر، أي يقدم تغطية تقابل إصابتهم، أما هم فلم يطلبوا مالاً للتغطية ولا انتقامًا لأنفسهم، وإنما تحقيق عدالة الله. القاتل هو شاول وبيته، فمن بيته يُقدم سبعة رجال ليعلقوا على خشبة لعنة (تث ٢١: ٢٣، غلا ٣: ١٣)، فيرفع الله غضبه.

ويلاحظ في هذه الطلبة أنهم لم يريدوا وضع داود الملك في حرج:

أ. لم يُحددوا الرجال.. فأعطوا الفرصة لداود ألا يُسلم مفيبوشث بن يوناثان من أجل أبيه والقسم الذي حلف به، حتى لا يصير داود نفسه حانثًا للقسم مع يوناثان وكاسرًا للصداقة العجيبة التي قامت بينهما.

ب. أنهم يعفون داود من قيامه بالصلب حتى لا يتحرج لأنهم من شعبه وهم أمميون.

ج. أن يتم الصلب في جبعة شاول، في مدينة مختار الرب، لكي يدرك الشعب أن ما حدث ليس عن نقمة ضد الشعب كله بل ضد شاول، وأنه مختار الرب لذا جاءت العقوبة شديدة!

line

٣. صلب أبناء شاول :

سلم داود الملك سبعة رجال من بني شاول للجبعونيين لصلبهم لا كذبائح بل لتحقيق العدالة. هؤلاء السبعة هم أرموني ومفيبوشث لشاول من إحدى سراريه تُدعى رصفة، هذه التي بسببها ثار مفيبوشث الملك على أبنير لأنه دخل عليها وهي سرية أبيه في محاولة لإغتصاب الكرسي (٣: ٧-١١)، وخمسة رجال أبناء ميكال التي لم تنجب ولدًا من داود (١٦: ٢٣) بل من عدريئيل بن برزلاي المحوّلي؛ وبحسب الترجوم هؤلاء الأولاد هم لأختها الميتة ميراب وقد تبنتهم هي.

جاءت رصفة سرية شاول إلى ذلك الموضع وجلست على المسوح على الصخر، غالبًا ما نصبت خيمة مع خدمها هناك، وكانت تحرس الأجساد المصلوبة حتى لا تدع طيور السماء تنزل عليها ولا حيوانات الحقل تقترب إليها.

 بقيت هكذا من بدء حصاء الشعير أي شهر إبريل / مايو. لتقضي الصيف كله ويحل موعد المطر في الخريف[1]، لترى ابنيها والخمسة رجال الآخرين يحل بهم الفساد على الخشبة يومًا بعد يوم. كانت تترجى أن يكون ابناها سبب تعزيتها في شيخوختها، لكن بسبب الخطية صارا هكذا سبب مرارة وتعب.

تأثر داود الملك جدًا بما فعلته هذه الأم العجوز، ولكي يظهر أنه لا يحمل حقدًا أو كراهية ضد بيت شاول أخذ عظام شاول ويوناثان التي دفنت خفية تحت شجرة (١ صم ٣١: ١٢-١٣) في يابيش جلعاد حتى لا يُنكل بها الأعداء، وقام بدفنها في قبر قيس في أرض بنيامين في صيلع (معناها "ضلع"[2])، يبدو أنها حاليًا خربة صلاح شمال غربي أورشليم.

line

٤. حرب مع الفلسطينيين :

انحدر داود من جبال يهوذا إلى سهل الفلسطينيين، حيث دارت الحرب وكاد أن يُقتل داود إذ كان قد أعيا – ولم يترك المعركة – لو لم ينقذه أبيشاي، حينئذ حلف رجال داود ألا يخرج معهم بعد إلى الحرب، فإنه إن قُتل يطفئ سراج الشعب كله.

يرى القديس يوحنا الذهبي الفم في رجال داود الوفاء والحب لملكهم داود فأصروا على الحفاظ على حياته بعدم خروجه بعد إلى الحرب، ويود (القديس يوحنا) من شعبه أن يتسموا بذات الحب بالحفاظ على حياته الروحية بالمثابرة على الصلاة من أجله، إذ يقول: [انظروا كيف كانوا مهتمين باستبقاء حياة الشيخ. إني محتاج جدًا إلى صلواتكم. أقول ليته لا يحرمني أحد من هذا التعهد (بالصلاة عني) ومساندتي[3]] وذلك بسبب اتضاعه الشديد.

ليتنا نحفظ رعاتنا بالصلاة من أجلهم فإنهم إن سقطوا تهلك الرعية معهم.

تكررت الحرب أيضًا في جوب حيث قتل ألحانان جليات الجتي، وهو أخو جليات الذي قتله داود (١ أي ٢٠: ٥).

line
المراجع:
[1] In Jerome Biblical Commentary, p. 178.
[2] The Westminster Dict. of the Bible, p. 1020.
[3] In 2 Thess. hom. 4.