Our App on Google Play Twitter Home أبحث

تفسير الاصحاح التاسع عشر من سفر التكوين للقس انطونيوس فكرى

إنذرا بالدينونة والخراب


الله له طرق يجذب بها النفس للسماء وكل طريقة تتناسب مع حالة الشخص. ففي الإصحاح السابق نجد الله في شركة حلوة مع إبراهيم يجذبه للسماويات وفي هذا الإصحاح نجد صورة عكسية، إنذار بالدينونة والخراب والحريق ليجذب لوط خارج دائرة الشر.

وكانت خطية سدوم وعمورة هي الشذوذ الجنسي وتسمي في العربية اللواط نسبة إلي لوط ولكن في الإنجليزية تسمي السدومية Sodomy نسبة لسدوم وعمورة وهذه أوقع.

أية 1: " فجاء الملاكان الى سدوم مساء وكان لوط جالسا في باب سدوم فلما راهما لوط قام لاستقبالهما وسجد بوجهه الى الارض "

باب المدينة : كان العظماء والوجهاء والقضاة هم الذين يجلسون في باب المدينة فهذا يدل علي عظم المركز وغني لوط الذي وصل لهما. ونجد هنا لوط الذي تربي في بيت إبراهيم يصنع ما صنعه إبراهيم في ضيافة الغرباء.

أية 2: " وقال يا سيدي ميلا الى بيت عبدكما وبيتا واغسلا ارجلكما ثم تبكران وتذهبان في طريقكما فقالا لا بل في الساحة نبيت "

لابل في الساحة نبيت : كان الغريب يبيت في الساحة إذا لم يجد مكاناً اخر (قض 20،15:19) وكان هذا احتجاجاً منهما علي لوط وبيته. إذ فضلا ان يبيتا في ساحة المدينة. نجد في 2بط 8:2 أن القديس بطرس يطلق علي لوط لقب البار فهو بار نسبياً بالنسبة لشعب سدوم وعمورة ولكن بره هذا يتصاغر جداً بالنسبة لبر إبراهيم. وكان خطأ لوط الواضح انه اختار ان يسكن في هذا المكان الشرير وبعد أن اكتشف شره لم يتركه.

وهنا مقارنة بين إبراهيم ولوط

الاصحاح التاسع عشر من سفر التكوين

ولاحظ أن إلحاح لوط أن يبيت الرجلان عنده كان ليحميهما من شر أهل سدوم الذي يعرفه.

أية 4: " وقبلما اضطجعا احاط بالبيت رجال المدينة رجال سدوم من الحدث الى الشيخ كل الشعب من اقصاها "

لاحظ فساد الشعب كله من الحدث إلي الشيخ. الكل صار في نجاسة.

أية 5:" فنادوا لوطا وقالوا له اين الرجلان اللذان دخلا اليك الليلة اخرجهما الينا لنعرفهم "

لنعرفهما: هي لغة الكتاب المهذبة للمعاشرة الجنسية.

أية 8: " هوذا لي ابنتان لم تعرفا رجلا اخرجهما اليكم فافعلوا بهما كما يحسن في عيونكم واما هذان الرجلان فلا تفعلوا بهما شيئا لانهما قد دخلا تحت ظل سقفي "

لوط يحاول ان يصلح الموقف ولكن بطريقة فاسدة، أو قال هذا ليخجلهم.

أية 9:" فقالوا ابعد الى هناك ثم قالوا جاء هذا الانسان ليتغرب وهو يحكم حكما الان نفعل بك شرا اكثر منهما فالحوا على الرجل لوط جدا وتقدموا ليكسروا الباب "

وهو يحكم حكماً : لم يحتمل هؤلاء الأشرار أن لوط يمنعهم من الأعتداء الجنسي علي الرجلين فقالوا هل يتحكم فينا هذا الغريب. بل هددوه بأن يفعلوا فيه شراً أكثر منهما. وربما هم إستاءوا من قوله في (7) لا تفعلوا شراً فقالوا هل يحكم هذا الغريب بأن أعمالنا شريرة.

أية 10: " فمد الرجلان ايديهما وادخلا لوطا اليهما الى البيت واغلقا الباب "

حاول لوط أن يحمي ضيفيه فطلب أن يخرج بنتيه لكن قاما الغريبان بحمايته مع أهل بيته.

أية 11: " واما الرجال الذين على باب البيت فضرباهم بالعمى من الصغير الى الكبير فعجزوا عن ان يجدوا الباب "

ضرباهم بالعمي : الكلمة المستخدمة للعمي تشير لنور شديد يلمع فيفقد الإنسان رؤيته أو يحدث نوع من عدم توافق النظر مع العقل فيضل الإنسان طريقه (وهذا هو حال الخاطئ لهم عيون لكنهم لا يبصرون أع 26:28) فهم ظنوا أنهم يرون باب البيت لكنهم سعوا وراء شئ أخر. (راجع 2 مل 18:6) حيث إستخدمت نفس الكلمة. أو قد تعني أنهم أحيطوا بظلام يتخبطوا فيه. ولاحظ تسلسل ضربات الله للخطاة للتحذير قبل الضربة العظيمة.

1. وقوعهم تحت الجزية وخضوعهم لكدرلعومر 12 سنة.
2. الحرب والأسر للنفوس والممتلكات.
3. ضربة العمي.
4. كرازة لوط لكنهم اعتبروه يمزح ولم يهرب أحد.

أية 12: " وقال الرجلان للوط من لك ايضا ههنا اصهارك وبنيك وبناتك وكل من لك في المدينة اخرج من المكان "

من لك ههنا: نظراً لشفاعة إبراهيم فالملاكان كان مستعدان لإنقاذ أقرباء لوط.

أية 14: " فخرج لوط وكلم اصهاره الاخذين بناته وقال قوموا اخرجوا من هذا المكان لان الرب مهلك المدينة فكان كمازح في اعين اصهاره "

أصهاره الأخذين بناته: سبق وقال أن بناته لم يعرفوا رجلاً فيكون هؤلاء الأصهار أما في حالة خطوبة للبنات أو كان لوط بنات اخرين متزوجين وهلكوا مع هلاك سدوم وعمورة.

كان كمازح: فالوعظ لا يصلح إذا كان سلوك الشخص لا يؤيده. وبالنسبة لأهل سدوم نقول إن من اعتاد علي المزاح فحين يأتي وقت الجد نجده مازحاً. فهم كانوا يمكن أن يخلصوا لكن في كل جيل يري الأشرار في إنذارات الله هزلاً ومزاحاً فيستخفون بها.

أية 15:" ولما طلع الفجر كان الملاكان يعجلان لوطا قائلين قم خذ امراتك وابنتيك الموجودتين لئلا تهلك باثم المدينة "

قم: هي دعوة من السماء أن نقوم مع المسيح القائم من الأموات في الفجر.

اية 16: " ولما توانى امسك الرجلان بيده وبيد امراته وبيد ابنتيه لشفقة الرب عليه واخرجاه ووضعاه خارج المدينة "

عجيب أن يجذب الملاكان لوط وعائلته لخارج المدينة. فهم متمسكون بالدنيويات للنفس الأخير. فكان لوط متمسكاً بالمكان وبثروته لا يريد أن يتركها.

الأيات 17-22:

" 17 وكان لما اخرجاهم الى خارج انه قال اهرب لحياتك لا تنظر الى ورائك ولا تقف في كل الدائرة اهرب الى الجبل لئلا تهلك 18 فقال لهما لوط لا يا سيد 19 هوذا عبدك قد وجد نعمة في عينيك وعظمت لطفك الذي صنعت الي باستبقاء نفسي وانا لا اقدر ان اهرب الى الجبل لعل الشر يدركني فاموت 20 هوذا المدينة هذه قريبة للهرب اليها وهي صغيرة اهرب الى هناك اليست هي صغيرة فتحيا نفسي 21 فقال له اني قد رفعت وجهك في هذا الامر ايضا ان لا اقلب المدينة التي تكلمت عنها 22 اسرع اهرب الى هناك لاني لا استطيع ان افعل شيئا حتى تجيء الى هناك لذلك دعي اسم المدينة صوغر "

طلب الملاكان من لوط أن يهرب إلي الجبل فإختار ان يذهب إلي مدينة صوغر!! وعجيب أن يختار الله لإنسان المكان الأمن فيختار الإنسان لنفسه فهل رأي لوط أن اختياره أفضل والأعجب أنه بعد أن رفض الصعود للجبل عاد وصعد للجبل (أية 30). فهل كان لوط متعباً لا يستطيع صعود الجبل وهل يتعب من يجذبه ملاكان. هل خاف لوط أن لا يستطيع الوصول للجبل قبل أن يأتي الدمار؟ هذا مردود عليه فالملاك أفهمه أنه لا يستطيع أن يفعل شئ إن لم يهرب لوط وينجو (22) أو هل هو طمع أن تكون صوغر ملكاً له فيقول "اليست هي صغيرة فتحيا نفسي" : أي هي صغيرة فلاخذها ميراثاً لأحيا عوضاً عن كل ما خسرته في سدوم. وصوغر كانت أصغر مدن الدائرة. وهذا حال كثيرين يدعوهم الله لصعود الجبل المقدس فيكتفوا صوغرأي نصيب مادي أرضي. مهما كان كبيراً فهو تافه بالنسبة للسماويات.

الأيات 24،25:

" 24 فامطر الرب على سدوم وعمورة كبريتا ونارا من عند الرب من السماء 25 وقلب تلك المدن وكل الدائرة وجميع سكان المدن ونبات الارض "

الله في رحمته لم يمطر علي سدوم وعمورة قبل أن يدخل لوط إلي صوغر فهو حريص علي لوط كانسان بار "قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيلة مدخنة لا يطفئ"

فأمطر الرب… من عند الرب: هذه تشبه "قال الرب لربي" والمعني أن الابن أمطر من عند الأب وغالباً كان خراب سدوم وعمورة عن طريق بركان قذف حمماً فطبيعة المنطقة كبريتية وباطن الأرض به غازات مكتومة مضغوطة قابلة للإشتعال وقد إنطلقت بفعل أحد الزلازل ثم إشتعلت ونزلت علي الأرض بشكل أمطار ملتهبة. وربما كانت هناك صواعق من السماء تشعل أبار الحمر الموجودة بكثرة. المهم أن غضب الله احرق المدن بطريقة ما بسبب شرها.

وهكذا كل من يجري وراء شهوته ستحرقه نار غريبة (يه 7) وما حدث في سدوم وعمورة هو نموذج للنار الأبدية قلب مدن الدائرة : غالباً تشير لغرقهم في البحر الميت، بحر الملح.

أية 26: " ونظرت امراته من ورائه فصارت عمود ملح "

الله حولها بقدرته لعمود ملح. أو أنها اختنقت من الكبريت والدخان ثم غطي الملح جسدها فصار لها قبراً. أو إنهالت عليها الحمم السائلة وجمدت عليها فصارت عمود ملح. لكن لماذا؟ هي نظرت لسدوم مشتهية خطاياها. ولذلك قال السيد المسيح "اذكروا إمراة لوط لو 37:17" فهي إشتهت أشياء عالمية وخطاياها بينما هي صاعدة للجبل فعلينا أن لا ننظر للوراء ونمتد إلي ما هو قدام. والملح في الكتاب المقدس يشير لعدم الفساد فيقال العهد عهد ملح أي أبدي وإمراة لوط أصبحت شاهدة علي نتائج الخطية شهادة أبدية.

أية 27،28: " وبكر ابراهيم في الغد الى المكان الذي وقف فيه امام الرب 28 وتطلع نحو سدوم وعمورة ونحو كل ارض الدائرة ونظر واذا دخان الارض يصعد كدخان الاتون "

إبراهيم كان قد عرف قرار الله بالنسبة لسدوم وهو ذهب لينظر حزيناً علي مصيرهما وهو نظر ولم يتحول لعمود ملح فهناك فرق في النظرة وهو لا يشتهي الخطية بل يرثي علي الخطاة.

أية 29: " وحدث لما اخرب الله مدن الدائرة ان الله ذكر ابراهيم وارسل لوطا من وسط الانقلاب حين قلب المدن التي سكن فيها لوط "

هذه الاية تثبت قوة شفاعة إبراهيم ولاحظ أن إبراهيم لم يتشفع في لوط وعائلته فقط بل للجميع ولكن الله أنقذ كل فتيلة مدخنة. ولنلاحظ المدعوين للخروج.

1. أصهار لوط: هؤلاء إستهانوا وكان لوط كمازح في أعينهم وهؤلاء هلكوا إذ رفضوا.
2. إمراة لوط: تمثل المتواجدين في الكنيسة تواجداً جسدياً لكن قلبهم مشتعل بمحبة العالم. هلكت.
3. إبنتي لوط: خرجتا لكن قلبهما لم يكن نقياً، خرجتا خوفاً من الموت وليس رغبة في عدم الشركة مع الأشرار. كانتا لهما صورة التقوي وداخلهم مملوءاً شراً.

4. لوط: متردد يمسكه الملاكان ليجذباه، متباطئ، يجادل في كلام الله ويرفض صعود الجبل ويذهب إلي صوغر (مثال لمن يرفض التقديس الكامل) حقاً قصبة مرضوضة لا يقصف.

الأيات 30-38:

" 30 وصعد لوط من صوغر وسكن في الجبل وابنتاه معه لانه خاف ان يسكن في صوغر فسكن في المغارة هو وابنتاه 31 وقالت البكر للصغيرة ابونا قد شاخ وليس في الارض رجل ليدخل علينا كعادة كل الارض 32 هلم نسقي ابانا خمرا ونضطجع معه فنحيي من ابينا نسلا 33 فسقتا اباهما خمرا في تلك الليلة ودخلت البكر واضطجعت مع ابيها ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها 34 وحدث في الغد ان البكر قالت للصغيرة اني قد اضطجعت البارحة مع ابي نسقيه خمرا الليلة ايضا فادخلي اضطجعي معه فنحيي من ابينا نسلا 35 فسقتا اباهما خمرا في تلك الليلة ايضا وقامت الصغيرة واضطجعت معه ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها 36 فحبلت ابنتا لوط من ابيهما 37 فولدت البكر ابنا ودعت اسمه مواب وهو ابو الموابيين الى اليوم 38 والصغيرة ايضا ولدت ابنا ودعت اسمه بن عمي وهو ابو بني عمون الى اليوم "

نجد لوط هنا وقد صعد للجبل وهذا ما قد رفضه أولاً. ولو ذهب أولاً لكان قد ذهب في إيمان ومحبة وطاعة لله كإبن أما الآن فهو يذهب خائفاً كعبد. وهذا الفصل الذي به يختم الكتاب قصة لوط مؤلم فهو أوضح أن إبنتا لوط شربتا الكثير من شر سدوم وعمورة والبعض قدم عذراً لهما أنهن تصورن خراب العالم كله بعد الحريق فأردن أن يحتفظن بالنسل أو هن أردن أن يحتفظن بالنسل المقدس ظنا منهما إن إبراهيم قد مات (فيأتي من نسلهن المسيح) ولكنه حل بشري خاطئ مرفوض.

وما فعلوه كان خطية بشعة وكان إبنيهما رأسين لشعبين شريرين موأب (إبن الأب أي منسوب لأبي الأم) وبني عمون (إبن شعبي أي الذي من جنسي). وموأب صار أمة كبيرة ثم إندمج مع بني عمون في الشعوب العربية